صحافة دولية

TI: الذباب الإلكتروني السعودي يلاحق المنتقدين في الخارج

مركز اعتداء الذباب الإلكتروني- تويتر
مركز اعتداء الذباب الإلكتروني- تويتر

قال موقع "ذي انترسيبت" إن الصحفي جيف غولبيرغ لم يكن الوحيد الذي يتعرض لمضايقة الذباب الإلكتروني السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد حملة ضده خلال الفترة الماضية على خلفية آرائه من السعودية والإمارات.

وقال الموقع، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن غولبيرغ لم يصدق وهو يشاهد مقطع فيديو قصير نُشر على موقعي يوتيوب وتويتر في آذار/ مارس الماضي، يصفه بأنه عدو لدود للسعودية. وزعم المعلق، حسين الغاوي، أن "عمل غولبيرغ بأكمله يهدف إلى تشويه سمعة السعودية ومصر والإمارات، من خلال نشر تحليلات مزيفة تستبعد الحسابات الوطنية والمتعاطفين الأجانب".

ويشكل الفيديو المنشور باللغة العربية، مع ترجمة مكتوبة باللغة الإنجليزية، جزءا من سلسلة منتظمة نشرها الغاوي، الذي يصف نفسه بأنه صحفي سعودي. وأظهر مقطع الفيديو صورة وجه غولبيرغ، واصفا إياه بشكل خاطئ بأنه صحفي في سي إن إن. قال الغاوي إن عمل غولبيرغ في رصد تلاعب الدول بوسائل التواصل الاجتماعي قد وضعه في خانة أكبر خصوم المملكة، وهم حزب الله اللبناني وتركيا وقطر. لقد كان اتهاما وجده غولبيرغ مروعا ومخيفا.

وقال غولبيرغ، الخبير في رصد التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي ومؤسس Social Forensics، وهي شركة تحليلات عبر الإنترنت: "مشاهدة هذا الفيديو، مع هذه الأنواع من الاتهامات الموجهة لي، جعلني أشعر أن حياتي قد تكون في خطر.. على الأقل جعلني أشعر أنه ليس من الآمن بالنسبة لي أن أقوم بهذا النوع من العمل الذي أقوم به، حتى في أمريكا".

وعلق الكاتب بأن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون مميتة بالفعل في يد دولة استبدادية، وأكثر مثال مروع على ذلك كان حملة الهجمات على الإنترنت التي وجهتها الدولة السعودية قبل اغتيال جمال خاشقجي؛ ففي الأشهر التي سبقت مقتله داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، تعرض خاشقجي لحملة مكثفة من المضايقات عبر الإنترنت نظمتها شبكة مدعومة من الحكومة السعودية من المؤثرين السياسيين والروبوتات.

فقد امتلأت الشبكة، التي يشار إليها بـ "الذباب"، بالتهديدات والتشهير ضد خاشقجي، وهو جهد تم توثيقه في الفيلم الوثائقي لعام 2020 "المنشق". لقد صوروه على وسائل التواصل الاجتماعي على أنه عدو خائن للدولة السعودية، ليس بالأمر الهين في بلد يخضع فيه الخطاب العام لرقابة مشددة، وتويتر هو المنفذ الأساسي للحوار السياسي، الغاوي نفسه متهم بالمساعدة في التحريض على خاشقجي كعدو للدولة في حملة الإنترنت ضده.

وبلغ سيل الهجمات على الإنترنت ذروته مع مقتل خاشقجي في القنصلية من قبل فرقة اغتيال يُعتقد أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أرسلها مباشرة.

ويدرك غولبيرغ هذا التاريخ جيدا؛ لذلك عندما ظهر في فيديو الغاوي، شعر بقلق عميق: لم تكن الطريقة التهديدية للرسالة مختلفة تماما عن الطريقة التي نوقش فيها خاشقجي قبل وفاته. قادما من دولة تخضع فيها جميع وسائل الإعلام لرقابة مشددة، اعتقد غولبيرغ أن فيديو الغاوي بدا محسوبا لإرسال رسالة نيابة عن الحكومة السعودية إلى أعدائها المتصورين في أمريكا.

وقال غولبيرغ: "وصف عملي بأنه الدفاع عن حزب الله أو قطر، هذه هي أنواع الاتهامات التي لا أساس لها من قبل حكومة قتلت الناس مقابل أقل من ذلك، وهو ما يجعلني أخشى على نفسي".

 ولم يكن غولبيرغ الشخص الوحيد الذي أثار حفيظة الغاوي. وفي المقطع ذاته، وصف العديد من الناشطين السعوديين المرتبطين بالغرب بأنهم خونة، وشجب عددا من الناشطين وخبراء مراكز الفكر الأمريكيين، من بينهم سارة ليا ويتسون، المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن (دون)، وكذلك أريان طبطبائي، المسؤولة في وزارة الخارجية والأكاديمية الأمريكية من أصل إيراني، والتي عملت سابقا في مؤسسة راند، وهي مؤسسة غير ربحية تقوم بأبحاث لصالح الحكومة الأمريكية.

وقال الموقع: "أصبحت المضايقات والمعلومات المضللة عبر الإنترنت من القضايا السياسية في أمريكا، ولكن في الدول الاستبدادية، يمكن أن يكون التهديد أكثر خطورة، تحت سيطرة الأنظمة الحاكمة، ويمكن استخدام الحيز العام، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، كسلاح. وأظهرت السعودية، التي يحكمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على وجه الخصوص، استعدادها لتنفيذ تهديداتها وترهيبها عبر الإنترنت، من خلال اختطاف وقتل منتقديها المفترضين، حتى أولئك الذين يعيشون في الخارج".

وقالت سارة ليا ويتسون: "من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن حرية التعبير في السعودية قد تم سحقها بالكامل تحت حكم محمد بن سلمان.. هذه الرسائل عبر الإنترنت لا تأتي من جهات فاعلة مستقلة داخل السعودية، فلا توجد أصوات مستقلة تخرج من هذا البلد اليوم".

وأضافت: "كانت هناك حملة لمضايقتي لفترة طويلة، حتى قبل مقتل جمال، لكنها تصاعدت منذ ذلك الحين.. وكانت هناك هجمات منسقة للغاية ضد منظمتنا وضد الموظفين الأفراد".

في كثير من الحالات، تبدأ مثل هذه الهجمات من الغاوي، وهو واحد من عدد من المؤثرين السعوديين الرئيسيين الموالين للحكومة، الذين يتم تضخيم رسائلهم ومشاركتها من قبل شبكة من القوميين المؤيدين للسعودية والروبوتات وحسابات أخرى غير أصلية على الإنترنت.

فيديو الغاوي الذي يشجب أمثال غولبيرغ وويتسون وآخرين، هو جزء من سلسلة منتظمة تُنشر على تويتر ويوتيوب لما يسمى برنامج "جمرة". العرض القصير، الذي يُروى كمونولوج، يركز بالكامل على تسمية قوائم أعداء النظام السعودي في جميع أنحاء العالم، ولا يعرف الكثير عن الغاوي، الذي بعرف نفسه بأنه صحفي سعودي على تويتر، حيث يروج لفيديوهاته، ويحظى بحوالي ربع مليون متابع.


وأشار الموقع إلى أنه بالنسبة لغولبيرغ، الذي يقول إنه ليس لديه أي اهتمام بسياسات الشرق الأوسط، فإن ظهوره في أحد فيديوهات برنامج "جمرة" يشير إلى أنه أثار غضب أصحاب النفوذ في السعودية، ويشك أن هؤلاء الأشخاص كانوا مستائين من عمله في تتبع نشاط وسائل التواصل الاجتماعي لدعم المملكة. ووجد غولبيرغ بيانات تحليلية تظهر تلاعبا واسع النطاق من قبل الروبوتات وغيرها من الحسابات غير الأصلية على تويتر للترويج للرسائل المؤيدة للحكومة السعودية.

وكانت المملكة العربية السعودية واحدة فقط من بين العديد من الاهتمامات، فقد نشر غولبيرغ سابقا دراسات تحليلية للتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي من قبل مؤيدي XRP، وهي عملة مشفرة شهيرة، بالإضافة إلى مؤيدي الرئيس دونالد ترامب، لكن الحديث عن المملكة أثبت أنه كان مختلفا.

 

قال غولبيرغ إنه لم يثر أي شيء رد فعل عنيفا أو خوفا مثل عمله المتعلق بالسعوديين. والأسوأ من ذلك أنه عندما واجه هذه التهديدات، التي تضمنت تغريدة سابقة من الغاوي في أيلول/ سبتمبر 2020 تتهمه وآخرين بالعمل مع حكومة قطر وحزب الله، لم تفعل المنصات نفسها شيئا لمساعدته.

وقال غولبيرغ: "أتمنى لو كنت أحد المشاهير أو شخصا لديه حساب كبير تم التحقق منه، حتى إذا بدأت في مشاركة المعلومات حول الهجمات التي تعرضت لها على تويتر أو يوتيوب، فستشعر المنصات بأنها مضطرة لإزالتها.. الأشخاص الذين لديهم منصات كبيرة لديهم القدرة على إزالة منشورات تشتمل على المعلومات الشخصية الخاصة والتهديدات بالقتل. ولكن بالنسبة للشخص العادي، عندما يحدث هذا، ليس هناك الكثير مما يمكنه فعله".

ويخطط غولبيرغ، في الوقت الحالي، لمواصلة توثيق ظاهرة شبكات المضايقة عبر الإنترنت. ومع ذلك، كان للتهديدات والاعتداءات التي تعرض لها أثر نفسي عميق. قال غولبيرغ: "أشعر أنه من المهم الاستمرار في تسليط الضوء على منطقة ضعف المنصات، لكن العمل الذي كنت أقوم به في السنوات القليلة الماضية بدأ بالفعل في التأثير عليّ، حيث يمكن أن يكون مروعا".  

وفي صيف 2020، سلط تقرير نُشر في مجلة "نيويوركر" الضوء على هدف آخر للغاوي: عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق علي صوفان. بعد أن نبهت وكالة المخابرات المركزية صوفان إلى تهديدات جادة ضد حياته في شهر أيار/ مايو، وجد نفسه مستهدفا من خلال حملة شرسة من التهديدات والتشهير عبر الإنترنت. استأجر صوفان شركة للأمن السيبراني، حددت على الأقل جزءا من الحملة عبر الإنترنت بمشاركة مسؤولين من الحكومة السعودية، وأن "هذا الجهد بدأ من قبل حسين الغاوي".

وأشار الموقع إلى محمد سلطان، وهو مواطن مصري أمريكي قضى قرابة عامين في سجن مصري في أعقاب انقلاب عسكري عام 2013، وأوشك على الموت خلف القضبان خلال إضراب عن الطعام استمر أكثر من عام.

وبعد احتجاج دولي، أطلق سراحه أخيرا، وعاد إلى أمريكا في أيار/ مايو 2015، إلا أن تحرره من السجن لا يعني التحرر من المزيد من المضايقات والتهديدات، على حد قوله، سواء من قبل المسؤولين المصريين أو حلفائهم السعوديين، بمن فيهم حسين الغاوي، الذي وصف سلطان بالمتطرف الذي خطط لتنفيذ هجمات ضد الحكومة المصرية في أحد فيديوهاته، وأنه عدو للسعودية.

واعتبر سلطان، الذي كان صديقا شخصيا لخاشقجي في واشنطن ولديه دراية بأسلوب عمل الحكومات العربية الديكتاتورية، أن الهجمات التي يشنها الغاوي وآخرون على شخصيته هي محاولة مباشرة لتبرير أي ضرر مستقبلي قد يتعرض له بأثر رجعي.

وخضعت علاقات تويتر بالسعودية للتدقيق في الماضي؛ ففي عام 2020، كان موظفان في الشركة موضوع شكوى من مكتب التحقيقات الفيدرالي، تم اتهامهما بالتجسس داخل مكتب الشركة نيابة عن الحكومة السعودية، بما في ذلك تمرير أرقام الهواتف وعناوين IP الخاصة بالمعارضين.

وتطلق تويتر بشكل دوري حملات إزالة للحسابات المؤيدة للسعودية التي يتبين أنها تسيء استخدام المنصة. في كانون الأول/ ديسمبر 2019، تمت إزالة عدة آلاف من الحسابات المؤيدة للسعودية؛ لانتهاكها "سياسات التلاعب بالمنصة" على تويتر، بعد وقت قصير من ظهور مزاعم علنية حول الجاسوسين. و العام الماضي، تم أيضا حذف 20 ألف حساب آخر قيل إنها مرتبطة بالحكومات السعودية والمصرية والصربية من الموقع.

ومع ذلك، يبدو أن كلا من تويتر ويوتيوب يسمح بالحملات المستمرة للتلاعب بالمنصتين من أطراف مؤيدة للحكومة باللغة الإنجليزية.

ويتضح نقص المراقبة بشكل أكبر في اللغة العربية واللغات الأخرى غير الإنجليزية. ويقدر غولبيرغ أن الحملات الإعلامية المستمرة المؤيدة للسعودية على تويتر تتضمن "عشرات الآلاف من الحسابات المزورة، وأن ما فعله تويتر من وقف لبعض الحسابات السعودية كان لمجرد الظهور بأنهم قاموا بتنظيف منصتهم، "وقد فعلوا ذلك، ولكن لا يزال هناك قدر لا يصدق من نفس النشاط يحدث اليوم".


 
التعليقات (0)