كتاب عربي 21

الرؤساء العرب يتصفون بهذه الصفة الحميدة

أحمد عمر
1300x600
1300x600
لن تجد صفة من صفات الإمامة الكبرى أو الرئاسة متوفرة في الرئيس العربي، سنذكّر بشروط الإمامة الفقهية الأساسية في كتب الفقه الإسلامية وكتب الآداب السلطانية:

الشرط الأول هو الإسلام:

والإسلام يعني الصدق قبل كل شيء، والمسيحية مضمرة في الدساتير الغربية، فلم يحدث أن تولى بوذي أو مسلم رئاسة دولة أوروبية، وفي المرات القليلة التي تولى فيها رئيس كاثوليكي أمريكا البروتستانتية النشأة، مثل كينيدي، كان مصيره القتل. وبايدن هو الرئيس الكاثوليكي الثاني لأمريكا. نحن نتقدم الدول الأوروبية علمانية، فأغلب رؤسائنا ليسوا على عقيدة الأغلبية: جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وعبد الفتاح السيسي..

والشرط الثاني هو العقل:

فلا تنعقد الولاية لمن فقد عقله، والعقل في القرآن محله القلب، ويصف الصحافيون المعارضون الرئيسَ العربي ظلما بالغباء، فالديون في دولته والمدن عشوائية تتكاثر، وهزائمه كثيرة وانتصاراته معدومة سوى على شعبه، لكنه فطين فهو يحسن البقاء في القصر الجمهوري، بل يورّث كرسيه غالبا لأولاده ملكا باسم رئيس جمهورية، يفوز دوما في السباق على جميع الأرانب التي تحبُّ الجزر.

والثالث الذكورة:

إن إعلام الرئيس العربي يباهي بفحولة الرئيس جهرا او سرا، كأنه ثور تلقيح، ومجلى فحولته هو الفراش (ولا نعرف كيف ينام فربما لا ينام سهرا على الوطن)، أما مع العدو في الحرب أو الصراع مع الجيران فهو فتخاء تفرُّ من صفير الصافر.

والرابع العدالة:

وهي شرط واجب في كل الولايات الدينية، فضلاً عن منصب الخلافة.

والخامس العلم:

ليقوم بأعباء منصبه على أكمل وجه، وقد اختلف العلماء في حد العلم الذي ينبغي أن يحصله شاغل منصب الرئاسة، ومذهب الجمهور وجوب تحصيل مرتبة الاجتهاد المطلق (في الفقه). يوصف الرئيس العربي عادة في إعلامه بالملهم، من غير ذكر لأسم الشيطان الذي يوسوس إليه زخرف القول غرورا.

والسادس البلوغ:

فلا تنعقد الخلافة لصغير، ويحتاج إلى وصاية غيره، بل إنّ بعض الدساتير العربية اختارت الأربعين سنا لانعقاد الإمامة، تأسيا بسنِّ الوحي، فحتى الأنبياء الذين صنعهم الله على عينه لم يبعثهم الله إلا في سنِّ الحكمة، تعليما لنا وتوجيها. وقد علمنا ما فعل مجلس الشعب السوري بمادة سن الرئيس "اللبنية"، فنُزل الدستور مثل مدرج الباصات ثم رُفع. الرجل المطاطي شخصية كومكيس معروفة في قصص الفتيان، والدستور المطاطي هو قصة الرئيس العربي المصورّة.

الحرية:

رؤساؤنا عبيد للغرب أو هم تابعون وموالي لهم، كما تقول الوقائع. وليس من شيخ مثل العزِّ عبد السلام يشتريهم ويحررهم.

الشرط الثامن الكفاءة البدنية:

ونعني بها سلامة الأعضاء والحواس من كل نقص يؤثر في كفاءة شاغل المنصب أو المرشح له، وأولها فصاحة اللسان. وقد عُلم من قبل أن القوة شرط أصيل في كل ولاية، فلا يجمل بالرئيس أن يعاني من العيِّ. فالعرب صناعتهم البيان، ولا يحسن بالرئيس أن يمشي حبْوَا على كرسي متحرك حتى لا يشمّت بنا الأعادي. وقد استغل رئيسان نقصان كفاءة الرئيس فانقلب زين العابدين بن علي على بورقيبة، وحدث أمر مشابه للرئيس الجزائري بوتفليقة.

وكانت القرشية شرطاً وزال، والمقصود بها العصبة وسدانة الكعبة، وفضل مكة المكرمة وجيرة الله.

وتجد في كتاب عيون الأخبار للدينوري حديثا عن الهمّة السامية عند الإمام، والخطار بالنفس لطلب المعالي (الشجاعة والمغامرة) واختلاف الإرادات والأماني، والتواضع ونبذ الكبر، والحياء والعقل والحلم والغضب والعز والهيبة، والذلّ للشعب والمروءة وترك التصنّع (وسنرى أن فحولة الرئيس العربي الكبرى هي في حسن التصنّع)، والتوسط في الأشياء (في النسب والعقل والقول وأنساب بعض كبار الرؤساء العرب مجهولة) وما يكره من الغلوّ والتقصير واليسار بعد الفقر.

قال عمر بن الخطاب: "السؤدد مع السواد" وهي الأغلبية، ومن تمام آلة السؤدد أن يكون السيد ثقيل السمع، أي ينام على النقد وسوء القول، وأن يكون عظيم الرأس لا عظيم المؤخرة.

وأغلب الخصائص المذكورة تتوفر في الممثلين العرب وأبطال السينما، فهم أصحاء عاقلون، يتمتعون بقدرة على الخطابة والفهم، ولهم بلاغات، وينتصرون في المعارك مع الأشرار وأحيانا على الروم في أدوار الفاتحين. فحقبة الدولة الوطنية القومية هي حقبة الممثل البطل الذي يتقمص الأدوار، ويدأب على محاربة الظلم وهو أشجع الناس في نقد السلطان في التمثيلية مزاحا لا حقيقة.

التمثيل كذبة، الممثل يلعب أدوارا كثيرة حتى إنه ينسى شخصيته الحقيقة كما يقول مارلون براندو، أشهر ممثل أمريكي. وقد حذا الرئيس العربي حذو الممثل، ومثّل دور التقوى؛ الرئيس المؤمن والرئيس الحاج والرئيس الثائر على الفساد والإقطاع والرجعية ومراكز القوى.

وهو رئيس لا يعمل إلا في ظل قانون الطوارئ، على طريقة: "سكوت حنصور".

وأسباب نجاح الرئيس في أداء الأدوار الثلاثة إلى جانب أدوار نمطية، مثل زيارة فقير في بيته أو العطف على مسكين وأكل طعام الشارع؛ أنّ الجمهور مجبر على التصديق وأنه أسير الصورة الإعلامية، فهو مجرد مشاهد، وفي أفضل الحالات كومبارس.

أول حبكتين شهيرتين سينمائيتين في آكشن السياسية العربية الخلابة الملونة "سكوب" هي:

تأجير بلطجي للتحرش بالحبيبة، وهي حبكة سينمائية معروفة، فيظهر الحبيب ويذيق البلطجي الضخم المنكبين النكال، فيصير مخلصا بطلا. الحبيبة هي أمة مصر او أمة سوريا أو أمة تونس.

تأتي الحبكة الثانية: بعد أن صار المخلّص بطلا وقبلت به الحبيبة زوجا خلصها من البلطجي، يريد أن يأكل جميع منافسيه، موالين ومعارضين، فيحجر على الزوجة ويغيّر في قائمة الطعام في الدستور وكأنه "مينو"، أو يفسّر مواد الدستور على هواه فيصير الوطن كله وجبة من وجباته. وأحيانا يدعو ضيوفا إلى جزيرة أو جزيرتين أو قطعة أرض مثل الجولان أو سيناء، مبينا كرمه مع العدو وحلمه عليه.

الحبكة الثالثة غير الظاهرة: هي أنّ للرئيس عشيقات أُخر.

نحن في عصر الرئيس الممثل، وهذا سرُّ حب الرؤساء للممثل الذي يفوق أحزابا معروفة بأثره، وهما يتصاحبان ويتآزران، مثل ذئب القيوط والغرير في صيد يرابيع الحقول.

وكان أكرم ضيوف بشار الأسد في فيلم القسم الكوميدي الاستعراضي ممثلين، والرئيس السيسي نهض لفاتن حمامة تعظيما وتكريما، ومنحت بعض هيئات دولته جائزة الأم المثالية لراقصة، واشترط عادل إمام لزيارة تونس أن يستقبله الباجي قايد السبسي، ورأيناهما يتبادلان أشهر إيفيهاته وتفاهاته.

الرؤساء والممثلون بعضهم أولياء بعض إلا من رحم الله.

جميع الصفات المذمومة:

ولقد ذكر أبو عمرو بن العلاء جميع عيوب السّادة، وما كان فيهم من الخلال المذمومة، حيث قال: ما رأينا شيئا يمنع من السؤدد إلا وقد وجدناه في سيّد: وجدنا البخل يمنع من السؤدد، وكان أبو سفيان بن حرب بخيلا. والعهار يمنع من السؤدد، وكان عامر بن الطفيل سيّدا، وكان عاهرا. والظّلم يمنع من السؤدد، وكان حذيفة بن بدر ظلوما، وكان سيد غطفان. والحمق يمنع من السؤدد، وكان عتيبة بن حصن محقا، والإملاق يمنع من السّودد، وكان عتبة بن ربيعة مملقا. وقلّة العدد تمنع من السؤدد وكان شبل بن معبد سيّدا، ولم يكن من عشيرته بالبصرة رجلان. والحداثة تمنع من السؤدد، وساد أبو جهل وما طرّ شاربه، ودخل النّدوة وما استوت لحيته.

فذكر الظّلم، والحمق، والبخل، والفقر، والعهار، وذكر العيوب كلها ولم يذكر الكبر، لأنّ هذه الأخلاق وإن كانت داء فإنّ في فضول أحلامهم وفي سائر أمورهم ما يداوى به ذلك الدّاء، ويعالج به ذلك السّقم. وليس الداء الممكن كالدّاء المعضل، وليس الباب المغلق كالمستبهم، والأخلاق التي لا يمكن معها السّؤدد، مثل الكبر والكذب والسّخف، ومثل الجهل بالسّياسة.

لتجدنَّ كل الخلال المذمومة في الرئيس العربي سوى خلة واحدة هي براعته في الكذب التمثيل، أما الكبر فهو أفضل خصاله التي يتباهى بها، حتى إنّ السيسي لم يعد يمشي بسياراته سوى على السجاد الأحمر، تواضعا لشعبه الجائع.

هناك خصيصتان مستجدتان بين الخصائص المذكورة:

أنّ البلجطي المتحرش في السينما يؤذي الحسناء بكلامه بالاتفاق مع البطل مقابل مال، أما متحرش الرئيس العربي فهو يغتصبها فيتطوع الرئيس للزواج منها وستر عارها، فتشكره وتظل له ممتنة ومنه مكسورة العين طوال عمرها.

إنّ الرئيس البطل قد يزهد كثيرا في الظهور مع الحكم الطويل والشيخوخة، ويفضَل أن يتحول إلى فنِّ الإخراج، كما فعل حافظ الأسد، ليس لأنَّ الإخراج فنٌّ أعظم من التمثيل أو لأنّه رئيس يحكم الممثلين، بل لأنَّ أَجْرَأ النَّاسِ عَلَى الأسَدِ أَكْثَرُهُمْ لَهُ رُؤْيَة‏، فيستحبُّ الغياب.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (2)
أبو العبد الحلبي
الثلاثاء، 03-08-2021 12:07 م
نشأ الشاعر عليَ بن الجهم في بغداد و أرسله أهله إلى البادية كالمعتاد في تلك الأزمنة ليكتسب عدة خصال منها فصاحة اللسان و صفاء الذهن و القدرة على تحمل شظف العيش و التأقلم في بيئة قد تدهمها المخاطر في أية لحظة مما يعزز اليقظة و الانتباه . عاد إلى بغداد مسقط رأسه و جرى استقباله في مجلس الخليفة العباسي المتوكل رحمه الله فقال له مادحاً : (أنت كالكلب في حفاظك للود ** و كالتيس في قراع الخطوبِ. أنت كالدلو، لا عدمناك دلوًا ** من كبار الدلاء ، كبيرَ الذنوبِ). في الظاهر ، قام بوصف الحاكم بمثل الكلب ، التيس ، و الدلو الذي يخرج الماء الوفير من قاع البئر . لو كان عليَ هذا يعيش في زماننا ، و قال هذا لطرطور ناطور في قطر من أقطار "أعرابستان" لجرى إعدامه بتهمة القدح في مقامات "عليا !!" أو على الأقل لأبقوه في السجن حتى يخرج منه إلى القبر، لكن المتوكل لم يغضب و أدرك أن الشاعر صادق في مدحه و إن كان تعبيره مطلياً بخشونة الصحراء . أعطاه جائزة كانت بيتاً جميلاً على شاطئ نهر دجلة في مدينة بغداد تتيح له الاختلاط بأهل الحضر . بعد فترة ، عاد الشاعر عليَ إلى مجلس المتوكل و قال قصيدة عذبة مطلعها : (عيون المها بين الرُّصافة و الجسر ** جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري) ، فقال الخليفة لمن حوله : انظروا كيف تغيرت به الحال، والله خشيت عليه أن يذوب رقة و لطفاً ! أعرف شاعراً من تلك الأزمنة لو عاش في زماننا هذا لجرى إرساله إلى سجن صيدنايا و هو حمّاد عَجْرد الذي كان يتبادل الهجاء مع شاعر آخر هو بشار بن برد ، فقال في إحدى المرات عن بشار : (بل أنت كالكلب ذلاً أو أذل ** وفي نذالة النفس كالخنزير واليعر). اليعر تعني الشَّاةُ أَو الجَدْيُ . نتيجة بيت الشعر هذا في عصرنا أن تتناوله المخابرات الجوية أو فرع فلسطين أو غيرها من الخمسة عشر جهازاً قائلة له : قريد ولآه ، اسجد لربك بشار ، و قول لا آله إلا ... و يبدأ مسلسل تعذيب ينتهي بالمعلوم ، لكن حين قال مسئول روسي عنه "ذيل الكلب" و حين وصفه ترامب ب "الحيوان" لم يستعملوا حتى حقَ الرد بالكلام !!
سعيد
الثلاثاء، 03-08-2021 04:28 ص
احسنت.التشبيه.