ملفات وتقارير

ردود فعل متباينة لدعوة النهضة لحكومة سياسية برئاسة المشيشي

تسعى النهضة لحوار مع الشركاء وكل الأطراف الوطنية للبحث عن تشكيل حكومة سياسية أو ما يعرف بالإنقاذ الوطني
تسعى النهضة لحوار مع الشركاء وكل الأطراف الوطنية للبحث عن تشكيل حكومة سياسية أو ما يعرف بالإنقاذ الوطني

لقيت دعوة حركة النهضة بتونس لتشكيل حكومة سياسية برئاسة هشام المشيشي، ردود فعل متباينة.

ففي حين رفضتها أحزاب رأت أخرى أنها قابلة للنقاش، غير أن متابعين للشأن السياسي حذروا مما اعتبروه سياسة الهروب إلى الأمام والدخول بحرب كسر العظام مع الرئيس قيس سعيد، وأن حكومة سياسية برئاسة المشيشي لا أفق لها.

 

وكان شورى النهضة دعا للبدء في مشاورات ومفاوضات وحوار حقيقي مع الشركاء وكل الأطراف الوطنية؛ للبحث عن تشكيل حكومة سياسية، أو ما يعرف بالإنقاذ الوطني، خاصة في ظل تأزم الوضع الصحي.

رفض وقبول

قال الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي في تصريح لـ"عربي21": "نحن في التيار غير معنيين بحكومة يترأسها هشام المشيشي فهو رمز الفشل، رئيس الحكومة هو قائد فريق ويجب أن يكون قوي الشخصية ويتمتع بخبرة وكفاءة وإرادة لإدارة الشأن العام، وقد فشل المشيشي على جميع المستويات صحيا، واقتصاديا، واجتماعيا في تواتر الزيادات في الأسعار، وأمنيا فيما نشهده من تغول واعتداء على الحقوق والحريات، مع تهربه ورفضه المثول أمام البرلمان مع صراع محموم مع الرئيس".

واعتبر الشواشي أن "تكوين حكومة سياسية برئاسة المشيشي عنوان الفشل، وهو هروب إلى الأمام واستثمار في الفشل ومزيد في تأزيم الأوضاع، وعلى الحزام البرلماني تحمل المسؤولية".

وفي رده على الحل الجذري الذي يتطلبه الوضع للخروج من الأزمة يرد الشواشي: "الحل ليس في تغيير الحكومات لأنها فاشلة على جميع المستويات ولا بد من رحيلها وتعويضها ليس شخصا بآخر، وإنما يكون بخارطة طريق واضحة تتضمن برنامج إنقاذ تتبناه أية حكومة وتنفذه مع حزام سياسي مسؤول وغايته الإصلاح ويكون كل هذا منبثقا عن حوار وطني جاد وغير مشروط".

من جانبه قال الناطق الرسمي باسم حزب "قلب تونس" محمد الصادق جبنون في تصريح لـ"عربي21": "لم نجتمع بعد رسميا في الحزب ومع الكتلة لتدارس الدعوة، ولكن أيضا الدعوة سيتم التشاور بخصوصها بين مكونات الحزام الداعم للحكومة ومع رئيسها".

ولم يستبعد جبنون قبول الدعوة قائلا: "نحن دائما مع حكومة سياسية نظرا لنجاعتها. المشيشي ما زال يحظى بدعم حزب "قلب تونس"".

إلا أن النائب عن حركة "تحيا تونس" مروان فلفال وفي تصريح خاص لـ"عربي21" يرى أن "الأولوية اليوم هي صحية وكيفية الخروج من الأزمة الخطيرة وتفشي الوباء، فالحديث عن تغيير حكومة بأخرى جديدة ليس أولوية الآن، والحديث عن بقاء حكومة أو تغييرها يكون بعد تجاوز الأزمة الصحية".

وأكد فلفال أن "دعوة النهضة لم يتم تداولها في الحركة بعد، وأي تغيير يجب أن يكون في اتجاه إيجاد حل للأزمة السياسية الحالية بصفة نهائية".

 

اقرأ أيضا: "شورى النهضة" بتونس يدعو لتشكيل حكومة سياسية برئاسة المشيشي

"هروب إلى الأمام"

ويرى الصحفي كمال الشارني أن حكومة سياسية برئاسة المشيشي "ستحظى بدعم "النهضة" وأنصارها في البرلمان أي "ائتلاف الكرامة" و"قلب تونس"، يضاف لها أنصار المشيشي في الكثير من الكتل الأقل عددا مثل "الإصلاح" و"تحيا تونس" و"الكتلة الوطنية"، بشرط تقاسم الحقائب الوزارية، أي المحاصصة السياسية في السلطة، وهي صراع للفوز بأكثر ما أمكن من السلطة الحساسة، بما يجعل التوافق صعبا، خصوصا في ظل مطالبة كل من "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة "بنصيب كل منهما من التعيينات".

ويعتبر الصحفي الشارني في حديثه لـ"عربي21" أن "منح الثقة لحكومة سياسية برئاسة المشيشي نظريا أكثر سهولة من حكومة سلفه الفخفاخ، لكن العراقيل التي ستواجهها أكبر وأكثر خطورة، وهي الملاحقة المتأخرة لتفشي الوباء وغرق المنظومة الصحية وتوقف الإنتاج وضرورة توفير مصادر تمويل للميزانية في ظل منظومة حكم تتميز بتشتت السلطة وكثرة القوى المؤثرة مثل اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف ولوبيات الاقتصاد، وخصوصا عدم التوافق مع الرئيس قيس سعيد الذي لا يبدو واضحا في سياسته وفي علاقته بالحكومة وبمجلس النواب إلى درجة القطيعة، بل يبدو حالما بالإطاحة بالنظام السياسي كله والذهاب إلى استفتاء على نظام حكم مغاير".

وشدد الشارني: "ستحتاج هذه الحكومة، أيا كان التوافق حولها إلى معجزة حقيقية للتوفيق بين تراجع مداخيل الدولة من جهة وتصاعد مطالب منظومة الصحة وضرورة مساعدة الفئات المتضررة من الحجر، دون اعتبار معجزة أخرى للخروج من الانغلاق السياسي والتشريعي بخصوص المحكمة الدستورية وتنقيح القانون الانتخابي".

بدوره أفاد أستاذ التاريخ المعاصر محمد ضيف الله بأن "حكومة سياسية يعني أن تتحمل الأحزاب الحكم، والحديث عن حكومة سياسية الآن فيه نوع من الضغط على المشيشي باعتبار أن وجود سياسيين في حكومته سيحد من حرية حركته، بينما حكومته مغلقة إلى حد الآن على الإداريين، كما أن حكومة سياسية ستجعل النهضة في مواجهة مع قيس سعيد مع تمسكها بهشام المشيشي، بينما هو يريد رحيل الحكومة كاملة".

وعن إمكانية تشكيل حكومة سياسية ونجاحها يؤكد ضيف الله لـ"عربي21" أن "الواقع التونسي لا يمكن أن نخرج منه، وهو ما يؤكد أنه لا بد من توافق تام بين مختلف الأطراف، سواء داخل الدولة بين مؤسساتها، أو بين الأحزاب، وأما الحل الوحيد فهو حوار وطني مفتوح وصريح".

ودعا ضيف الله إلى ضرورة الدخول في حوار حتى بغياب الرئيس، شبيه بالحوار الوطني لسنة 2013، وإن "دعوة النهضة لن يكتب لها أن تنجح دون حوار، وستمثل إحراجا للمشيشي وجولة أخرى للخصام مع رئيس الجمهورية".

"لا أفق"

من جهته أفاد الباحث والسياسي عبد الحميد الجلاصي بأنه "بعد أن تأكد أن رئيس الجمهورية سيستمر في لعب دور العرقلة كنا نأمل أن تتوافق بقية مكونات الساحة من أجل تهدئة الأوضاع وتقليص الخسائر التي سببتها سياسات الرئيس، والاستجابة للحد الأدنى من مقتضيات إدارة معقولة وناجعة للبلاد، ولكن يتأكد أن مسلسل التجريب والهروب إلى الأمام لا زال مستمرا".

واعتبر الباحث الجلاصي أن عبارة حكومة قوية وتتحمل مسؤوليتها "تعني أن الحكومة الحالية لم تكن قوية ولم تتحمل مسؤوليتها، وإذا كان الأمر كذلك فمن يتحمل مسؤوليتها؟ ومن جاء بها؟".

وتساءل الجلاصي "من يتحمل مسؤولية الإدارة الكارثية للبلاد منذ سنة؟ ألا يستحق الأمر اعترافا واعتذارا؟ ولكن الأدعى للاستغراب هو أن تكون هذه الحكومة برئاسة المشيشي هذا يفترض أنه نجح في إدارة المرحلة وأن الإشكال في فريقه، وهذا يفترض أنه يمكنه توسيع الحزام السياسي الحالي وهو غير ممكن في تقديرنا".

وختم الباحث حديثه لـ"عربي21" بالقول: "إما تحقيق قدر من التهدئة مع جبهة الرئيس ويعلم كل من يتابع الشأن التونسي أن هذا غير ممكن، أو الاستمرار في خيار المغالبة وهو لن يؤدي إلا إلى مزيد تعطيل دواليب الدولة والتوغل في الفشل والانهيار، فسياسة التذاكي وتسجيل النقاط في حرب التموقعات لن تزيد إلا في إذكاء غضب الشارع وكشف الغطاء عن منظومة مصابة بمرض التوحد في أغلب مفاصلها".

التعليقات (0)