كتاب عربي 21

الدوافع الاستراتيجية لمقترح تركيا حماية مطار كابول في أفغانستان

علي باكير
1300x600
1300x600

مع قرب موعد خروج القوات الأمريكية من أفغانستان في أيلول (سبتمبر) المقبل، اقترحت تركيا في وقت سابق من هذا الشهر إبقاء قواتها لمتابعة تشغيل وتأمين مطار حامد كرزاي في العاصمة الأفغانيّة كابل. لتنفيذ هذه المهمّة، اشترط وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أن يلتزم الحلفاء بتأمين الدعم السياسي والمالي واللوجستي اللازم لها، كما إقترح الرئيس التركي بأن يتم إشراك كل من باكستان المجر مع أنقرة في هذه المهمّة. 

حظي هذا المقترح باهتمام كبير مؤخراً كما تمّت مناقشته على هامش قمّة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بين الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان ونظيره الأمريكي جو بايدن. وتتواجد قوات تركية غير قتالية في أفغانستان منذ العام 2001 وذلك ضمن مهمة القوات الدولية لإرساء الأمن والاستقرار (إيساف) والتي تسلّم حلف شمال الأطلسي قيادتها في العام 2003. 

يقدّر عدد القوات التركية المتواجدة في أفغانستان حالياً بحوالي 600 عنصر وهي تشارك في مهمّة (الدعم الحازم) غير القتاليّة أيضاً خلفاً لـ (إيساف)، وتقوم بمهامها بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي وحلف شمال الأطلسي ذات الصلة وبتفويض من البرلمان التركي الذي قام بتمديد مهمّة القوات التركية مؤخراً لـ18 شهراً إضافياً تبدأ من 6 يناير 2021.

وقد رحبّت الولايات المتّحدة الامريكية مبدئيا بالمقترح التركي وتمّ إرسال وفد رسمي الى أنقرة لمناقشة هذا الامر ومتطلباته، لكن لم يتم حسمه بعد. وبالرغم من بعض المؤشرات الإيجابية التي صدرت عن بعض ممثلي الحكومة الأفغانية بالإضافة الى بعض الشخصيات الباكستانية الرسمية، لكن لم يجر مناقشة المقترح على نطاق واسع مع هذه الأطراف المعنيّة. 

أمّا طالبان، فقد رفضت المقترح التركي مشيرة الى أنّ أرض أفغانستان ومطاراتها وأمن السفارات الأجنبية والمكاتب الدبلوماسية فسها هي من مسؤولية الأفغان، وبالتالي لا ينبغي لأحد أن يأمل في الحفاظ على وجود عسكري أو أمني في البلاد. وبموازاة ذلك، قال الناطق باسم حركة طالبان أنّه يأمل في أن تحظى أفغانستان بعلاقات جيّدة وحميمة مع تركيا في المستقبل. 

ويعتبر المطار من أهم المرافق الأفغانية في المرحلة المقبلةخاصة بالنسبة إلى البعثات الدبلوماسية الأجنبيّة المتواجدة هناك والتي تدرس إغلاق ممثليّاتها في حال لم يتم تأمين الظروف المناسبة لضمان استمرار عملها سيما وأنّها تخاف من إستيلاء طالبان على الحكم. كما يعتبر المطار نقطة حيوية لضمان عمل المنظمات الإنسانية غير الحكومية وتدفق المساعدات الى الشعب الأفغاني. 

ويبدو المقترح التركي معقدّاً لناحيّة الأهداف التي يسعى الى تحقيقها، وهو بالتأكيد يتجاوز المطار كمنشأة حيوية الى ما هو أبعد من ذلك. وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن ثلاثة دوافع رئيسية على الأقل:

الأوّل يرتبط بحسابات تركيا الإقليمية لاسيما فيما يتعلق بتمدّد نفوذها مؤخراً في القوقاز وآسيا الوسطى ودول المجلس التركي وهي جبهة غالباً ما يتم تجاهلها وقد عادت الى الضوء مؤخراً مع الإنتصار الذي حققته أذربيجان نهاية العام الماضي وإنتهى بتحرير أراضيها من الاحتلال الأرميني بدعم تركي بالإضافة الى إعلان شوشا للتحالف الاستراتيجي بين البلدين. إنسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان في هذه المرحلة سيشجّع بعض الدول الإقليمية المنافسة لتركيا وباكستان على محاولة ملئ الفراغ بطرق متعددة، ومن بين الدول المهتمة بذلك إيران والهند.

 

يعتبر المطار من أهم المرافق الأفغانية في المرحلة المقبلةخاصة بالنسبة إلى البعثات الدبلوماسية الأجنبيّة المتواجدة هناك والتي تدرس إغلاق ممثليّاتها في حال لم يتم تأمين الظروف المناسبة لضمان استمرار عملها سيما وأنّها تخاف من إستيلاء طالبان على الحكم.

 



أمّا الدافع الثاني فيرتبط بوضع تركيا داخل حلف شمال الأطلسي، حيث خضعت عضويتها للتشكيك من قبل بعض المتطرفين الأيديولوجيين في الغرب والولايات المتّحدة تحديداً، ووصل الأمر إلى حد المطالبة بطردها من الحلف. من خلال طرحها الحالي، تؤكّد تركيا على محوريتها ودورها المركزي في حلف الناتو وعلى كونها البوابة الشرقيّة القوّية للحلف فضلاً عن قدرتها على تأدية مهام والتزامات لا يستطيع أي من أعضاء الحلف الآخرين تأديتها، وهو ما من شأنه أن يزيد من أهمّية ومكانة أنقرة داخل الحلف.

وبخصوص الدافع الثالث، فهو يتعلق بالعلاقة الإشكالية بين تركيا والولايات المتّحدة الأمريكيّة. خروج القوات الدولية من أفغانستان سيخلق حالة من الفراغ في البلاد، ومن المعلوم أنّ أفغانستان تقع في قلب منطقة آسيا الوسطى على تخوم غرب آسيا وشبه القارة الهندية وشرق آسيا، وبالتالي هي منطقة مهمة جداً للقوى العظمى والكبرى كالولايات المتّحدة والصين وروسيا. إنسحاب الولايات المتّحدة من هناك سيقوّض من الوجود الأمريكي في آسيا الوسطى وسيتيع لكل من بكين وموسكو تعزيز نفوذهما في الوقت الذي تسعى واشنطن وحلف شمال الأطلسي الى الحد من نفوذهما المتمدّد مؤخراً. التواجد التركي يتيح للولايات المتّحدة وحلف شمال الأطلسي إبقاء موطئ قدم هناك باشراف تركي وتعاون باكستاني والمجر. 

هل من الممكن تنفيذ هذه المهمّة؟ نعم بالتأكيد. هذه ليست مهمّة مستحيلة لكنّها تتطلّب توافقات واسعة على أكثر من مستوى. هناك نقاشات الآن على المستوى الأمريكي ـ التركي لدراسة كيفية تنفيذ شروط تركيا الثلاثة السابقة. وإذا ما تحقّق هذا الأمر خلال المرحلة المقبلة، سيتم الانتقال حينها إلى المستوى الثاني وهو النقاش مع الجانب الباكستاني الذي يمتلك خبرة واسعة في أفغانستان وتأثيراً محتملاً على حركة طالبان حيث سيجري إقناع الجانب الباكستاني بأهمّية المشاركة على أن يتم التباحث لاحقاً مع الجانب الأفغاني بهذا الشأن. 

T: @alibakeer


التعليقات (1)
بل هو الانبطاح التركي
السبت، 26-06-2021 03:10 م
لا أدري ما السبب في هذا الانبطاح التركي أمام التغوّل الأمريكي في حقها. فقد منعوها من المشاركة في برنامج الطائرة إف-35 رغم دفعها أكثر من مليار دولار، وأجبروها على عدم استخدام منظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400 بعد أن دفعت فيها تركيا المليارات، وأرغموها على وقف عملية درع الفرات فسمحوا بذلك للميليشيات الكردية بشن أعمال إرهابية شبه يومية تقتل وتصيب العشرات وتدمير العشرات من المباني، وأجبروها على وقف تحرير باقي ليبيا ولم تفعل تركيا شيئاً بل إنهم رتبوا لسحب السلطة الليبية الموالية لتركيا وتنصيب سلطة بديلة دون أن تقدر تركيا على فعل شيء، وأجبروها على وقف البحث عن الغاز في شرقي المتوسط وأجبروها على بدء الحوار مع اليونان. وها هم الآن يريدونها أن تواصل احتلالهم هم لأفغانستان بقوات تركية مسلمة تحت مسمَّى تأمين مطار كابول في حين أن أهل أفغانستان أولى بحماية بلدهم بكل مقدراته، وإن بقيت تركيا فلن ستكون سوى استعمار واحتلال أجنبي من أجل عيون أمريكا. وأيا كانت الحكومة التي سترى النور في خاتمة الأمر في أفغانستان فإنها أولى بحماية بلدها وأي قوات أجنبية ستكون استعماراً واحتلالاً أجنبيين يوجبان مقاومتهما والتصدي لهما. بل إن باكستان النووية والمجاورة لأفغانستان لم تقدم مثل هذا الطرح وهي أقدر على القيام بذلك لو أرادت. على تركيا أن توقف مسلسل الاستسلام هذا أمام أمريكا وفرنسا واليونان والخسيسي الإنقلابي الذي أجبرها على وقف برامج أحرار قنوات المعارضة المصرية بل وأجبرها حالياً على وقف أي نشاط إعلامي لهم ولو على قنوات يوتيوب وغيرها. ستفقد تركيا رصيدها لدى أحرار المسلمين والعرب والعالم إن هي واصلت هذا الاستسلام.