كتب

اللاجئون السوريون وإعادة بناء الدولة.. أرقام وتحديات

أعداد ضخمة من اللاجئين السوريين تحولوا إلى دول محيطة بسوريا أو أوروبية أو حتى دول عربية وأفريقية- (الأناضول)
أعداد ضخمة من اللاجئين السوريين تحولوا إلى دول محيطة بسوريا أو أوروبية أو حتى دول عربية وأفريقية- (الأناضول)

الكتاب: "سوريا بين الحرب ومخاض السلام"
الكاتب: جمال قارصلي وطلال جاسم
الناشر: منشورات "مركز الآن" (Now Culture)، تشرين الثاني (نوفمبر) 2019.

تحولت قضية اللاجئين السوريين إلى قضية عالمية في عام 2013، إذ تحوّل لاجئون كثر للسفر عن طريق البحر إلى دول أوروبية عديدة، بعد ازدياد أعدادهم في تركيا والأردن ولبنان. ورغم تضارب الأرقام والإحصائيات حول عدد النازحين السوريين من وطنهم، فإنّ الرقم الأكثر تداولاً من قبل المنظمات الدولية التي تُعنى بشؤون اللاجئين، يَدُورُ حول 5.6 مليون لاجئ سوري في الدول المجاورة لسوريا وأوروبا، و6.6 مليون نازح سوري داخل البلد، وهو الرقم الذي يمثّل أكبر عدد نزوح لشعب في العالم، وهؤلاء فرّوا من العنف الذي أفرزته الحرب.

وتَدُّلُ المعلومات المتوافرة لدى "المركز الروسي لاستقبال وتوزيع اللاجئين في سوريا" على أنَّ ستة ملايين و982 ألفاً و302 لاجئ سوري مسجلون اليوم في أراضي 45 دولة أجنبية، فيما بلغ عدد اللاجئين السوريين في أوروبا حدود الـ 900 ألف توزّعوا على حوالي 37 دولة أوروبية، 59% في صربيا وألمانيا و29% منهم بين السويد وأستراليا وهنغاريا والدنمارك، أما الباقي فقد شكّلوا حوالي 12% فتوزّعوا في بقية دول الاتحاد الأوروبي.

ويُقَدِّرُ البنك الدولي أنَّ الخسائر المتراكمة في إجمالي الناتج المحلّي السوري بين عامَي 2011 و2016 قد بلغت 226 مليار دولار، أي نحو أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلّي السوري في العام 2010. كما قدّر صندوق النقد الدولي كلفة إعادة الإعمار في سوريا بما يتراوح بين 100 إلى 200 مليار دولار.

وفي عشر أكبر مدن في البلاد، دُمِّر أكثر من ربع المساكن المتوفرة في 2010، جُزْئِيًا أوْ كُلِيًّا بحلول 2017، خصوصًا في المدن التي خرجت عن سيطرة الدولة لفترة من الوقت. مستويات الدمار كانت أكبر بكثير في دير الزور وتدمر (41 بالمائة في كلٍّ منهما)، وحلب وحمص (30 بالمائة في كلٍّ منهما)، ودرعا (15 بالمائة). 

وفي هذه الأثناء، أدَّى النزوح الجماعي للمدنيين إلى احتلال النازحين داخليًا على نطاقٍ واسعٍ للمساكن الشاغرة في غياب أصحابها، وإلى نشوءِ مُخَيَّمَاتٍ مُؤَقَتَةٍ على أراضٍ يملكها مدنيون فَرُّوا من النزاع. ويُرجَّحُ أن تُوَلِّدَ هذه المسائل نزاعات قانونية للاجئين العائدين الذين يسعون إلى استعادة أصولهم وممتلكاتهم.

وحوالي 78% من المواطنين السوريين يعيشون في مناطق دمشق وحمص وحماه والساحل السوري والسويداء والقامشلي، حيث المواصلات متوفرة بين بعضها البعض، ويمكن لنا أن نُسَمِّيهَا (بسوريا المفيدة) على أهمية كل الجغرافيا السورية بالنسبة للجيش والدولة السورية.

أعداد ضخمة من اللاجئين تحولوا إلى دول محيطة بسوريا أو أوروبية أو حتى دول عربية وأفريقية بالإضافة إلى أمريكا وأستراليا، لكن ما زالت أعدادهم قليلة مقارنة بالنزوح الداخلي الأضخم. وتقول بعض التقارير الغربية: "إنَّ أَكْثَرَ من 7 ملايين سوري تَرَكُوا منازلهم وهَجَرُوا مناطقهم إلى مناطق أخرى ضمن سوريا، حيث شهدت مدينة حلب بداية أكبر عدد من النازحين قبل أن يتم قصفها، ثم تلتها مدينة دمشق واللاذقية وحماه بالإضافة إلى مدينة طرطوس".

لقد خصّص الباحثان جمال قارصلي، فصلًا كاملًا في الكتاب لدراسة وضع اللاجئين والمهجرين والنازحين السوريين. كما تناول  الباحثان في كتابهما واحدة من أهم قضايا ما بعد إنهاء الصراع في سوريا، ألا وهي قضية إعادة الإعمار التي تُعدُّ الأبرز بعدما دمرت الحرب في السنوات الماضية أكثر من ثلثي الجغرافية السورية.

يقول الباحثان في هذا السياق، أنهما "في هذا الكتاب نلقي نظرة واسعة على إعادة الإعمار، فكما هو معلوم، عندما تنتهي الحروب المدمرة، تاركة خلفها الكثير من الخراب والجروح الغائرة في ضمائر ونفوس البشر، تبدو للوهلة الأولى أنّه لا توجد فرصة للبدء في إعادة بناء أيّ شيء كان، ولكن الأمم العريقة سرعان ما تنبعث من جديد من تحت الركام لتبدأ بحقبة جديدة، ساعية إلى مستقبل أفضل، متجاوزة كل مآسيها، ومتحاشية كل أسباب ما حلّ بها من خراب ودمار"، مؤكّدين أنّه علينا "أن نعي أنّ تجارب الأمم في إعادة البناء تشير بوضوح إلى أنّنا كسوريين سنتحمل كل أعباء إعادة بناء وطننا وسندفع تكاليفه وربّما لبعض الدول التي دمرت بلدنا، وستظلّ هذه الدول تملي علينا ما تريده لسنين طويلة، ورغم ذلك لا بدَّ من وضع الخطط الصحيحة وبشكل ممنهج وواعي من أجل إنهاء هذه التدخلات".

يُعَدُّ انعقاد المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين السوريين خطوة مهمة على طريق إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية المتفجرة منذ عشر سنوات عجاف، رغم الخلافات و العراقيل التي حالت دون انعقاده في السابق، بسبب التباينات في المواقف العربية والغربية والأمريكية، في مقاربة لملف عودة اللاجئين السوريين الذي ربط مساره بالحل السياسي في سوريا.

لا شكَّ أنَّ ملفَّ عودة اللاجئين مرتبطٌ بمسألة إعادة الإعمار التي تضع دول غربية في مقدمتها الولايات المتحدة، خطوطاً حمراء على البدء بتنفيذها في البلاد، قبل إنجاز التسوية السياسية بناء على القرار 2254 والمرجعيات الأممية.ومسألة إعادة الإعمار تتطلّب تمويلاً، وغالباً ما يكون مصدره الأوروبيون والبنك الدولي والمؤسسات الدولية وبعض الصناديق العربية، وبالتالي أجواء هؤلاء لا تزال رافضة لأي تعاون مع الدولة السورية.

 

إقرأ أيضا: المحددات الداخلية لنجاح إعادة بناء الدولة الوطنية في سوريا

 

إقرأ أيضا: إعادة بناء الدولة السورية مرتبط بالتوافق الإقليمي والدولي



التعليقات (0)