مقالات مختارة

المنعرجان التاريخيان في مظلمة القرنين

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

نعيش اليوم وخاصة جيلي، الذي تربى على قيم الحقوق الفلسطينية وعلى وقع المظلمة التاريخية المسلطة بالقوة الغاشمة على شعب عربي، كما تربى على ملاحم المقاومة لكل مستعمر ومحتل في الجزائر وفي أفريقيا وفي فيتنام، ثم في البوسنة والهرسك، وعاش جيلي أيضاً على أصداء هزيمة الاستعمار الفرنسي في الجزائر البطلة وهزيمة الامبراطورية الأمريكية في فيتنام العظيم، ثم هروب جنود الامبراطورية السوفييتية في أفغانستان أمام أحرارها، وبالتوازي شهد جيلي انكسار جيوش روسيا على صخرة الكفاح الشيشاني المسلم، هذه الملاحم البطولية التي عشتها مع جيلي أكدت لنا أن إرادة الشعوب في التحرر والاستقلال هي من إرادة رب العالمين، ولا مرد لقضاء الله سبحانه.


يشهد هذه الأيام جيلي انتصار شعب فلسطين بدماء شهدائه من الأبطال والأطفال والحرائر على نفس الطريق المستقيم الوحيد المؤدي إلى النصر، وهو طريق المقاومة التي يسندها القانون الدولي وتؤيدها قوة ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن حتى لو سقطت بالفيتو الأمريكي، وحتى لو لم يعترف بها النظام اليميني العنصري المتطرف في إسرائيل، وحتى لو جاءت أربعة أعوام عهدة ترامب ببدع عجيبة تعوض القانون الدولي بالإملاءات الأمريكية!، هذا هو قدر المقاومة في كل مكان من العالم: تضحيات وفداء وصبر وإيمان في عز المحنة بالنصر وهكذا كان وسيكون بإذن الله مصير المقاومة الفلسطينية.


نحن مع القضية الأم اليوم في منعرجين: المنعرج الأول هو أنه لأول مرة منذ ثلاثة عقود يتحد كل أبناء الشعب الفلسطيني على كلمة سواء من الغزاويين المحاصرين والموصومين بالإرهاب ظلماً ومن أبناء الضفة الغربية المناضلين ومن أبناء ما يسمى بفلسطينيي 48 والمنطقة الخضراء تمويهاً، لأن العنصرية الصهيونية حولتها إلى منطقة حمراء بدماء ضحايا القمع والتمييز العنصري (وإيقافات الشباب الفلسطيني داخل خط 48 يوم الإثنين الماضي أكدت أن الاحتلال استعمار)، وأيضا كل أبناء الشتات الفلسطيني في كل قارات العالم، وهم من نخبة الشعوب المقيمة في المهاجر.


الوحدة الفلسطينية تحققت، وهي المكسب الأول والمنعرج الأكبر في مسار القضية، ومن هنا فصاعداً سيواجه المستعمر المحتل شعباً موحد الفصائل مقر العزم على استعادة حقوقه المشروعة، وسوف لن يلعب الاحتلال على انقساماته العابرة.


أما المنعرج الحاسم الثاني فهو التغيير العميق الذي حصل في وعي المجتمع الدولي بحقيقة الاحتلال الإسرائيلي وحقيقة المقاومة الفلسطينية، فقد تحركت مظاهرات عارمة لا في مدن العالم العربي والإسلامي فقط بل في الولايات المتحدة وكافة مدن الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وأستراليا وأغلب عواصم أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبدأ الواعون من السياسيين الإسرائيليين يقرأون حساباً للتغيير العميق الحاصل لدى شرائح واسعة من الرأي العام العالمي في تقييمه لملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأن الصور القادمة من أنقاض المباني المقصوفة صدمت المخيال العام للشعوب بمشاهد أشلاء الأطفال، وارتسمت حركات شعبية في كل القارات تطالب دولها بمواقف أكثر عدلاً وتفهماً للقانون الدولي، وعلى المستوى الأمريكي وهو المؤثر الأكبر في مجرى الأحداث ورغم الموقف الدائم المؤيد لإسرائيل بشعار قديم وهو "حقها في الدفاع عن نفسها"!، لكن ثلاثة اتصالات هاتفية بين الرئيس بايدن ونتنياهو تدل على القلق الشديد لدى الإدارة الأمريكية استجابة للمسيرات الكبيرة التي خرجت لأول مرة في المدن الأمريكية ترفع الأعلام الفلسطينية وبروز تيار (بيرنى ساندرز) المرشح للرئاسة الأخيرة وانتقاده لسياسات إسرائيل وصوت نائبة الكونغرس من أصول لاتينية (الكساندرا أوكاسا كورتيز) إلى جانب أصوات أخرى مثل (رشيدة وإلهان عمر) كلها تفرض ضغوطاً على الإدارة الأمريكية لتقوم بدور أكبر وأكثر فاعلية، وهذا ما تم التعبير عنه في الاتصالات مع دول المنطقة والاتصال الهاتفي لأول مرة من الرئيس بايدن بالرئيس عباس وإعلان تأييده لحل الدولتين، ثم الزيارة المكوكية التي يؤديها مبعوث الرئيس بايدن إلى كل العواصم المعنية بالقضية الفلسطينية.


إننا إزاء منعرجين خطيرين في الصراع القديم، وعلى العالم أن يختار بين العدل والظلم وبين الحق والباطل، يكفي أن تقرأ افتتاحية (هآرتس) ليوم الأربعاء الماضي التي تقول: "نحن خسرنا الحرب أمام شعب قوي مقاوم"، أو أن تقرأ لائحة تقدم بها المحامون الأوروبيون لمحكمة الجنايات الدولية ضد جرائم إسرائيل أو تستمع إلى وزير خارجية فرنسا يتهم إسرائيل بالتمييز العنصري أول أمس لتدرك أن الحق انتصر على الباطل.

 

عن الشرق القطرية

0
التعليقات (0)