كتاب عربي 21

انتفاضة ليلة القدر

محمد عايش
1300x600
1300x600

أجمل ما في القدس أنها تجمع ولا تُفرق، توحد ولا تُشتت، وأنها القاسم المشترك الأكبر للفلسطينيين جميعاً وللأمة العربية والاسلامية جمعاء، لا يختلف على القدس وقضيتها ومسجدها الأقصى اثنان، ولذلك فكلما شهدت المدينة المقدسة هبَّة شعبية اصطف أحرار البشرية خلفها داعمين. 


"انتفاضة ليلة القدر" التي بدأت في المسجد الأقصى المبارك بالعشرة الأواخر من رمضان استطاعت مجدداً أن تبث الحياة والروح في الأمة، واستطاعت أن تستنهض الهمم، ونجحت في أيام قليلة بتحقيق جملة من الانجازات المهمة بعد أن تحولت إلى ملحمة أسطورية بمعنى الكلمة للدفاع عن الحرم القدسي والتصدي لعدوان الاحتلال الذي يهدف إلى تغيير الواقع وطمس الوجود العربي والإسلامي فيه.


هذه الانتفاضة الشعبية المقدسية تُشكل فرصة تاريخية مهمة لإنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني وتوحيد الشارع مرة أخرى، سياسياً وجغرافياً، كما أنها فرصة لإعادة الوحدة إلى الشارع العربي أيضاً الذي لم يجتمع على قضية من محيطه إلى خليجه كما هو مجتمعٌ اليوم على قضية القدس وضرورة دعم الصمود الفلسطيني الأسطوري هناك.


ثمة جملة من الإنجازات المهمة حققتها هذه الانتفاضة المقدسة التي بدأت في المسجد الأقصى، وأهمها:


أولاً: استنهضت فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 وأعادتهم إلى مكانهم الصحيح، إذ لم يسبق أن شهدنا هذا المستوى من النفير في أوساطهم، بما في ذلك خلال انتفاضة الأقصى عام 2000 التي بدأت من المسجد الأقصى أيضا، وهذا يعني أننا أمام جيل جديد من فلسطينيي الداخل أكثر تمسكاً بهويته ومقدساته وأكثر إيماناً بقضيته، حيث إن أغلب الذين تدفقوا على الأقصى هم شباب ولدوا بعد انتفاضة العام 2000 أو أنهم كانوا أطفالاً حينها. 


ثانياً: الدور المحوري الذي لعبه فلسطينيو الـ48 في "انتفاضة ليلة القدر" يعني أن أكثر من 70 عاماً من المحاولات والمشاريع الإسرائيلية لتفتيت الفلسطينيين وسلخهم عن بعضهم بواسطة بطاقات هوية متعددة الألوان، إنما هي محاولات باءت بالفشل، وعند أول مواجهة فإن الفلسطينيين في كل المناطق يقفون صفاً واحداً موحداً غير مفتت.


ثالثا: أعادت هذه الانتفاضة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العربي والعالمي وأعادت تسليط الضوء على القضية الفلسطينية التي كدنا نقول قبل شهور قليلة بأنها أصبحت نسياً منسيا، خاصة في ظل اتفاقات التطبيع العربية مع الاحتلال، والهرولة العربية غير المسبوقة للارتماء في أحضان نتنياهو. وقبل هذه الانتفاضة كانت "هبة باب العامود" وقبلها معركة "باب الرحمة" وقبلها معركة "البوابات الإلكترونية"، في كل مرة كانت القدس هي البوصلة وكانت وحدها القادرة لإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام في العالم العربي والإسلامي ولدى كل أحرار العالم على اختلاف المكان والزمان والأديان.


والخلاصة هنا هي أن "انتفاضة ليلة القدر" تشكل فرصة تاريخية مهمة لإنهاء الانقسام الفلسطيني والتوصل إلى اتفاق وحدوي شامل على قاعدة الالتحام مع الشارع وعلى أساس برنامج المقاومة الشاملة، كما أنها فرصة لإعادة إنتاج المشروع الوطني الفلسطيني بعيداً عن السلطة ووظيفتها الحالية وبنيتها القائمة على خدمة الاحتلال. أي إن حركتي حماس وفتح ومعهما باقي الفصائل باتوا اليوم أمام فرصة للاتفاق على إنهاء الانقسام وتغيير وظيفة السلطة وإعادة بناء منظمة التحرير وإصلاحها  كحركة تحرر وطني يمكن أن تقود الشارع الفلسطيني في المرحلة المقبلة. 


إما أن تستغل الفصائل هذه الفرصة التاريخية، أو أن تظل على موعد مع سنوات إضافية من التيه السياسي وفقدان البوصلة، وفي كل الأحوال فإن الشارع سيواصل التحرك دفاعاً عن القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وسوف يواصل تقديم التضحيات.

التعليقات (0)