تقارير

معركة جنين بين العراق وإسرائيل.. تاريخ ودلالات

معركة جنين نموذج تاريخي لعلاقة العرب بفلسطين- (فايسبوك)
معركة جنين نموذج تاريخي لعلاقة العرب بفلسطين- (فايسبوك)

شحيحة هي الدراسات والبحوث التي سلطت الضوء على المتطوعين العرب والمسلمين الذين استشهدوا أثناء تصديهم للعصابات الصهيونية إبان محاولات احتلالها للقرى والمدن الفلسطينية؛ وقد سقط المئات من الشباب العربي شهداء دفاعاً عن عروبة فلسطين وأهلها منذ وعد بلفور وحتى عام 1948 وبعده.

ومن بين هؤلاء الشهداء العديد من جنود وضباط الجيش العراقي الذين سقطوا خلال معارك شرسة مع العصابات الصهيونية دفاعاً عن مدينة جنين التي جرت فصولها في حزيران (يونيو) عام 1948. وقد احتضنت المدينة رفاتهم الطاهر، وبالتحديد مقبرة الشهداء في إحدى قرى جنين، وهي جنزور (مثلث الشهداء) في شمال قرية قباطية. ويخلد الفلسطينيون ذكرى هؤلاء الشهداء العراقيين الأبطال  بشكل مستمر.

بطولات الجيش العراقي

بعد الإعلان عن إنشاء إسرائيل، قدمت إلى فلسطين قوات من الجيش العراقي للدفاع عن ثراها وعن الشعب الفلسطيني؛ وقد وصل قوام تعدادهم إلى (19) ألف جندي وضابط؛ وخاض الجيش العراقي معركة جنين الخالدة التي قادها المقدم "عمر علي" العراقي مع سريتين من الجنود جنباً إلى جنب مع خمسين مناضلا من الفلسطينيين، يقودهم القائد فوزي جرار، ورابطت في منطقة المثلث، حيث كانت تجري عمليات تهجير وطرد قسري من 531 قرية ومدينة فلسطينية. 

وقد شكلت معركة جنين وبطولة الجنود العراقيين بقيادة المقدم (عمر علي) مفخرة لكل العرب الذين دافعوا عن عروبة فلسطين، ونبراسا لا ينسى من ذاكرة الشعب الفلسطيني. وتم تحرير مدينة جنين على يد القوات العراقية وطرد المنظمات الصهيونية منها وعلى رأسها "الهاغانا" عام 1948 إثر معارك شرسة. وقد سقط من ضباط وجنود الجيش العراقي (207) شهداء. وتشهد مقبرة جنين القسام على تضحياتهم، ويعود لهم الفضل في صمود أبناء المثلث الفلسطيني لمدة طويلة.

وقد خاض الجيش العراقي معارك عديدة في مجدل الصادق والطيرة الصعبية. وكان الجيش العراقي ومعه قوات عربية وفلسطينية على حافة تحرير حيفا، حيث تمت محاصرتها، ولكن تقدم الجيش توقف فجأة بسبب رفض القيادة السياسية في بغداد إعطاءه الأوامر للزحف وتحرير المزيد من الأرض.. ما سبب إرباكا شديدا بين صفوف القوات، وكان أحد الأسباب المباشرة للخسارة في الحرب هو رفض القيادة للتقدم وإعطاؤها الأوامر للقوات بالانسحاب باتجاه العراق.

وكان الجيش العراقي آخر الجيوش التي أجبرت على الخروج من فلسطين، ولم يوقع هدنة مع دولة الاحتلال، وخرج بعد عقد اتفاقية رودس في الثالث من نيسان (أبريل) عام 1949، ويوم خروجه إلى بغداد أخذ معه في ناقلاته العسكرية نحو (2500) فلسطيني من أبناء حيفا وقراها إلى العراق. وقبل انسحاب الجيش العراقي من جنين أقام بالتعاون مع بلدية جنين، نصباً تذكارياً وسط المدينة، تذكاراً لشهداء جنين وقراها، وتم الاحتفال بإزاحة الستار عنه وألقى المقدم محمود شيت خطاب قصيدة رائعة. وأقام الجيش العراقي نصباً تذكارياً آخر لشهداء العراق في المعركة عند مفرق طريق (جنين ـ قباطية ـ نابلس).

متطوعون عرب ومسلمون 

تعتبر فلسطين جزءا من الوطن العربي والإسلامي الكبير، وشعب فلسطين جزء من الأمة العربية والإسلامية. ونظراً لما تعرضت له فلسطين من غزو استعماري ـ صهيوني يستهدف الأمة العربية والإسلامية وليس فلسطين فحسب، ولما اقترفه الصهاينة في فلسطين من مذابح، بالإضافة لما تتمتع به فلسطين من موقع جغرافي مميز ومكانة استراتيجية هامة في الوطن العربي والإسلامي، ولما تحظى به من قداسة وأهمية دينية في العالم الإسلامي، حيث إن مدينة القدس قبلة المسلمين الأولى وأرض الإسراء والمعراج وفيها المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين.. لكل ذلك، كان من الطبيعي أن تستقطب قضية فلسطين اهتمام العرب والمسلمين وتستثير حميتهم منذ صدور وعد بلفور في الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1917 الذي عزز بقرار عصبة الأمم عام 1922، ورفضه العرب بشدة وقاوموا تحويل فلسطين إلى (وطن قومي) لليهود. 

ولما كانت حكومات معظم الأقطار العربية والإسلامية خاضعة للنفوذ الاستعماري، عاجزة عن القيام بواجبها نحو فلسطين، فقد تطوع العديد من المجاهدين العرب والمسلمين للدفاع عن عروبة القدس وفلسطين وإسلاميتها والمشاركة في انتفاضتها وثوراتها المتواصلة وصولاً إلى حرب عام 48، سطر لهم التاريخ شرف الجهاد والاستشهاد في سبيلها إلى جانب المجاهدين والشهداء من أبناء فلسطين. 

 

حسب الجزء الأول من الموسوعة الفلسطينية اشترك في العشرينات من القرن العشرين، عدد من المتطوعين العرب في النضال السياسي والعسكري في فلسطين في معارك أعوام 1920 و1961 و1925 و1969، وكانت أوسعها أحداث عام 1929 التي عرفت بثورة البراق؛

 



وبما أنه من الصعوبة علينا ذكر أسماء جميع الذين تطوعوا للدفاع عن فلسطين من العرب والمسلمين وسقطو شهداء دفاعا عن فلسطين؛ فإننا للدلالة فقط نشير إلى ما أورده المؤرخ عارف العارف في كتابه "نكبة بيت المقدس" حول الشهداء المتطوعين العرب والمسلمين دفاعا عن فلسطين في حرب فلسطين عام 1948 وكان كما يأتي: (494) شهداء جيش الإنقاذ في أنحاء كثيرة، وخاصة في قريتي الزراعة والشجرة، ومستعمرة مشمار هاعيمك، وباب الواد، وفي أثناء، وثمة (200) من الشهداء المصريين المتطوعين، وأكثرهم من الإخوان المسلمين، فضلاً عن (200) شهيد من الأردن، وقد جاء بعضهم مع الإخوان وبعضهم مستقلاً، كما سقط (204) شهداء من السوريين المتطوعين، في حين استشهد (200) من المتطوعين العراقيين، واستشهد (105) من المتطوعين السعوديين، و(150) شهيدا متطوعا من لبنان، و(200) شهيد من الدول العربية الأخرى، منهم: (21) يمنيون، (15) ليبيون، (12) مغاربة، (40) شهيداً من المسلمين اليوغسلاف والأتراك والألبان، كما أورد المؤرخ عارف العارف أن عدد الشهداء من أبناء فلسطين في حرب عام 1947- 1949 بلغ (13000) شهيد.. 

وقد دفنت أضرحة الشهداء من المتطوعين العرب والمسلمين في مقابر الشهداء في عدة مدن فلسطينية، ومنها مدينة يافا وحيفا والقدس؛ وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن ضريح الشهيد المجاهد عزالدين القسام موجود في قريتي "بلد الشيخ" قضاء حيفا؛ وقد استشهد في معركة يعبد قضاء جنين في 19-11-1935.

رمزية معركة جنين

لدفاع الجيش العراقي عن فلسطين وخوضه معارك شرسة ضد العصابات الصهيونية وخاصة في مدينة جنين، رمزية فائقة دالة على بطولة الجنود العراقيين والعرب والاستبسال؛ ولولا تواطؤ بعض القادة العرب لما سقطت فلسطين بيد العصابات الصهيونية؛ وكان هناك عدد كبير من المتطوعين العرب من المغرب العربي والسعودية وسوريا والعراق واليمن والسودان والأردن وليبيا؛ خاضوا معارك مشرفة للدفاع عن فلسطين وشعبها وثمة مقابر في مدن فلسطينية كحيفا والقدس دفن فيها جثامين من الشهداء العرب، وتكرر المشهد خلال الغزو الإسرائيلي للبنان في صيف عام 1982، حيث سقط العشرات من المتطوعين العرب دفاعاً عن الثورة الفلسطينية، ومقابر الشهداء في بيروت شاهدة على ذلك أيضاً.

وقبل ذلك تطوع العديد من الشباب العربي ومن دول إسلامية بغرض الدفاع عن عروبة القدس وفلسطين وإسلاميتها والمشاركة في انتفاضاتها وثوراتها المتواصلة، سطر لهم التاريخ شرف الجهاد والاستشهاد في سبيلها إلى جانب المجاهدين والشهداء من أبناء فلسطين، وذلك على الرغم مما أقامه الاحتلال وحلفاؤه من عوائق ومواقع لعزل فلسطين عن عمقها العربي والإسلامي، للاستفراد بشعبها المجاهد وفرض السيادة الاستعمارية ـ الصهيونية عليهم. 

وبما أنه من الصعوبة بمكان استحضار وذكر أسماء جميع الذين تطوعوا للدفاع عن فلسطين من العرب والمسلمين فإننا سنكتفي بذكر الأسماء البارزة لقادة المتطوعين والشهداء العرب والمسلمين قبل إنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي على القسم الأكبر من أرض فلسطين التاريخية.

وحسب الجزء الأول من الموسوعة الفلسطينية فقد اشترك في العشرينيات من القرن العشرين، عدد من المتطوعين العرب في النضال السياسي والعسكري في فلسطين في معارك أعوام 1920 و1921 و1925 و1929، وكانت أوسعها أحداث عام 1929 التي عرفت بثورة البراق؛ وكان من أبرز أصدائها عربياً أن الزعماء الوطنيين في شرق الأردن عقدوا مؤتمراً عام 1920 في قرية (قم) في شمال الأردن في منزل ناجي العزام وطالبوا بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقاموا بهجوم على الحماية البريطانية في قرية سمخ في قضاء مدينة طبرية وعلى المستعمرات اليهودية المجاورة لها بقيادة الشهيد (كايد العبيدات)، الذي كان أول شهيد من أصل أردني على أرض فلسطين.

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا


التعليقات (0)

خبر عاجل