قضايا وآراء

ذكرى الاحتلال وأَنْصاف الدول والثورات!

جاسم الشمري
1300x600
1300x600
في التاسع من نيسان/ أبريل 2003 بدأت مرحلة مُرهقة ومُظلمة وقاسية وساحقة ومُدمّرة من تاريخ العراق الحديث، وما زلنا حتّى اليوم نعاني من تداعياتها المريرة، التي ربّما ستستمرّ لعشرات السنين!

تمّ احتلال العراق بكذبة كبيرة، وتعالت الأصوات الداعية لنشر الديمقراطيّة بعد مرحلة "الديكتاتوريّة"!

وبعد سنوات وسنوات صرنا في منتصف طريق مخيف، فلا نحن "دولة ديمقراطيّة"، ولا نحن دولة لها أيّ شكل من أشكال أنظمة الحكم في العالم، وربّما الوصف الأدق والأقرب هو مسمّى اللا دولة، أو نصف دولة!

رُتّب الحال في العراق، ومنذ الأيّام الأولى للاحتلال، لبناء "نصف دولة"، فالدولة الحاليّة مُعترف بها من كلّ دول العالم. وفي الواقع هنالك نسبة ليست قليلة من الدول تتعامل بموجب "سياسة التغليس" عن وجود حقيقي لدولة في أرض الرافدين بعد العام 2003، وكذلك هنالك بالمقابل نسبة غير قليلة من العراقيّين غير مُعترفين بالدولة القائمة. وبهذا بقيت الدولة تتنفس بنصف رئة، وهذا ما نلمسه في عموم مفاصلها!

حالة "نصف الدولة" قادت لمظاهرات عارمة في المدن السُنّيّة (2011-2013) نتيجة الظلم والتهميش والتضييع المُمنهج الذي مارسته حكومة نوري المالكي حينها، وتلك المظاهرات لم تُشارك فيها أو تدعمها غالبيّة المدن الشيعيّة.

المظاهرات السنّيّة سحقتها حكومة المالكي "الديمقراطيّة" بأدواتها الدكتاتوريّة، ومزّقت سُنّة العراق ما بين القبور والسجون والتهجير والاتّهامات الباطلة!

وبعد خمس سنوات تقريباً اشتعلت شرارة ثورة الجنوب الشيعيّ، وحتّى الساعة بقيت غالبيّة المدن السُنّيّة في موقف المتفرّج على هذه المظاهرات التي واجهتها الحكومة والمليشيات بالحديد والنار، وخلّفت مئات الشهداء والجرحى والمغيّبين والمختطفين؛ وهكذا تسبّبت حالة الثورة غير الكاملة، أو "أَنْصَاف الثورات" في تضيع حقوق السُنّة والشيعة معاً.

وهذا الحال ينطبق على "معارك التحرير"، فبعد أكثر من عامين من المعارك الشرسة بين القوّات الحكوميّة وعناصر داعش، وإعلان الحكومة النصر على داعش، نجد اليوم عودة لتلك المعارك، وهذا يؤكد ظاهرة "أَنْصَاف الانتصار"، أو "أَنْصَاف الهزيمة"!

تَركت معارك "التحرير" عشرات "أَنْصَاف الأحياء السكنيّة"، حيث إنّ نصف منازل أحياء مدن الموصل والأنبار وصلاح الدين وغيرها مدمّرة، ولم تُعمرها الحكومة رغم الوعود الرسميّة ومؤتمرات الإعمار الدوليّة!

وهكذا فإنّ سياسة "أَنْصَاف الحلول" قادت لتشكيل نصف المؤسّسة الأمنيّة بشكل رسميّ، ونصفها الآخر بشكل غير رسميّ!

وأنتجت انتخابات نصفها (الشكليّ) ديمقراطيّ، وجوهرها أو نصفها الآخر المُتحكّم بنتائج الصناديق "دكتاتوريّ" ويمتلك المافيات المسلّحة، والمال السياسيّ والترهيب الديمقراطيّ.

وأثْمرت هذه السياسات "النصفيّة" عن حكومات "نصف تنفيذيّة" لا تمتلك القدرات "الدستوريّة التامّة" لبناء الدولة لأنّها تنتظر حقنة، أو نصف حقنة من السلطة التشريعيّة، وهكذا هم يسيّرون البلاد بسياسات هزيلة وغير واضحة المعالم وغير مثمرة.

هذه السياسات غير البريئة قادت إلى إيجاد جيل، غالبه، لا ينتمي إلى العراق انتماءً كاملاً، وفرّخت ملايين الموظّفين غير المنتجين، وتركت وراءها مئات آلاف الدونمات من الأراضي الزراعيّة غير المُنتجة، وعشرات الكيلومترات المربّعة المزروعة بالألغام القاتلة والتي تتطلّب إزالتها عشرات السنين، وكذلك آلاف المعامل العاطلة وغير ذلك من مظاهر الخراب، وهو خراب ظاهره مادّيّ، وحقيقته خراب فكريّ وصحّيّ واجتماعيّ وبيئيّ!

العراقيّون بحاجة للتوعية من مخاطر أَنْصَاف الحلول، ومن هنا يفترض أن نكون أمام ثورات وصناعات وانتصارات تامّة وأعمال منتظمة، حتّى نصل إلى مرحلة بناء الدولة الكاملة الخالية من القتلة والمجرمين وأَنْصَاف المسؤولين.

العراق بعد أكثر من 18 سنة من الخراب يقف على أطلال الديمقراطيّة، ويعيش في هشاشة سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة!

ما نريده في العراق هو العمل على إصلاح حقيقي، وليس إصلاحاً نصفيّاً، أو تغييراً جزئيّاً على أن يكون بعيداً عن العنف الشعبيّ حتّى لا تنجرّ البلاد لحروب أهليّة، ويهلكوا ساعتها ما فوق الأرض وتحتها!

نريد ثورة شاملة ضدّ الإرهاب والتعسّف في استخدام الحقّ والسلطة والقانون.

ثورة تصحيحيّة مُنصفة لا مكان فيها لكلّ من تَنمّر على المواطنين، وسحق كرامتهم، وضيّع حقوقهم، وساهم في إرهابهم!

أَنْصَاف الحلول، والثورات، والخطط الإستراتيجيّة، والمعاهدات والاتّفاقيات، والعقود، وحتّى العدالة.. كلّها تعدّ من معاول الهدم والضياع والخراب للدولة والمواطن.

الحلول العلميّة الكاملة، والقائمة على البحث والدراسة، والمؤطرة بالعدل، والإنصاف تُساهم في انطلاقة الوطن نحو البناء والتطوّر والحضارة.

فمتى نطبّق هذه الحلول الشاملة؟

twitter.com/dr_jasemj67

التعليقات (0)