كتب

ما أثر الصراع مع إسرائيل على العلاقات الأوروبية ـ العربية؟

اتفاقيات الشراكة المستدامة بين أوروبا والعالم العربي.. حقيقتها وجدواها.. (عربي21)
اتفاقيات الشراكة المستدامة بين أوروبا والعالم العربي.. حقيقتها وجدواها.. (عربي21)

الكتاب: الشَرَاكَةِ الأورومتوسطية وتأثيراتها على التنمية في المشرق العربي
الكاتب: توفيق المديني 
الناشر: دار تموز ـ ديموزي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة الأولى مارس 2021.
(567 صفحة من القطع الكبير).

بعد أن تناول الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني في الفصول الأربعة الأولى من كتابه: "الشَرَاكَةِ الأورومتوسطية وتأثيراتها على التنمية في المشرق العربي"، يدخل بعد ذلك في بحث ملف الشرق الأوسط الكبير، باعتباره مشروعا سياسيا بامتياز، جوهره إقحام إسرائيل في النسيج الشرق أوسطي، وأثر ذلك على مشاريع التنمية في المنطقة العربية.

مشروع الشرق الأوسط الكبير.. معالم ومواقف

في الفصل الخامس: الدول العربية بين الشراكة الأورومتوسطية ومشروع الشرق الأوسط الكبير، عَدَّ الخبير التونسي توفيق المديني، أنَّ الشراكة الأورو ـ متوسطية، جاءت في ظل المأزق الذي وصلت إليه الجهود من أجل إيجاد تسوية عادلة للصراع العربي ـ الإسرئيلي، نتيجة للسياسة العدوانية والتوسعية الإسرائيلية الرافضة لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، حيث طرحت الشراكة الأوروـ متوسطية مسألة الحوار السياسي في إطار المفاوضات متعددة الأطراف.

لقد عملت الرئاسات الأوروبية المتتالية في جميع الاجتماعات والمؤتمرات التي انعقدت منذ مؤتمر برشلونة، سواء كانت على المستوى الوزاري أو على مستوى السفراء و كبار الموظفين، على ابتكار عناوين وأساليب للعمل، تندرج في إطار ما يدعى "إجراءات بناء الثقة" أو "التعاون الإقليمي"، وعقد مؤتمرات حول "إدارة المياه" و"البيئة" واجتماعات بين كبار الموظفين في الشراكة وممثلين عن "المنظمات غير الحكومية"، وحول "حقوق الإنسان" و"الإرهاب" و"الهجرة" و"ميثاق السلام والاستقرار"؛ بهدف تنفيذ عناصر الشراكة الأورو ـ متوسطية واندماج إسرائيل كشريك في المحيط العربي، ولاسيما مع سوريا، رغم انعدام السلام واستمرار المواجهة، وحالة الحرب القائمة، أو تهديد إسرائيل المستمر بالحرب. 

وجرت كمحاولات محمومة من قبل الرئاسيات الأورويبة لإعطاء الأولوية للشراكة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وتأجيل النظر في الشراكة السياسية الأمنية إلى أن تسمح الظروف السياسية في الشرق الأوسط، وواجهت سوريا هذه المحاولات وتمكنت من إحباطها وتفويت الفرصة على تمريرها، رغم أنها قدمت بأساليب ماهرة وذكية، بحيث تكاد لا تلمس الفرق بين الشيء وظله، على أساس المبادئ و الأسس التي أقرها مؤتمر برشلونة.

وفي الفصل السادس، تناول الخبير التونسي العلاقات العربية من التعاون إلى الشراكة، حيث تطرح تداعيات العلاقات التاريخية العربية ـ الأوروبية، غير المنفصمة عبر التاريخ، وتراكمات انعدام الثقة لما سببته أوروبا من تمزق في الوطن العربي، وما أورثته من تخلف خلال استعمارها له ووصايتها عليه في العصر الحديث. تساؤلات غير عادية يشوبها الحذر والحيطة أحيانا والتوجس والريبة في أغلب الأحايين تجاه مبادرات أو طروحات أوروبية للتعاون، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو لها صلة بالحاضر أو المستقبل: آنية أو متوسطة أو طويلة الأجل.

 

تطرح تداعيات العلاقات التاريخية العربية ـ الأوروبية، غير المنفصمة عبر التاريخ، وتراكمات انعدام الثقة لما سببته أوروبا من تمزق في الوطن العربي وما أورثته من تخلف خلال استعمارها له ووصايتها عليه في العصر الحديث

 



ولكن، حين نتأمل في العوامل الرئيسية التي تتحكم في العلاقات العربية ـ الأوروبية، علينا أن نركز على ما يلي:

أولا ـ يعد الصراع العربي ـ الإسرائيلي القضية المصيرية الجوهرية بالنسبة للوطن العربي كله، الذي تتجمع عنده وتصب وتنعكس كل مصادر الانقسامات العربية، فإنّ هذا الصراع يعد متغيرا أساسيّا في تطور الصراعات بين الأقطار العربية؛ نظرا لاختلاف نمط السياسات العربية من حوله. ومن ثم، فإن تحليل الدور الأوروبي تجاهه يعد بديلا مناسبا لتحليل السياسات الأوروبية تجاه قضايا سياسية فرعية في المنطقة، تمس كل منها مجموعة أو أخرى من البلدان العربية.

ثانيا ـ أبرزت التطورات في مراحل هذا الصراع دائما مدى حساسية المصالح الاقتصادية الأوروبية، ومدى حساسية الوزن السياسي الأوروبي في المنطقة العربية، حيث تتأثر دائما سياسات الأطراف الخارجية تجاه الصراع بالرغبة في تحقيق أهداف اقتصادية متنوعة، تتصل بصورة أو بأخرى بالنفط العربي. ولكن تختلف درجة تورط هذه القوى وأسلوب تعاملها مع الصراع، باختلاف طبيعة مصالحها في المنطقة. هل هي مصالح مباشرة وحيوية أم لا؟ ولقد كان استخدام سلاح النفط سنة 1973 (ومن قبل الحظر الجزئي سنة 1967) من أهم الدلائل على الارتباط بين الأبعاد الاقتصادية والسياسية في عملية البحث عن تسوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي. ومن ثم فهو أرضية ملائمة لاستقصاء إحدى الفرضيات المهمة للدراسة حول العلاقة بين التطور في الاهتمامات والمصالح الأوروبية ـ الاقتصادية، والتطورات في مسلكها السياسي تجاه المنطقة العربية.

ثالثا ـ يعد الصراع العربي ـ الإسرائيلي أحد الأسباب المهمة لانتقال استقطاب الصراع بين الشرق والغرب إلى المنطقة. ولقد أدّت القوتان الأعظم (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي) دورا مهمّا فيه، على نحو أثر على رغبة دولها وقدرتها على التعامل مع قوى خارجية أخرى. كما أن هذا الصراع ليس مجرد صراع إقليمي، ولن تسبب أزماته المتتالية خللا في السياسات الإقليمية والعالمية أيضا؛ لأنه يثير المواجهة بين القوى العالمية على نحو يؤثر على التوازن العالمي؛ فهو من أهم الصراعات التي يظهر فيها بوضوح التفاعل بين التوازن الإقليمي والنظام الدولي المحيط؛ ذلك لأنه يثير بعمق مشكلة خطورة تدخل القوى الخارجية.

الشراكة المستدامة بين الاتحاد الأوروبي والبلدان العربية المشرقية

ويتناول الخبير التونسي توفيق المديني في الفصل السابع، اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، التي وقعت في 25 حزيران (يونيو) 2001 ببروكسيل. ونصت الاتفاقية على إقامة منطقة تجارة حرة بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي تدريجيا خلال 12 ـ 15 سنة، من تاريخ دخول الاتفاق حيز النفاذ، مع مراعاة التزامات الدول في منظمة التجارة العالمية. 

ووفقا لعملية برشلونة، فإنه من المزمع قيام الاتحاد الأوروبي بعقد العديد من الاتفاقيات الثنائية مع الدول المتوسطية، بحيث يتم وفقا لهذه الاتفاقيات إقامة منطقة تجارة حرة متوسطية، تجمع الاتحاد الأوروبي (15 دولة) بالإضافة إلى الدول المتوسطية الأخرى (12 دولة). وفي سبيل ذلك، فقد برزت الحاجة إلى ضرورة دعم أواصر العلاقات الاقتصادية بين دول الجنوب بعضها مع بعض، وقد بدأت عدة خطوات عملية في هذا الشأن، تتمثل في إعلان أغادير الصادر في 8 أيار/مايو 2001، الذي يضم مصر والأردن والمغرب وتونس، حيث يتم بموجبه إقامة منطقة تجارة حرة بين الدول الأربع.

غير أن اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، واجهت تحديات حقيقية، تمثلت فيما يلي:
 
1 ـ توحيد قواعد المنشأ: يقصد بقواعد المنشأ، مجموعة المعايير التي تحدد منشأ المنتج المراد تبادله داخل منطقة التجارة الحرة بين الدول الأعضاء. وتتميز كل منطقة تجارة حرة بقواعد خاصة للمنشأ تختلف باختلاف هذه المعايير، فقد يكون المعيار هو نسبة المكون المحلي التي تولدت داخل الدولة الطرف في منطقة التجارة الحرة، بحيث تحدد نسبة المدخلات الأجنبية المستخدمة في إنتاج السلعة، حتى لا تزيد هذه النسبة عن حد معين. وفي حالات أخرى، يكون المعيار الخاص بقواعد المنشأ هو مقدار ما طرأ على السلعة من تحول؛ نتيجة عمليات صناعية رئيسية محددة. وتعد هذه القواعد ذات أهمية خاصة، حيث يمكن أن تمثل أداة من أدوات الحماية التجارية للدول الأعضاء.

ويعد عدم توحيد قواعد المنشأ بين جميع الاتفاقيات الأوروبية المتوسطية، أحد أهم التحديات التي تواجه إقامة منطقة التجارة الحرة المتوسطية، حيث يعيق عدم التنسيق بين هذه القواعد توحيد عملية "تراكم المنشأ" بين هذه الدول، مما يؤثر على جانب مهم من تدفق التجارة داخل منطقة التجارة الحرة، خاصة فيما بين دول جنوب المتوسط بعضها مع بعض. 

2 ـ توسيع الاتحاد الأوروبي: يرى بعض المحللين، أن اتجاه الاتحاد الأوروبي إلى ضم دول جديدة من وسط وشرق أوروبا قد يحمل في طياته بعض التحديات بالنسبة للجانب المصري؛ وذلك نظرا لما تتميز به الدول المرشحة للانضمام من كثافة سكانية عالية، بالإضافة إلى ارتفاع إنتاجها الزراعي، حيث تعد دولا زراعية في المقام الأول. ففي ضوء هذه المعطيات، فإن منتجات هذه الدول قد تنافس الصادرات المصرية الزراعية والمنتجات الصناعية ذات الكثافة العمالية العالية.

3 ـ الاتجاه للإنتاج إلى السوق المحلي المصري: إن تخفيض تكلفة استيراد السلع الرأسمالية من الاتحاد الأوروبي، قد يدفع المنتج المصري للتسويق للسوق المحلي في الداخل بدلا من الاتجاه إلى التصدير (الآثار الاستاتيكية). ومن الأهمية بمكان، دعم التوجه التصديري وتشجيع المنتج المصري على التصدير إلى الخارج، دون الاقتصار على السوق المصري.

4 ـ إدارة الاتفاقية: يشير عدد من الخبراء إلى أهمية التنسيق بين جميع الجهات المصرية التي ترتبط بالمحاور المختلفة للاتفاقية؛ وذلك استكمالا للجهود التي بذلت في أثناء عملية المفاوضات. كما يقترح أيضا إنشاء جهاز دائم يناط به مسؤولية تنفيذ الاتفاقية، بحيث يضم مجموعة من الكوادر المصرية القادرة على تفعيل بنود الاتفاقية كافة.

وفي الفصل الثامن: تعرّض الخبير التونسي إلى اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان، الذي وقع في عام 2002، الذي حلّ محل الاتفاق الذي عقد بين الطرفين عام 1977، والذي كان قد أعطى لبنان أفضليات في التبادل التجاري ومساعدات في التنمية الاقتصادية. وإذا ما أضفنا إلى ذلك الاتفاق علاقات لبنان الواسعة بالبلدان الأوروبية، لوجدنا أن الاتفاقية الجديدة لم تأتِ من فراغ، بل إنها تعزز تلك العلاقات وترفعها إلى مستوى أعلى. ويكرر الاتفاق، من حيث المبدأ، مضمون الاتفاقيات التي عقدها الاتحاد مع البلدان الأخرى، ما عدا تلك التفاصيل بالشكل والبروتوكولات وحتى بعض العناصر التمييزية التي حققها لبنان خلال المفاوضات، ومنها منح لبنان فترة سماح لمدة خمس سنوات. وقد بدأ الاتحاد تخفيض الرسوم الجمركية في تاريخ دخولها حيز التنفيذ، وإدخال بعض السلع الزراعية في الاتفاق.

إن اتفاق الشراكة هذا بما يمليه من انفتاح وإزالة تدريجية للعوائق الجمركية والعراقيل أمام السلع والخدمات الصناعية بين لبنان والاتحاد الأوروبي، وإقامة منطقة تجارة حرة بين الطرفين بحلول العام 2002، وبما يفسحه من حرية حركة أمام عوامل الإنتاج وفتح للأسواق، يندرج في الميل العام للعولمة، وهو يطرح جملة من التحديات على الاقتصاد اللبناني، ولا سيّما على صناعته بالدرجة الأولى، وعلى دور لبنان في التقسيم الدولي والإقليمي للعمل، لما سيفرضه من تعديلات، ليس على الصناعة فحسب، بل وعلى الاقتصاد عموما؛ ذلك أن السوق المحلية ستكون عرضة لقصف دائم بالسلع والخدمات المتنوعة والجذابة، كما ستصبح مسرحا لحروب بين الشركات، والمقرر الوحيد للاعتراف بضرورة السلعة والمؤسسة التي تنتجها. 

وفي ضوء هذا الاعتراف أو حجبه، في الداخل والخارج، لن يتحدد فقط مصير المشاريع والشركات اللبنانية، بل والآلاف من العمال المرتبطين بها. إن هذه الاتفاقية ستضع المشاريع المتفاوتة القوة على حلبة صراع موحدة، أو على خط سباق واحد لا تتوفر فيه فرص متكافئة.

 

إقرأ أيضا: محددات العلاقات الأوروبية ـ العربية.. الواقع والتحديات


التعليقات (0)