كتاب عربي 21

عن الانتقادات الموجهة لسلوك إدارة بايدن في اليمن

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
شيئاً فشيئاً يواجه زخم التحركات الأمريكية لإنهاء الحرب وحل الأزمة اليمنية صعوباتٍ جوهريةً، ترتبط أكثر ما ترتبط بما يمكن وصفه بحالة عدم الاكتراث التي يبديها الحوثيون تجاه هذا التحرك، مستندين إلى خبرة طويلة في المراوغة يتم تصديرها إليهم من طهران؛ المرتبطة عضوياً وأكثر من أي وقت مضى بمجريات الأزمة والحرب على الساحة اليمنية.

يفترض المراقب أن واشنطن في ظل الإدارة الديمقراطية حريصةٌ بالفعل على إنهاء الحرب في اليمن، خصوصاً أنها ترتبط بأزمة إنسانية في غاية الخطورة، وهي الذريعة التي أعادت إدارة بايدن بسببها النظر في أهم وأفضل قرار تتخذه إدارة ترامب السابقة؛ عندما صنفت مليشيا الحوثي ضمن المنظمات الإرهابية الأجنبية.

لكن واشنطن في الواقع لا تمتلك حتى الآن تصوراً واضحاً للحل، بل إن مبعوثها يكاد يلج إلى الدوامة نفسها من الفشل التي غرق فيها المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن، مارتن غريفث.
واشنطن في الواقع لا تمتلك حتى الآن تصوراً واضحاً للحل، بل إن مبعوثها يكاد يلج إلى الدوامة نفسها من الفشل التي غرق فيها المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن، مارتن غريفث

فبعد عودته إلى واشنطن عقب أول جولة واسعة قام بها في عواصم الدول الخليجية، التقى خلالها في مسقط رئيس وفد الحوثيين محمد عبد السلام، وجهاً لوجه أو بواسطة مسؤولين عمانيين، قوبلت تحركات المبعوث الأمريكي تيموثي ليندر كينغ بتصعيد خطير للعمليات العسكرية في محافظة مأرب، وبإرسال المزيد من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة إلى العمق السعودي.

كرس هذا السلوك التصعيدي من جانب الحوثيين الانطباع لدى السعودية كما لدى حلفائها؛ بأن إيران تدفع بمستوى الإيذاء الاستراتيجي الذي توجهه نحو خصمها الإقليمي اللدود إلى مستويات خطيرة، خصوصاً أن المعركة تدور في محيط مدينة مأرب، المعقل الأهم للسلطة الشرعية في شمال البلاد، وهو ما يعني الوصول إلى نهاية الحرب بنتائج تكرس هزيمة الرياض وتمنح الدور الإيراني المزيد من الزخم والقوة في الإقليم.

لا أعتقد أن هذه التطورات الخطيرة قد استفزت واشنطن بالقدر الكافي، بل نبهتها إلى أن الادعاء بأهمية الحل السياسي الناتج عن تحركات دبلوماسية أمريكية ناعمة لن يؤدي وحده إلى إنهاء الحرب.
لا أعتقد أن هذه التطورات الخطيرة قد استفزت واشنطن بالقدر الكافي، بل نبهتها إلى أن الادعاء بأهمية الحل السياسي الناتج عن تحركات دبلوماسية أمريكية ناعمة لن يؤدي وحده إلى إنهاء الحرب

ومع ذلك، ورغم تكرار التزامها بالدفاع عن أمن السعودية، لم تفعل أمام استمرار تعرض حليفتها للهجمات الحوثية الموجهة من إيران وبأسلحة إيرانية خالصة؛ أكثر من أنها طلبت من مبعوثها الخاص العودة إلى الرياض والتهديد بفرض المزيد من العقوبات على القيادات الحوثية، على نحو ما جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية نيد برايس.

يضع التطور العسكري الخطير في اليمن المزيد من التعقيدات أمام التصور الأمريكي للحل والذي يرتكز على الجهود الدبلوماسية، وهو تصور سيكون مصيره الفشل إذا لم تطور واشنطن وسائل ضغط قوية ضد الحوثيين؛ تحرمهم من الحصول على المزيد من الأسلحة النوعية من إيران، وتضاعف من شعورهم بوطأة الكلفة التي ستترتب على استمرار تمردهم على الشعب اليمني ودولته وعلى الإجماع الدولي.

لا يبدو أن إدارة بايدن ستتجنب انتقادات وجيهة بدأت أطراف في واشنطن توجهها لها، على خلفية مقاربتها للأزمة والحرب في اليمن.

تتركز هذه الانتقادات على الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس بايدن على السعودية في مقابل جملة من المحفزات التي حصل عليها الحوثيون مجاناً، ومنها رفع منظمتهم المسلحة من قائمة الإرهاب.
سلوك الإدارة الجديدة الذي يتصادم بشكل مباشر مع مصالح الرياض ليس مفاجئاً، فهو في الحقيقة يعكس طبيعة تفكير هذه الإدارة التي تأثرت بتركة الصراع مع ترامب على خلفية الحرب السعودية في اليمن

إن سلوك الإدارة الجديدة الذي يتصادم بشكل مباشر مع مصالح الرياض ليس مفاجئاً، فهو في الحقيقة يعكس طبيعة تفكير هذه الإدارة التي تأثرت بتركة الصراع مع ترامب على خلفية الحرب السعودية في اليمن.

وزيادة على ذلك، تتعرض إدارة بايدن لضغوط كبيرة من تيار اليسار الأمريكي واسع النفوذ داخل الحزب الديمقراطي الحاكم، لوقف ما يراه حرباً سعودية في اليمن، دونما اكتراث بتعقيدات المشهد اليمني، ومعادلة الصراع، ودونما اعتبار لمصالح وتطلعات الغالبية العظمى من اليمنيين الذين يرفضون أيَّ تسوية تنتهي بتمكين مليشيا طائفية تتسلح بقدر هائل من العنف على رقابهم.

تدفع السعودية ثمن التمادي في تحييد القوى اليمنية المناهضة للجماعات الانقلابية والمتمردة، وإضعاف الشرعية، والمضي قدماً في ترتيبات ألحقت الضرر الفادح بالمصالح الاستراتيجية لليمن وهددت سيادته وعمقت مأساة شعبه، خصوصاً في فترة التفويض المريح الذي منحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للرياض وأبو ظبي.

وأملنا كبير بأن تفضي المعركة الدائرة في مأرب إلى واقع إيجابي تتجلى فيه صورة الشراكة اليمنية السعودية مرتكزة على احترام الشرعية، والاقتناع بأن الحل في هذا البلد المنكوب لا يمكن أن يتحقق إلا إذا هزمت المشاريع الانقلابية الجهوية والطائفية التي تدعمها دول إقليمية سيئة.

twitter.com/yaseentamimi68
التعليقات (0)