تقارير

الزيتون.. شجرة مباركة جذورها ضاربة في أرض فلسطين

شجرة الزيتون أسهمت في بقاء الفلسطيني في وطنه وعمقت من ارتباطه بالتراب الذي احتضنها (عربي21)
شجرة الزيتون أسهمت في بقاء الفلسطيني في وطنه وعمقت من ارتباطه بالتراب الذي احتضنها (عربي21)

لطالما سعت دولة الاحتلال الإسرائيلي لتجريف مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون المثمرة في فلسطين للتخلص من شاهدة مهمة على أحقية الشعب الفلسطيني بهذه الأرض لتشكل هذه الشجرة المباركة جزءًا من هوية وعروبة فلسطين.

وأصبحت هذه الشجرة التي باركها الله في كتابه العزيز رمزًا للثبات لدى الفلسطينيين، وسببًا للحفاظ على الترابط بينها وبين أصحاب الأرض، حيث الكبار يرحلون عن الحياة، فيما تبقى شجرة الزيتون تعمر وتزداد تجذرًا في أعماق الأرض.

وساهمت هذه الشجرة في بقاء الفلسطيني في وطنه وعمقت من ارتباطه بالتراب الذي احتضنها وكان الفلسطيني يرويها بدمائه قبل الماء.

وقرر المؤتمر العام لليونسكو في دورته الأربعين في عام 2019م، اعتبار يوم 26 من تشرين ثاني/ نوفمبر من كل عام "يوما عالميا للزيتون"، وقد تم تكريم فلسطين في ذلك اليوم، بأن تمت زراعة شجرة زيتون واحدة فقط في الساحة الأمامية لمبنى مجلس الزيتون الدولي، وكانت تلك الشجرة فلسطينية.

وقالت الدكتورة تغريد السقا، رئيسة مركز كيان الثقافي: "عرف الفلسطينيون شجرة الزيتون منذ أعرق الحضارات، فقد استخدمها بوعي تام لفوائدها التي لا تحصى لتصبح رمزا للحياة والسلام، وحافزا على تمسكهم بأرضهم".

 



وأكدت السقا في حديثها لـ "عربي21" أن أقدم الدلائل على وجود شجرة الزيتون اكتشف حينما اكتشفت في إيبلا في سوريا، إذ تم العثور على مخطوطات تحكي عن الزيتون ومنها واحدة تفيد بأن زيت الزيتون يقدم كهدية للملوك.

وقالت: "كان ولا زال لهذه الشجرة العريقة أهمية كبيرة ومكانة رفيعة لدى الشعب الفلسطيني حتى عصرنا الحالي، وقد استخدم شعارها رمزا للسلام".

وأضافت: "إن الفلسطينيين على وجه التحديد ينتظرون موسم الزيتون الذي يشكل مناسبة للتعاضد والتعاون بينهم لما لها من أهمية سواء من دينية حيث وردت في الديانات السماوية ووطنية كونها تمثل رمزا للصمود والثبات والتجذر بالوطن".

 



وشددت على أنه من الممكن الاستفادة من هذه الشجرة سواء ثمارها أو زيتها أو خشبها وكذلك ورقها، معتبرة أن زيت الزيتون من أفخم أنواع الزيوت فهو مفيد لصحة القلب كما أثبتت الأبحاث المتعددة أن له تأثيرا إيجابيا على أمراض الجهاز الهضمي ويقوي نمو المخ وشبكة الأعصاب.

وأشارت إلى البعد الاقتصادي لهذه الشجرة، مؤكدة أن عشرة آلاف أسرة فلسطينية تستفيد من ثمار الزيتون والزيت كما يغطي احتياجات مائة ألف أسرة من ثمار الزيتون والزيت.

أما عن أهمية شجرة الزيتون الثقافية فأكدت السقا أنها ترمز لحق الشعب الفلسطيني في أرضه، وتعتبر عنصرا رئيسيا في الحياة الزراعية الفلسطينية فهي من أكثر الأشجار التي تعبر عن وطنية الشعب الفلسطيني وتثبت وجوده ورمز التحدي والثبات.

 



وقالت: "شجرة الزيتون في القلب والوجدان الفلسطيني شريكة المقاومة والمعاناة والمتعرضة للمواجهة ولعقوبة الإعدام بالحرق والاقتلاع والإزالة تمام كالإنسان الفلسطيني".

وأضافت: "إن الاحتلال يقوم باغتيال زيتون فلسطين، فلم يترك جريمة إلا ارتكبها ضد الشعب الفلسطيني حتى الأشجار وثمرها لم تسلم من بطش المستوطنين".

 



وأكدت السقا أن الاحتلال يقوم باستمرار باقتلاع المئات من أشجار الزيتون المثمرة بالإضافة إلى الاعتداء على المزارعين الفلسطيني خلال موسم جني الزيتون.

وقالت: "تصب سلطات الاحتلال الإسرائيلي غضبها بحقد شديد على شجرة الزيتون وأصحابها وتتعامل معها بغل وكره شديد".

وأضافت السقا: "يكره الاحتلال تلك الشجرة كونها شجرة معمرة عمرها اكبر من عمره كونها موجودة قبل 1948م".

وحذرت من قيام المستوطنون بإفراغ الأراضي من المزارعين والسيطرة عليها بهدف التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، مستدركة بالقول: "وبالرغم من تكرر الاعتداءات إلا أننا نجد المزارعين الفلسطينيين متمسكين في البقاء في أرضهم وجني ثمارها والاعتناء بها تحت شعار لن نترك أرضنا فريسة سهلة لهم".

 


وأشارت إلى أن شجرة الزيتون تغنى بها الشعراء الكتاب عند التعبير عن المقاومة والصمود وذلك لما تتمتع به الزيتونة من القدرة على التكييف مع المتغيرات والعيش طويلا في ظروف قاسية والتي تدلل على الرسوخ والقدرة على التحمل والتلاؤم، مثلها مثل الإنسان الفلسطيني.

واستشهدت رئيسة مركز كيان الثقافي بقصيدة الشاعر محمود درويش التي كانت بعنوان "شجرة الزيتون الثانية" والتي قال في مطلعها "شجرة الزيتون لا تبكي ولا تضحك هي سيدة السفوح المحتشمة بظلها تغطي ساقها ولا تخلع أوراقها خلال عاصفة".

 



ولا تزال أسماء بعض القرى والأماكن في وقتنا الحاضر تدل على ما كانت تتمتع به من شهرة، منذ التاريخ القديم، باستخراج الزيت من الزيتون، ومنها: حي الزيتون، وقرية "زيتا"، ومدينة بيرزيت، ووادي الزيتون.

ومن جهته قال المهندس نزار الوحيدي الخبير البيئي الزراعي: "إن شجرة الزيتون شجرة تراثية إبنة هذه المنطقة موطنها الأصلي فلسطين ونمت وانتشرت في حوض البحر المتوسط منذ آلاف السنين".

وأكد الوحيدي في حديثه لـ "عربي21" أن الفينيقيين الفلسطينيين هم الذين نقلوا هذه الشجرة إلى محيط البحر المتوسط بعد أن بنوا مدينة أثنيا وقرطاج وطنجة وغيرها من المدن.

 



ورجح أن يعود تاريخ شجرة الزيتون إلى أكثر من 7 آلاف سنة، مشيرا إلى أن قرية الولجة في بيت لحم لا زالت تحتضن شجرة يقدر عمرها بخمسة آلاف سنة.

وقال الوحيدي: "في غزة أشجار الزيتون قديمة جدا لا نستطيع تحديد عمرها، ونحن الشعب العربي المقيم في فلسطين زرعنا هذه الشجرة في غزة قبل الاحتلال الروماني الذي حاول سرقتها ونقلها إلى مناطق أخرى ونسبها له".

وأضاف: "شجرة الزيتون تجود زراعتها في غزة هي شجرة تنجح في جميع ترب غزة سواء الرملية او الكركارية أو الطينية وغيرها".

 



وأوضح أن شجرة الزيتون قليلة الاحتياج للمياه وثمارها غزيرة، وتدخل في الغذاء والصناعات وحتى أخشابها أهم الأخشاب المستخدمة لصناعة التحف والمجسمات والتماثيل.

وقال الخبير الزراعي: "أصبحت شجرة الزيتون الأولى في غزة بعد التوسع الكبير في زراعتها وأصبح عدد الأصناف المزروعة منها كبير ويصعب حصرها، وعلى رأسها الصنف الصوري الذي يعرف محليا باسم السري والقادم إلى غزة من منطقة صور باهر في القدس، والنبالي والقادم من منطقة بير نبالا في القدس، الشملالي، وأصناف حديثة مثل كي 18 وغيرهم".

وأضاف: "لا يخلو بيت من الزيتون أو الزيت، ويعتبر موسم الزيتون احد المواسم الزراعية الأهم في غزة".

وأوضح الوحيدي أن صناعة الزيت في غزة قفزت قفزات عالية جدا وتطورت بشكل كبير مع إدخال المعاصر الحديثة ليصبح زيت غزة قليل الحموضة، مشيرا إلى أن ثقافة المزارع تطورت في طرق التخزين والعصر مما زاد من نوعية وكمية الزيت.

 



وأعرب الخبير الزراعي عن أمله أن يتم استخدام الزيت في الأغراض الصناعية، مشيرا إلى أن الشعب الفلسطيني في غزة لا زال متأخر في هذه الناحية لاسيما صناعات المواد الطبية والتجميل.

وقال: "الزحف القادم هو لشجرة الزيتون واثبت أنها أفضل من الحمضيات، حيث أن العائد من شجرة الزيتون في غزة أكثر من المناطق الأخرى".

وأضاف: "متوسط زراعة الدونم الواحد في غزة يزيد 10 ضعاف عن متوسط إنتاج الدونم في الضفة الغربية، لأن أشجار غزة كبيرة ومروية بالماء".

 


ويعتبر موسم حصاد الزيتون موسما تراثيا بالنسبة للفلسطينيين حيث يجتمع كل أفراد العائلة كبارا وصغارا رجالا ونساء من اجل جني ثماره أو ما يعرف باسم "جد الزيتون".

وتحرص الحاجة "أم عبد الله" الحسنات على أن تكون حاضرة في هذا الموسم بين أبنائها لجني ثمار الزيتون، وترفض التخلف عنه مهما كانت الأسباب.

وتصف الحسنات في حديثها لـ "عربي21" هذا الموسم والذي غالبا يكون في شهر تشرين أول / أكتوبر من كل عام بأنه يكون بمثابة عيد لهم.

 


وقالت: "موسم قطف الزيتون عبارة عن مهرجان تراثي كبير تستنفر فيه كل العائلة من اجل عملية القطف في ظل أجواء عائلية ووطنية جميلة، فيها نوع من التعاون والتكاتف والجد والاجتهاد منذ بدء القطف حتى عصر هذا الزيتون وتحويله لزيت أو تخليله".

وأضافت: "رغم التعب والإرهاق الذي ينتاب كل العائلة في عملية جني ثمار الزيتون إلا أن الراحلة النفسية لا يمكن وصفها ونحن بين هذه الشجار نقطف ثمارها ونستشعر معنى هذه الحبة الخضراء وهي بين أيدينا".

وأعلن ادهم البسيوني الناطق باسم وزارة الزراعة الفلسطينية في غزة عن العام 2021م بأنه عام جودة مدخلات الإنتاج والنهوض بقطاع الزيتون، وذلك بعد الاكتفاء الذاتي بنسبة 100 في المائة والذي تم تحقيقه في العام الماضي، وكذلك التصدير للخارج.

 



وأوضح البسيوني في حديثه لـ "عربي21" أنه يوجد في قطاع غزة 40 ألف دونم مزروعة بأشجار الزيتون، ينتج 4200 طن من زيت الزيتون.

وقال: "تهدف وزارة الزراعة لتطبيق سياستها واستراتيجيها في كافة المنتجات الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي على غرار  الزيتون".

وأشار إلى أن عدد المعاصر العاملة في قطاع غزة والتي تم سيتم تشغيلها هذا الموسم 35 معصرة منها 27 معصرة تعمل بنظام اتوماتيكي كامل و 8 معاصر تعمل بنظام نصف أتوماتيكي.

يشار إلى أن قوات الاحتلال جرفت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية المثمرة بالزيتون مع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000 إلا أن أهالي القطاع بمساعدة وزارة الزراعة أعادت زراعة هذه الأراضي وغيرها من الأراضي وشجعت المواطنين زراعة هذه الشجرة في منازلهم وفي الشوارع، وأطلقت مشروع تخضير فلسطين وذلك تنفيذا للخطة الإستراتيجية للوزارة لاستصلاح الأراضي الزراعية والحد من تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي، وتعزيز صمود المزارع الفلسطيني في أرضه لتزرع اغلب هذه الأراضي بالزيتون.

 


التعليقات (0)