الأربعاء، 14 أبريل 2021 / 02 رمضان 1442
هذه مرحلة كانت مرتبطة بظرف الانقلاب، وما أن استوى السيسي على الحكم، حتى اعتمد هو طريقته في الاختيار
بيد أن هذه مرحلة كانت مرتبطة بظرف الانقلاب، وما أن استوى السيسي على الحكم، حتى اعتمد هو طريقته في الاختيار.
إن "شيماء عبد الإله" جرى اختيارها في الموقع الذي خلا بوفاة "سامية زين العابدين" في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهي محررة عسكرية بسيطة مهنياً، تعمل في نفس المؤسسة التي تعمل بها "شيماء عبد الإله". ومن الواضح أن المجلس العسكري وعبر هيئاته دفع بها لتشكيل حركة "احنا آسفين يا ريس" بعد الثورة، وكانت تتظاهر أيام محاكمته مع عدد قليل من الأنفار المجهولين الذين ينتموا لهذه الحركة، قبل أن نعلم بضلوع توفيق عكاشة في أعمالها. وسألت بعدها من تكون المذكورة هذه، وعندما علمت أنها محررة عسكرية، وقفت على أنه من الطبيعي ألا تكون لها بصمة في مهنتها، فلم نطالع لها خبراً لافتاً، أو مقالاً يصلح للقراءة!
وبالانقلاب العسكري، تجاوزت هي مرحلة مبارك، فلم يعد موضوعها، فقد بزغ نجم السيسي فقالت هذا ربي هذا أكبر!
وبالحسابات المهنية، وبقواعد الاختيار حتى في ظل الأنظمة السابقة، فلم تكن الراحلة سامية زين العابدين تصلح لأن تكون عضوة في الجهة التي تملك وتمارس سلطة الإدارة على المؤسسات الصحفية المصرية، لكن الظروف خدمتها فقد اغتيل زوجها العميد عادل رجائي، ومن ثم يصبح من الطبيعي أن تتم مكافأتها بهذا التعيين، لكن أن تحل مكانها من حلت، فهذا تعبيراً عن فلسفة السيسي في الحكم!
بالبحث والتحري، تبين أن "شيماء عبد الإله" هي كريمة لعضو في برلمان مبارك، ولا نعرف إن كان مستمراً إلى الآن في موقعه أم أنه رضي بـحظ كريمته، وهو حظ لم يتوفر لأحد في العهود السابقة!
لقد تم تصعيدها لتكون رئيسة لتحرير مطبوعة، ثم عضوة في الهيئة الوطنية للصحافة باعتبارها من الشخصيات العامة، لتكون المفاجأة أنها في الوقت ذاته عضوة في مجلس النواب، ثم إنها عضوة في ما يسمى بتنسيقية الأحزاب، وهذا هو "مربط الفرس" و"بيت القصيد"!
فاختيار المذكورة ليس ضد السياق الآن في الاختيار، فهناك من يقتلون أنفسهم دفاعا عن السيسي من صحفيين أعرفهم، ولم ينالوا شيئا، بينما وزعت المناصب بالكيلو على أشخاص بينهم من خارج دائرة الوعي السياسي، فقواعد الاختيار والتصعيد تكون لشخصيات من خارج دائرة الحضور العام. فالاحتفاء يكون بشخصيات باهتة بلا قيمة حقيقية، والسيسي لا يرحب بمن لديهم خلفية سياسية حتى وإن كانوا من أشد مؤيديه والمدافعين عنه، ولم تتضمن قوائمه في الترشيح والتعيين بالبرلمان بغرفتيه أحداً من هؤلاء، ولاحظ أن رئيسي البرلمان هم من خارج السياسة، وقد كانا قاضيين بالمحكمة الدستورية العليا، وخرجا على التقاعد بعد بلوغ السبعين وممنوع عليهما بحكم الوظيفة العمل بالسياسة، تماما كما هو ممنوع على السيسي نفسه بحكم الدراسة التي بدأها مبكراً في المدرسة العسكرية، وبحكم الالتحاق بالجيش، الاشتغال أيضاً بالسياسة!
السيسي لا يرحب بمن لديهم خلفية سياسية حتى وإن كانوا من أشد مؤيديه والمدافعين عنه، ولم تتضمن قوائمه في الترشيح والتعيين بالبرلمان بغرفتيه أحداً من هؤلاء، ولاحظ أن رئيسي البرلمان هم من خارج السياسة، وقد كانا قاضيين بالمحكمة الدستورية العليا
ولا يوجد سياسي واحد في دولته التي ليست أكثر من شركة مقاولات، فيها قطاع لبناء الكباري، وآخر لبيع الأراضي والسمسرة، ومن هنا تأتي قواعد الاختيار!
وعندما نعلم أن الهيئة الوطنية للصحافة، هي برئاسة من جيء به من المطابع، فلن نستغرب اختيار "شيماء عبد الإله" لعضوية هذه الهيئة!
الباشمهندس الشوربجي:
لقد اختاروا لرئاسة هذه الهيئة صحفياً سبق أن ترأس مجلس إدارة مؤسسة روزا اليوسف قبل الثورة، وبطبيعة الحال هو اختيار على قواعد النكاية، فقد أخرج العاملون في المؤسسة كرم جبر بالقوة، لكن وبعيداً عن الموقف السياسي، فإنه شخصية معروفة في مهنته، فقد ترقى فيها بشكل طبيعي، وله محاولات قديمة بالترشح لعضوية نقابة الصحفيين، وعمل في مكاتب الصحف العربية. فحضوره المهني ليس منكورا، لكنه السيسي احتاجه ليسد به خانة بعد عزل مكرم محمد أحمد من رئاسة المجلس الأعلى للإعلام، وقد نظر حوله، فلم يجد في بلد توجد فيه صحف من عمر دول، ويوجد صحفيون كبار من مؤيديه، فتركهم واختار "الباشمندس"، الذي صعده رئيساً لمجلس إدارة مجلة روزا اليوسف، ثم اختاره رئيساً للهيئة الوطنية للصحافة!
لقد عرفت مصر مبدأ تولى رئاسة مجلس إدارات المؤسسات الصحفية من العاملين في قطاعات الإدارة في هذه الصحف، لكن لم يكن التصعيد يتم أبداً من قطاع المطابع، لا سيما في مرحلة هبطت فيها قيمة المطبوع، وتوشك أن تكون المطابع فيها ذكرى، مع هبوط توزيع الصحف في مصر لأعداد غير مسبوقة في تاريخ الصحافة كله!
عرفت مصر مبدأ تولى رئاسة مجلس إدارات المؤسسات الصحفية من العاملين في قطاعات الإدارة في هذه الصحف، لكن لم يكن التصعيد يتم أبداً من قطاع المطابع، لا سيما في مرحلة هبطت فيها قيمة المطبوع
وعندما يختارون المهندس عبد الصادق الشوربجي رئيساً للهيئة الوطنية للصحافة، يصبح اختيار "شيماء عبد الإله" عضوة في هذه الهيئة هو تحصيل حاصل، وعندما برز اسم نشأت الديهي كمرتكب للفعل الحرام وطنيا بالتطبيع، علمنا أنه تم تعيينه أيضاً عضواً في المجلس الأعلى للإعلام، وفي بلد فيه من الإعلاميين ما يسد عين الشمس. والأغلبية في مجال الصحافة والإعلام هي - ولأسباب يطول شرحها - لم تكن مع الحكم الإخواني، لكن هنا نكون أمام جانب من فلسفة السيسي في الاختيار والتصعيد!
ليس هناك من يدلك على من هو نشأت الديهي، الذي ظهر فجأة على المسرح، وتبين أنه كان يعمل في القناة "التركية" الحكومية، في عهد حكومة "العدالة والتنمية"، ثم استقال في مشهد تمثيلي لتفتح له أبواب القاهرة والإمارات باعتباره خبيرا في الشأن التركي، وهم مهتمون بهذا الجانب، ألم يبشروا من قبل بأنهم سيطلقون موقعاً الكترونيا في تركيا عنها واختاروا له صحفيا معروفا ولا نعرف لماذا تعثر؟!
ولا نعرف بدايات المذكور مهنياً قبل عمله في القناة التركية الحكومية، وإذ فتح له الإماراتيون قناة من بابها هي "تن"، وترأس بجانبها موقعين مهتمين بالشأن التركي، فقد اختاره السيسي أيضاً عضواً في المجلس الأعلى للإعلام!
ونشأت كان في حكم الرئيس محمد مرسي مع المشروع الإسلامي، ومع الإخوان، ومع تطبيق الشريعة الإسلامية، ويرى أن ياسر برهامي عندما يبتسم فإنه تبسمه في وجه المشاهدين صدقة جارية (أو كما قال في مقابلة تلفزيونية)!
وعندما يتم تصعيده بهذا الشكل فإننا نكون قد وضعنا أيدينا على كامل فلسفة السيسي في الاختيار والتصعيد؛ إنه لا يريد هؤلاء الذين كان لهم موقف معاد للإخوان في فترة حكمهم، لأنهم بهذا التاريخ هم يزايدون عليه حتى دون أن يقولوا أو ينتهبوا، وقد تقرب هو من حكم الإخوان بالنوافل في هذه الفترة، وحصل على رتبتين عسكريتين منهم، بجانب توليه منصب وزير الدفاع!
إن هؤلاء الذين هم مع "الرائجة"، وينتقلون من حكم إلى حكم، وولاؤهم للحاكم، هم الذين يستحقون عنايته، فقد ضمن أن يحكم أبدا، ولن يجدهم كما وجد مبارك كثيرا من إعلامييه يبيعونه ويذهبون لميدان التحرير تقربا من الثورة، ومن لميس الحديدي إلى عمرو أديب، وإذا حدث وغادر فماذا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها؟!
هؤلاء الذين هم مع "الرائجة"، وينتقلون من حكم إلى حكم، وولاؤهم للحاكم، هم الذين يستحقون عنايته، فقد ضمن أن يحكم أبدا، ولن يجدهم كما وجد مبارك كثيرا من إعلامييه يبيعونه ويذهبون لميدان التحرير تقربا من الثورة
تركيز السلطة والثورة:
فدعائم فلسفة السيسي للحكم والتصعيد تقوم على الاحتفاء بنوعيات نشأت الديهي، الذي كان مع المشروع الإسلامي ثم انقلب على عقبيه، فليس من بين رجاله من كانوا في خصومة مع الإخوان إبان حكمهم، ولهذا هو يستبعد فريقا من الإعلاميين أنصار مبارك الذي استمروا في موقفه المدافع عنه لأنهم لم يجدوا مكاناً لهم في عهد ما بعد الثورة!
ومن دعائمها تركيز السلطة والثروة في يد عدد قليل من الأنصار فتكون شيماء، رئيساً للتحرير، وعضوة في البرلمان، وعضوة في الهيئة الوطنية للصحافة، وعضوة في تنسيقية، ويكون بهاء أبو شقة رئيساً لحزب (بقرار من السيسي)، وعضوا في مجلس الشيوخ، وابنته عضوة في مجلس النواب، وابنه مستشارا قانونيا للسيسي. ويكون الاحتياطي لنوابه المختارين في قوائمه هم أبناؤهم وأقرباء الدرجة الأولى، ويكون نشأت الديهي رئيسا لقناة، ولموقعين الكترونيين، ومذيعاً، وعضواً في المجلس الأعلى للإعلام.
لأن السيسي هنا يقيم دولة صغيرة "على الضيق"، ومن هنا جاء استنساخه لفكرة منظمة الشباب في عهد عبد الناصر، بنموذج مصغر "ماكيت" هو "تنسيقية شباب الأحزاب" من عدد صغير من الأعضاء، يتولون مناصب نواب المحافظين ومواقع النواب ورؤساء التحرير مثل شيماء عبد الإله، العضوة في هذه التنسيقية.
إنها دولة شيماء عبد الإله ونشأت الديهي، جمهورية مصر العربية سابقاً.
twitter.com/selimazouz1
لا يوجد تعليقات على الخبر.