كتاب عربي 21

الأهداف الحوثية والإقليمية من وراء الضغط على مأرب

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
في محيط مدينة مأرب هذه المدينة التي يعيش فيها مئات آلاف اليمنيين، تدور أشرس المعارك وأكثرها كلفة من حيث الضحايا البشرية التي يتكبدها الحوثيون، وبصورة أقل الجيش الوطني ومن يسانده من المقاتلين القبليين.

انكسر الحوثيون بعد أكثر هجماتهم شراسة، وفقدوا عدداً كبيراً من القيادات الميدانية التي أعدت لمعارك حاسمة كالتي يخوضونها في محيط مأرب، في سياق هدف قديم جديد للسيطرة على المحافظة ووضع اليد على الثروة النفيطة ومكامن الغاز الطبيعي المسال في صافر، والذي يُضخ بواسطة أنابيب إلى ميناء بلحاف على خليج عدن في محافظة شبوة المجاورة.

وثمة هدف آخر قد لا يكون أولوية لدى جماعة الحوثي، لكنه حيوي بالنسبة للاعب إقليمي سيئ هو الإمارات، كرس معظم جهده العسكري لإلحاق الأذى بالكتلة الصلبة للسلطة الانتقالية، وبالحوامل السياسية لثورة 11 شباط/ فبراير 2011، حيث تظهر أبو ظبي حرصاً على نجاح الحوثيين في الوصول إلى مأرب، لأن من شأن ذلك أن يثبت حدود الدولة الجنوبية الموعودة ويعطي الانفصال بعداً أكثر وضوحاً، وذلك هدف حيوي بالنسبة للإمارات.
تظهر أبو ظبي حرصاً على نجاح الحوثيين في الوصول إلى مأرب، لأن من شأن ذلك أن يثبت حدود الدولة الجنوبية الموعودة ويعطي الانفصال بعداً أكثر وضوحاً، وذلك هدف حيوي بالنسبة للإمارات

إن واحدة من أسوأ ما كشف عنه مخطط الهجوم على مأرب هو ذلك المرتبط بصفقة سرية رعتها أبو ظبي؛ تقضي بأن تبقى جبهة الساحل الغربي هادئة إلى حد كبير، بما يسمح للحوثيين بالتحشيد باتجاه مأرب دون ضغط ودون انكشاف في أهم جبهاتها التي يتحكم في جزء منها نجل شقيق الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح العميد طارق صالح.

ثمة هدف حيوي لأبو ظبي، فعينها لا تزال مركزة على محافظة شبوة حيث يوجد عدد من حقول النفط وثاني أهم معمل لتسييل الغاز الطبيعي في الجزيرة العربية، والذي أقيم في منطقة بلحاف، لأن هذه المرافق الحيوية ستؤمن موارد مهمة للمشروع الانفصالي الذي ترعاه، وربما يدعم قيام الدولة الجنوبية.

لست أدري ما إذا كانت السعودية جاهزة لتلقي هزيمة عسكرية ثقيلة في مأرب، صحيح أن المواجهات تدور بين قوات الحوثيين والجيش الوطني التابع للسلطة الشرعية، وصحيح أن الدعم السعودي للجيش الوطني تراجع إلى الحدود الدنيا، إلا أن مجرد خروج القوات السعودية من مأرب بأسلحتها الحديثة لن يفهم منه إلا أنها هزيمة وربما تسليم وكلها سيناريوهات واردة ومتوقعة.
صحيح أن الدعم السعودي للجيش الوطني تراجع إلى الحدود الدنيا، إلا أن مجرد خروج القوات السعودية من مأرب بأسلحتها الحديثة لن يفهم منه إلا أنها هزيمة وربما تسليم وكلها سيناريوهات واردة ومتوقعة

لكن ما لا يمكن فهمه هو قيام القوات السعودية في عدن بعرقلة انتقال مئات المقاتلين القادمين من محافظة تعز ومنعهم من التوجه إلى مأرب، في وقت يواصل فيه مسؤولون محسوبون على الرياض في الحكومة مهاجمة لجيش الوطني وتشويهه، وفي الآن نفسه تحميله تبعات المعركة المفتوحة للحوثيين والتي لا يصدها إلا استبسال المقاتلين من حراس الوطن والكرامة والقيم الجمهورية.

قد يبدو الضغط العسكري الذي يمارسه الحوثيون على مدينة مارب محصلة لاختلال معادلة الصراع لصالحهم، لكن الأمر ليس له علاقة بفقدان الجيش الوطني للفكاءة القتالية، بقدر ما يتعلق الأمر بنتاج أعوام من استهداف الجيش الوطني الذي ظلت الإمارات ومعها الجناح المتماهي معها في السلطة السعودية الجديدة بالرياض، يعتقدان أنه يمثل حزب الإصلاح والإخوان المسلمين.

هناك ثلاثة ملامح رئيسية للاستهداف الممنهج الذي طال الجيش الوطني ومعه المقاومة، ومنها الحملة السياسية والإعلامية العدائية، والتسقيط الذي يطال الجيش الوطني ويصوره على أنه مجرد قوائم وهمية ومرتبات لا عائد لها، وفساد وعجز عن العمل العسكري.

أما المظهر الثاني فيتجلى في محاولة فصل قيادة الجيش عن قوامه المقاتل، عبر فرض قيادات تتماهى مع الأجندة السعودية والإماراتية، ضمن مخطط يستهدف إفناء الجيش الوطني وهد معنوياته وإخراجه عن الجاهزية.

ويتجلى استهداف الجيش الوطني في مظهره الثالث بالحرمان من الإمدادات التموينية والتسليحية، وعدم صرف المرتبات، وجعل الانخراط في الجيش الوطني أو البقاء فيه عبئاً لا يمكن تحمله.

أما المظهر الرابع من هذا الاستهداف فيحمل نكهة الحرب الأكثر شراسة وقساوة، حيث ذهب المئات ضحية الضربات الجوية الخاطئة أو المقصودة حينما يرى التحالف أن الجيش الوطني قد تجاوز الحدود المرسومة له، وتقدم أكثر مما ينغبي باتجاه العدو أو كاد يصل إلى مشارف صنعاء، أو رأى أن الفرصة مواتية للذهاب خلف خطوط جبهات الانقلابيين.

لقد تآكل قوام الجيش الوطني وألويته ووحداته وكتائبه تحت وطأت الحرب الطويلة الأمد، وحُرم من تجديد دمائه ورعاية مصابيه والاهتمام بذوي شهدائه، في وقت بقي الخطاب العدائي يسوق بأن الجيش عبء على الموازنة وعلى الرواتب التي لم تعد تصرف أصلاً.
الظاهرة الإيجابية التي تحكم المشهد العام في مأرب هو أن الجيش الوطني لا يزال بوسعه لملمة شتاته، ويمكن لمدينة مأرب المكتظة أن تتحول إلى كتائب طوارئ، بما لا يسمح للمليشيا الانقلابية ومن يتواطأ معها من القوى الإقليمية بتحقيق أهدافها

لكن الظاهرة الإيجابية التي تحكم المشهد العام في مأرب هو أن الجيش الوطني لا يزال بوسعه لملمة شتاته، ويمكن لمدينة مأرب المكتظة أن تتحول إلى كتائب طوارئ، بما لا يسمح للمليشيا الانقلابية ومن يتواطأ معها من القوى الإقليمية بتحقيق أهدافها.

لقد احتشد مقاتلو القبائل لمواجهة الحوثي خروجاً عن النص الذي كان قد أعاد ترتيبهم كقوة إسناد شعبية، تحل محل الجيش الوطني نفسه وفي سياق مكايدة سياسية واضحة.

هب أبناء القبائل ويقينهم أن الوضع خطير ولا يحتمل المكايدات، واتحدوا مع الجيش ملتزمين مبدأ التضحية من أجل الوطن والجمهورية، وتدفق المقاتلون من شبوة وأبين وحضرموت في مظهر وحدوي فريد أفشل أحد أهم أهداف الضغط العسكري للحوثيين على مدينة مأرب.

twitter.com/yaseentamimi68
التعليقات (0)