كتاب عربي 21

عقبات الانتخابات الفلسطينية

شريف أيمن
1300x600
1300x600
للمرة الأولى منذ 15 عاما، يصدر السيد محمود عباس مرسوما يدعو فيه إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية على التوالي، وبعدهما انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني. وكانت الانتخابات الأخيرة قد جرت عام 2006، وفازت فيها حركة حماس بالأغلبية النيابية، ليدخل الانقسام الفلسطيني مرحلة أكثر حدة مما سبقها. وبلغت الأحداث ذروتها عام 2007 عندما وقع الاقتتال المسلح بين حركتي فتح وحماس، وانتهى الاقتتال بسيطرة حماس على قطاع غزة، وسيطرة فتح على الضفة الغربية.

كان عاما 2005 و2006 وقت الضغط الأمريكي على قيادات المنطقة لتخفيف القبضة الأمنية داخل المجتمعات، وهذا التوجه كان نتاج هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، لكن النتائج أتت بالإخوان المسلمين في مصر وفلسطين، كما تعاظم وضع حزب الله في الداخل اللبناني عقب العدوان عام 2006، ومن هنا قررت الإدارة الأمريكية الكفَّ عن ضغوطها في المنطقة، لتعود القبضة الأمنية إلى وضعها السابق.

على مدار هذا العقد والنصف تغيرت المنطقة بشكل كلي، فقامت ثورات أطاحت بأنظمة مستبدة، ودخلت ثلاث دول عربية في اقتتال داخلي مسلح، كما جرى انقلاب عسكري شرس في مصر، أيضا تغيرت موازين القوى في المنطقة، وأصبح القرار العربي يُصنع في دولة الإمارات الناشئة منذ عقود قليلة، وتمتثل الدول الكبرى في المنطقة للإرادة الإماراتية، أو في أفضل الأحوال لا تعارضها، وهذه التغيرات لا يمكنها بأي حال ألا تؤثر على القضية الفلسطينية، مهوى الأفئدة العربية والإسلامية.
تتوجه الأنظار الآن إلى القاهرة لترى نتيجة اجتماع الفصائل الفلسطينية، ويمثل هذا الاجتماع خطوة في رحلة معقدة يتشابك فيها إشكال الداخل الفلسطيني مع التدخلات الخارجية

تتوجه الأنظار الآن إلى القاهرة لترى نتيجة اجتماع الفصائل الفلسطينية، ويمثل هذا الاجتماع خطوة في رحلة معقدة يتشابك فيها إشكال الداخل الفلسطيني مع التدخلات الخارجية. فقد كانت هناك محاولات للمصالحة بين فتح وحماس أعوام 2011، و2014، و2017، لكنها لم تتجاوز الأوراق التي تم التوقيع عليها، هذا على مستوى الخلاف بين الفصيلين الكبيرين.

على المستوى السياسي، فإن فتح تطالب حماس بخوض الانتخابات في ضوء برنامج منظمة التحرير الفلسطيني الذي يرفض حمل السلاح ضد المحتل، والخلافات السياسية بين الطرفين لم تنتهِ، فضلا عن أن الانقسام تحول إلى واقع معيشي على مدار 14 عاما، خاصة في ناحية التوظيف داخل المؤسسات، وهي نقطة لن يسهل تجاوزها، وستظل هناك أصوات منتفعة من هذا الوضع تضغط لإفشال تغييره.

كذلك هناك الإشكال الأمني العميق، فمِمَّن ستتشكل أجهزة الأمن؟ صحيح أن هناك إجابات نظرية عن إعادة تشكيل المؤسسة الأمنية، لكنها ترتطم بالواقع عند التنفيذ؛ فالفصيلان الكبيران يعتمدان على ترسيخ سلطتهما عبر الأجهزة الأمنية، وإذا غابت المهنية عن تشكيل قوات الأمن فلن يتم قبول تسليم القيادة الأمنية لقيادات من فصيل مختلف، بسبب إرث العلاقة المتوترة بينهما.
الفصيلان الكبيران يعتمدان على ترسيخ سلطتهما عبر الأجهزة الأمنية، وإذا غابت المهنية عن تشكيل قوات الأمن فلن يتم قبول تسليم القيادة الأمنية لقيادات من فصيل مختلف، بسبب إرث العلاقة المتوترة بينهما

رغم تعقيدات وتشابك الداخل الفلسطيني، فإن التدخلات الخارجية هي التي تغذي هذا الواقع وتدعمه ليزداد في تعقيده، فهناك دولة الاحتلال التي لن تقبل بوحدة الداخل الفلسطيني أبدا، إذ الاتحاد الفلسطيني لا يعني سوى المزيد من المعاناة من الجهاد الوطني لتحرير كامل الأرض.

على صعيد دول الجوار، سبق لمصر والأردن توقيع اتفاقيات مع دولة الاحتلال، والنظامان السياسيّان في البلدين يحملان خصومة مبدئية مع الإخوان المسلمين، وإن كان الأردن أقل حدة في صراعه مع الجماعة، وهذه الخصومة تؤدي دوما لرفض وجود حماس في السلطة الفلسطينية. ويبدو سوء العلاقة الدائم بين الطرفين عبر استقبال الأجهزة الأمنية لقيادات حماس، بينما يجري الاستقبال الرسمي لقيادات حركة فتح، في إشارة دائمة إلى طبيعة العلاقة بين هذه الأطراف.

عربيا، لم تعد القضية الفلسطينية تمثل واحدة من عمليات الاسترضاء السياسي الشعبي، فالنظم السياسية شغلت الشعوب العربية بلقمة العيش أولا، وألهبت ظهورهم بسياطها ثانيا. ورغم استقرار القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي، فإن الهموم الذاتية تغلب الهموم العامة، وهذه الحالة دفعت الأنظمة السياسية للتخفف من التزاماتها السابقة تجاه القضية الفلسطينية ومركزيتها، وذهبت بعض هذه الأنظمة للتطبيع الرسمي مع دولة الاحتلال، بعد سنوات من التطبيع الخفي في الغرف المغلقة، ولعل التحركات الإماراتية المشبوهة في عملية التطبيع وتهويد القدس أيضا، مؤشر على التحول الجذري في المواقف العربية.
من المهم أثناء النظر في حال المنطقة، وتعاظم دور الإمارات، الانتباه إلى أن محمد دحلان، الشخص المنبوذ من بني وطنه الفلسطينيين والذي استقر في الإمارات كمستشار لولي عهد إمارة أبو ظبي

من المهم أثناء النظر في حال المنطقة، وتعاظم دور الإمارات، الانتباه إلى أن محمد دحلان، الشخص المنبوذ من بني وطنه الفلسطينيين والذي استقر في الإمارات كمستشار لولي عهد إمارة أبو ظبي، وهو المعروف بعلاقاته مع الصهاينة، وهو الذي تشير إليه أصابع الاتهام بمشاركته في عمليات العنف في سيناء منذ نجاح الثورة المصرية 2011، وهو الذي تتهمه تركيا بالضلوع في المحاولة الانقلابية هناك عام 2016، وهو الذي ظهرت صورته مؤخرا مع رئيس وزراء إثيوبيا الذي يهدد الحصة المائية لمصر، وهو المتهم بهندسة اتفاقات التطبيع الدَّنِسَة الأخيرة بين دول عربية والكيان المحتل، وهو الذي تتهمه شخصيات تونسية بتغذية الانقلاب على المسار الديمقراطي هناك، وهو الذي يتهمه الليبيون بإشعال الحرب في بلادهم.. باختصار هو شيطان هذا الزمان الذي لا يترك كارثة إلا وكان ضلعا فيها.

ما يرجوه المحبون لفلسطين أن يلتئم الشمل وتتحرر الأرض، وللأسف لن يقوم بهذا سوى أبناء الأرض وحدهم، بعدما تخلى عنهم قادة العرب، وكبّلوا شعوبهم.

twitter.com/Sharifayman86
التعليقات (0)