قضايا وآراء

هكذا تكلَّم جو بايدن!

عبد الرحمن أبو ذكري
1300x600
1300x600
كان خطاب تنصيب الرئيس الأمريكي السادس والأربعين جوزيف بايدن، القصير نسبيّا، الذي استغرق حوالي ثُلث الساعة، ولم تَزِد كلماته على الألفين وخمسمائة كلمة؛ كاشِفا عن عُمق الأزمة الداخليَّة للنظام السياسي الأمريكي، وهي الأزمة التي تابع تفاصيلها الأخيرة - أولا بأول - كل معنيّ بالشأن السياسي في أركان المعمورة، التي لم تستفحِل منذ اعترض ترامب على نتائج الانتخابات فحسب، وإنما منذ اليوم الأول لتوليه منصبه مطلع 2017م - كونه غريبا بالكليَّة عن المجال السياسي وتقاليده - وهو ما تجسَّد في حجم المعارضة الذي لقيه في أوساط النُخبة السياسيَّة والثقافيَّة الأمريكيَّة، حتى كاد يقضي بعزله ولما ينقضي عامه الأول بعد.

لا ترجع أهميَّة خطاب بايدن إلى كشفه معالم الأزمة التي اطلع عليها القاصي والداني، فهذا معروف مشهور، وإنما مكمن الأهميَّة الأعظم هو كشفه عن عمق هذه الأزمة، الأمر الذي يستعصي إدراكه على المراقِب الخارجي، وذلك بسبب ضخامة بُنيان هذه الحضارة، وتغول هيمنتها الثقافيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والعسكريَّة، والصورة الذهنيَّة المترسِّخة عنها، لا في أوساط النُخَب "المتخلفة" وحدها، وإنما في أوساط العوام كذلك؛ إذ إن الصورة الذهنيَّة "العالمية" لهذا "اللفاياثان" الهائل تَحُولُ حتى دون تصور الكثيرين لإمكان تأزُّمه، فضلا عن شدَّة تضرُّره ومعاناته جرَّاء أزمته، مهما تعاظمت التجليات العلنيَّة لهذه الأزمة.
لا ترجع أهميَّة خطاب بايدن إلى كشفه معالم الأزمة التي اطلع عليها القاصي والداني، فهذا معروف مشهور، وإنما مكمن الأهميَّة الأعظم هو كشفه عن عمق هذه الأزمة

وإذا كانت الأزمة الحالية مرتبطة في الأصل بسُنن الله الحاكمة في أعمار الدور وأطوار الحضارات، فإن وصول شخص دونالد ترامب إلى السلطة قد ساهم في زيادة عمقها، وأدى إلى تفاقُم حدَّة الاستقطاب، حتى تهدَّد لهيب الأزمة بالنيل من قواعد النظام السياسي نفسها؛ إذ تدهور الوضع إلى حافة تذكرنا بالأوضاع السياسيَّة البائسة في بُلداننا المنكودة، وذلك إلى الدرجة التي دفعت جورج بوش الابن لأن يستنكر على ترامب استهانته بالتقاليد السياسيَّة الأمريكيَّة الراسخة، مؤكدا أن هذه التقاليد تختلِف قطعا عمَّا في "جمهوريَّات الموز"، وهي إشارة تشي بحجم المخاوف التي عبَّر عنها فريق معتبر من السياسيين - حتى من الجمهوريين - تجاه تصرُّفات ترامب، وتوجسهم من استهانته بالتقاليد السياسيَّة، وتعديه عليها وتحطيمه لها.

وقد تجلَّى عمق الأزمة واضحا في المفردات التي استعملها بايدن في خطابه القصير، ومعدلات تكرارها، وتنويعات هذا التكرار، التي قُصِدَ بها لا مُجرَّد إرسال رسائل واضحة صريحة إلى المواطن الأمريكي عموما، وإلى سلفه اللدود وأنصاره على وجه الخصوص، وإنما تغيَّا ترسيخ المعاني التي تحملها هذه الرسائل بتكرارها بألفاظ مختلفة صيغَت بحرفيَّة فائقة، حتى يتشرَّبها وجدان المتلقي تماما وتعمل عملها في لا وعيه.

وربما كانت أبرز هذه المفردات هي ما عبَّر به بايدن عن طبيعة الأزمة السياسيَّة، وكونها تتهدَّد عمودا الأساس اللذين انبنى عليهما النظام الجمهوري الأمريكي: الوحدة (وحدة الولايات في نظام فيدرالي)، والديمقراطيَّة (بوصفها نظاما للتبادُل السلمي للسلطة)، يلي ذلك في الأهميَّة استعماله ألفاظا شتى تَدُلُّ على معنى "الأزمة" نفسه، وتشي بأنها شديدة الوطأة مُتعددة الأبعاد، تكاد تقترب من الحرب الأهليَّة.

لقد استعمل بايدن في خطابه أربعة اشتقاقات من لفظة "الوحدة"، وكرَّرها خمس عشرة مرَّة على الأقل (unity, union, unite, united)، هذا عدا الألفاظ والتراكيب التي تؤدي المعنى نفسه، مثل: "غير قابل للقسمة indivisible"، قاصدا به الشعب الأمريكي، و"معًا together"، وهي تنويعات كان مجموع استعماله لها لا يقل عن خمس مرات، رغبة منه في استعادة الشعب لوحدته بعد تجزئة ترامب له. كذا، استعمل الرئيس المنتخَب لفظة "الأمة/ الشعب nation" خمس عشرة مرة على الأقل، أكثرها في إشارات حميمة لتأليف القلوب؛ مثل: "أمتنا الأمريكيَّة our nation"، الذي عبَّر عنه في مرَّات أخرى غير قليلة بتركيب آخر أضيق: "شعبنا our people". ورُبَّما كان أبرز أمثلة إصراراه على هذا "الخطاب الوحدوي" الضروري، هو استعماله لضمائر المتكلم في صيغة الجمع (we, us, our) ضعف عدد المرات التي استعمل فيها صيغة المفرد (I, me, my)، وهو استعمال لم يقصِد به جمع نفسه مع فريقه أو حزبه، وإنما قصد به إضافة نفسه وفريقه وحزبه إلى الشعب الأمريكي، وهو عكس ما كان يفعله ترامب على طول الخط.

وقد بلغ هذا الخطاب الوحدوي ذروته باقتباس بايدن مقاطع من "أغنيَّة وطنيَّة" تعود إلى عقد التسعينيات، وقد سمَّاها في خطابه بـ"الترنيمة الأمريكيَّة american anthem"؛ إذ تصبُّ في محاولته ترسيخ هذه الروح الوحدويَّة. وإذا كان لا يفتأ يَحُثُّ على هذه الوحدة ويؤكد مركزيتها، ويستحضر لذلك ما سماه بـ"المثال الأمريكي american ideal"، وهو النص الصريح في "إعلان الاستقلال الأمريكي" على أن "كل بني آدم قد خُلِقوا متساوين"، في رفض قاطع للعُنصريَّة؛ فإنه لا يصدم المتلقي بحقيقة أن هذا المثال "الأجوف" قد أقرَّه الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، الذين كانوا من المناصرين لاستعباد الزنوج، بل كان بعضهم من كبار تجار العبيد. غير أن بايدن - رغم مداراته - يحاول الحفاظ على واقعيته في مجتمع يعيش العمق الحقيقي لأزمته العنصريَّة -بشكل يومي -، فيُصرِّح بأن "المعركة [مع العنصريَّة] أزليَّة، ولم يكن الانتصار فيها مضمونا أبدا"!!

أما إبرازه للعنصر المركزي الثاني من عناصر الأزمة، أي النظام الديمقراطي؛ فلم يكن نصيبه أقل من مسألة الوحدة، فقد استعمل بايدن لفظة "الديمقراطيَّة democracy" ما لا يقِل عن عشر مرات في هذا الخطاب القصير، هذا عدا استعماله لتراكيب وألفاظ أخرى تؤدي المعنى نفسه، مثل: "الانتقال السلمي للسُّلطة"، و"إرادة الشعب"، الذي استعمله ما لا يقِل عن ثلاث مرات، أو لفظة "liberty" الملتَبِسة المعنى، التي تكرَّرت عدَّة مرات. وقد تجلَّت أزمة الديمقراطيَّة الأمريكيَّة واضحة في التراكيب التي استعمل فيها اللفظة؛ فانتصاره في الانتخابات - على خصمه العنصري - هو "انتصار للديمقراطية"، و"انتصار لإرادة الجماهير"، و"عُرس للديمقراطيَّة".. إلخ، فكأنك تستمع لحاكم من حكام العالم الثالث! وهو تارة يُقرر بأن الديمقراطيَّة تتعرَّض للهجوم وأخرى يؤكد بأن هناك من يحاول عرقلتها، وتارة يصفها بأنها ثمينة عزيزة، ثم بأنها هشَّة قابلة للكسر، لكنَّه يحتفي بـ"الانتقال السلمي للسُّلطة" كأنه "إنجاز ضخم" تحقَّق بصعوبة!
تجلَّت أزمة الديمقراطيَّة الأمريكيَّة واضحة في التراكيب التي استعمل فيها اللفظة؛ فانتصاره في الانتخابات - على خصمه العنصري - هو "انتصار للديمقراطية"، و"انتصار لإرادة الجماهير"، و"عُرس للديمقراطيَّة"

فإذا وصلنا إلى الألفاظ التي تُعبِّر عن معنى "الأزمة"، وجدنا تكرارا ملحوظا للفظة "challenge"، التي تُعرَّب إلى: خطر أو تحدّ أو مُجابهة (ومثلها مواجهة: "face"، التي تكرَّرت ثلاث مرات على الأقل). وقد حصدت لفظة "challenge" نصيب الأسد، إذ تكرَّرت تنويعاتها الاشتقاقيَّة ثماني مرات على الأقل، تليها ألفاظ وتراكيب تعبِّر عن البُعد العُنصري للأزمة وعن العدالة المنشودَة، فقد استُعمِلَت الأخيرة (justice) خمس مرات على الأقل، وكان عدد تنويعات الأولى (race, racial, racism) مماثلا تقريبا، ثم يلي ذلك لفظ "الأزمة" بحذافيره الذي تكرَّر مرتين صراحة (crisis)، ولفظ "الغلو" أو "التطرُّف" (بالإنكليزيَّة: extermism)، كما تكرَّر استعمال لفظة تشي بـ"العنف" أو "الإكراه" (بالإنكليزيَّة: violence) ثلاث مرات، هذا عدا الألفاظ الأخرى الدالَّة على المعاني نفسها، علاوة على المعاني التي تصب في التنديد بالعدو الداخلي بوصفه التحدي الذي سيوحِّد جهود الأمَّة هذه المرَّة، وهو عدو خطورته مناظرة لخطورة الحرب الأهليَّة الأمريكيَّة، التي أشار لها مرَّتين صراحة. وقد ورد أكثر هذه الألفاظ في سياق التنديد المبطَّن بحركات البيض العنصريَّة، وسلوك ترامب وأنصاره.

هذه العناصر اللغوية تلتحِم معا، وتبرُز دلالتها الكليَّة في الإشارات والاقتباسات التاريخيَّة التي استحضرها بايدن في خطابه لدعم توجُّهه، وهي إشارات أريد بها ترسيخ خطورة اللحظة التاريخيَّة في وجدان المتلقي، وتأكيد أن حقبة ترامب كانت قطيعة كابوسيَّة مع التقاليد السياسيَّة الأمريكيَّة، ومن ثم يحشد أكبر قدر من الدعم الجماهيري لتجاوزها.

فقد اقتضى النشاط البغيض لحركات البيض العنصريَّة، التي استفزَّها تشجيع ترامب (والتي ترفع غالبا علم الكونفدراليَّة)، والعدد البارز من الحوادث العنصريَّة ضد الزنوج في السنوات الأخيرة؛ اقتضى استدعاء الذكرى المريرة للحرب الأهليَّة الأمريكيَّة، وذكرى أبراهام لنكولن؛ الذي "حرَّر" الزنوج، وحارب الولايات الانفصاليَّة (الكونفدراليَّة) التي رفضت المساواة بين البيض والزنوج، وانتصر عليها، قبل أن يُقْتَل على يد بعض مُنتسبيها، بعد أن أعاد توحيد أمريكا وقنَّن تجريم العبوديَّة. وهي الحادثة المركزيَّة التي يوظفها بايدن توظيفا دراميّا ذكيّا؛ ليؤكد للمواطن الأمريكي - تأكيدا غير مباشر - أنه لنكولن الجديد، الذي سيُعيد توحيد أمريكا وقمع العنصريَّة، بل ويُشير بطرف خفي إلى استعداده هو اﻵخر ليُقتل في سبيل استعادة مُنجَز لنكولن. لهذا، كان استحضار أبراهام لنكولن - الذي يُقدِّسه الوجدان الأمريكي - والذكرى الأليمة للحرب الأهليَّة؛ توظيفا ملائما لتنديد بايدن المتكرر بالحوادث العنصريَّة وآثارها على النظام، وتأكيده ضرورة تحقيق العدالة (بالمساواة بين البيض والملونين)، وهي العدالة التي يُفتَرَض -نظريّا - أنها عصب النظام الديمقراطي الأمريكي كما نعرفه اليوم، الذي يُعتبَر أبراهام لنكولن نفسه هو الأب الشرعي له.

وإذا كان الرئيس الأمريكي المنتخب يَعِدُ ناخبه بالنضال في هذا السبيل، رغم تفشي موجة العنصريَّة، بل ويستدعي ذكرى نضال الدكتور مارتن لوثر كنغ؛ فإنه يفعل ذلك في إطار أمريكي مثالي، يُربت على مشاعر الجمهوريين البِيض؛ إذ غلَّفه بخطاب محبَّب إليهم، رُصِّع بإحالات دينية وألفاظ عاميَّة من استعمالاتهم، واستدعاء لذكرى أبيه وأمه لتأكيد تقديره لقيم الأسرة، التي يُجلها الجمهوريون ويتهمون الديمقراطيين بالتهاون فيها. وهي إحالات ضروريَّة، بل شديدة الأهميَّة؛ إذ يُفتَرَضُ أن تُخفِّف بعض الشيء من حدَّة الاحتقان في أوساط طبقة "حثالة البيض white trash"، الذين استفزَّهم ترامب وحرَّكهم. لذا، يذكر بايدن أباه بوصفه مواطنا أمريكيّا عاديّا كان يقلق على أسرته ويخطط لمستقبلها، ويستحضر أمه بوصفها أمرأة طيبة كانت تتفهَّم معاناة الآخرين وتُقدِّر نضالهم، وقد فعل ذلك بألفاظ عاميَّة (mom, dad) لا بألفاظ ذات طابع "رسمي" يليق بالمقام (father, mother)، وذلك كما خاطب جمهوره الأمريكي بلفظة عاميَّة للتحبُّب: "folks"، نصف عدد المرات التي استعمل فيها العبارة "شبه الرسميَّة" المعتادة في مثل هذه المواطِن: "my fellow Americans".

وربما كانت إحالات بايدن الدينيَّة أكثر ما يَستَحِقُّ الإفراد بالذكر، لتعدُّد مضامينها وأهدافها. ولا تعنينا الإحالات الدينيَّة المبطنة، بقدر ما تعنينا إحالتان صريحتان، واحدة إلى القديس أوغسطين، والثانية إلى العهد القديم. وبالنظر إلى كونه ثاني رئيس كاثوليكي فحسب في تاريخ الولايات المتحدة (الأول كيندي قد اغتيل!) فقد قصد بايدن بالاقتباس الأول طمأنة الجمهور البروتستانتي بأن اعتقاده الكاثوليكي يُعضِّد "القيم الماديَّة" الأمريكيَّة (البروتستانتية)، وهو ما وظَّف له اقتباسه من القديس أوغسطين أن أيَّة أمة/ شعب يتم تعريفهم بموجب "ما اجتمعت عليهم قلوبهم"، وهو المعنى الذي يؤكده إذ يُعدِّد ما اجتمعت عليه قلوب الأمريكان، وما يُمثل عقدهم الاجتماعي؛ فكأن فيلسوف الكنيسة الكاثوليكيَّة الأكبر مجرَّد أداة لتسويغ "المثال الأمريكي"!

أما الاقتباس الثاني، فكان من المزامير (وتحديدا اﻵية الخامسة من المزمور الثلاثين)؛ ونصها الكامل: "رَنِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَتْقِيَاءَهُ، وَاحْمَدُوا ذِكْرَ قُدْسِهِ. لأَنَّ لِلَحْظَةٍ غَضَبَهُ. حَيَاةٌ فِي رِضَاهُ. عِنْدَ الْمَسَاءِ يَبِيتُ الْبُكَاءُ، وَفِي الصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ"، وقد استشهَد بايدن بالجزء الأخير فحسب: "عِنْدَ الْمَسَاءِ يَبِيتُ الْبُكَاءُ، وَفِي الصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ"، لكن الجمهور المتلقي يُدرِك المراد، وأن غضب الرب (ترامب) زائل لأنه لحظة عابرة! ولأن المزمور يتكلَّم عن "دفن المسيح"، وبكاء أحبائه في المساء، ثم ترنُّمهم في الصباح؛ فهو توكيد أنه إذا كان هذا العالم الأرضي (أو حقبة ترامب) ليل ضيق وحزن؛ فإن الحياة اﻵخرة (أو حقبة بايدن) هي فجر السرور والترنُّم، ومن ثم؛ كان الفجر الذي يمثله بايدن هو العزاء للمنكوبين.

وإذا كان ليل المسيحي الأبيض العنصري (أي سقوطه في الخطيَّة) بكاء وحزنا، فإن فجر عودته مُذعنا إلى النظام (أي توبته) سرور وفرح؛ وكما كانت الآية رمزا على أن بايدن هو الفجر الذي سيُزيح ليل ترامب، كانت كذلك رمزا إلى وقوع أنصار ترامب في الخطيَّة، وإمكان "توبتهم" لتوحيد أمريكا واستعادة مجدها.

إن التاريخ عند هؤلاء يسير في خط أفقي صاعد، رغم القطيعة، لهذا؛ فهو يُعرِّج على (ليل) تظاهرات النساء اللائي خرجن قبل قرن من الزمان، للمطالبة بحقهن في التصويت؛ حتى يَقِف ليُحيي (الفجر) نائبته كامالا هاريس، بوصفها أول امرأة (وملونة!) تصل إلى مثل هذا المنصب بالانتخاب، أو بوصفها التغيُّر المنشود والحتمي والمتحقِّق، في فردوس بايدن اﻵتي!

twitter.com/abouzekryEG
facebook.com/aAbouzekry
التعليقات (0)