كتاب عربي 21

علام الفرح بقدوم 2021؟

جعفر عباس
1300x600
1300x600

وصلت العلاقة بيني وبين مؤخرات ورؤوس السنين مرحلة القطيعة التامة وأنا طالب جامعي، عندما دعاني زميل ابن عائلة موسرة لقضاء حفل رأس سنة ما في أحد الأندية التي كنت قد سمعت عنها ما يسيل لعاب قروي مثلي لم يغادر سن المراهقة تماما، وكان الاتفاق أن نلتقي في مقهى في وسط الخرطوم بعد أن أتناول وجبة العشاء بقليل (لضغط المنصرفات، لأنه قال إن أسعار الوجبات في ذلك النادي تفوق قدراتي)، ومن فرط لهفتي لما حسبته ترقية طبقية، كنت في المقهى قبل صلاة المغرب بقليل، وأنا في كامل زينتي، وربطة عنق جميلة قدمها لي فاعل خير تزين صدري (لأول مرة في حياتي)، وأنتعل حذاء من الجلد الأصلي استعرته من زميلي في السكن الجامعي.

وعندما رُفع الأذان دخلت الجامع الكبير، وبعد أداء الصلاة اكتشفت أن حذائي قد اختفى، وكان ذلك بعد التنقيب بين عشرات الأزواج من النعال والشباشب والبراطيش، وشيئا فشيئا خلا الجامع من المصلين، وتم إغلاق أبوابه، ووقعت في حيص بيص، وأنا أسير مطأطئ الرأس ومن حولي خلق كثير لأن المسجد في قلب أكبر أسواق الخرطوم، وكل من رآني في كامل أناقتي في الجزء الأعلى من جسمي بينما قدماي حافيتان، لا شك في أنه شكّ في قواي العقلية.

كان في جيبي ربع جنيه (25 قرشا) توجهت بها إلى رجل يبيع تشكيلة من البضائع غير المتجانسة من بينها نعال وأحذية بلاستيكية من على طاولة، ورحب بي الرجل بحسبان أنني وقياسا على مظهري الخارجي زبون صاحب جيب مليان، وصرت أختار هذا النعل وذاك وأسأل عن الأسعار، ولما وجدتها جميعا فوق ربع الجنيه سعرا، ابتعدت عنه عاقدا العزم على العودة إلى السكن الجامعي سيرا على الأقدام عبر طرق غير مأهولة بالمارة، ولكن ما أن خطوت مبتعدا حتى صاح في الرجل كي أعود إليه، فامتثلت للدعوة وأنا أرجو أن يقدم لي ما أبتغيه في حدود ما دون ربع الجنيه، كي يتبقى معي مبلغ يغطي كلفة المواصلات إلى مسكني الذي كان يبعد عن ذلك المكان مسافة يجوز فيها قصر الصلاة؛ وعرض علي الرجل زوجين من الأحذية سبق أن قال لي إن سعرهما يفوق الجنيه الواحد، فوضحت له أن كل ما معي من مال أقل من رُبع قيمة الحذاء، ولكنه طلب مني أن أتقصى ما إذا كان الحذاء على مقاسي، ففعلت وأكدت له أنه يلائم مقاس قدمي ولكنه لا يلائم مقاس جيبي، فما كان منه إلا أن قال لي إنه انتبه إلى أنني حافي القدمين، واستنتج أنني حافي الجيب أيضا، وأن مظهري يدل على أنني طالب علم، ثم حلف بالطلاق أن أقبل بالحذاء دون مقابل، وكي لا أثقل ضميري بتفكيك أسرة الرجل الشهم، قبلت العرض وأنا أحس بمزيج من الخجل والامتنان.

 

من فرط التحامل على 2020 فإن جماعة "جمعة مباركة" في واتساب أضفوا على يوم الجمعة الموافق 25 كانون أول (ديسمبر) المنصرم قبل أيام قليلة بركة إضافية وانهمرت سيول من الرسائل بمناسبة الجمعة الأخيرة في 2020 وبهذا جعلوا منها جمعة "يتيمة" ذات خصوصية،

 



وغادرت ذلك الموقع وأنا على درجة عالية من صفاء النفس، واضعا ربطة العنق في جيبي، وامتطيت سيارة تاكسي فارهة عائدا إلى مسكني، وأشهرت الطلاق في وجه رأس تلك السنة وما يتلوها من سنوات، ثم جاءني من استعرت منه الحذاء، ولما أخبرته بأنه سُرِق، طالبني بثمنه ـ وكان باهظا ـ ولكنه خفف من وقع العقوبة علي بأن سمح لي بسداد المبلغ بالتقسيط المريح، وهكذا قمت بترفيع ذلك الطلاق إلى بائن بينونة كبرى (من باب رد الجميل، صرت زبونا دائما لسنوات عند الرجل الذي تصدق علي بزوجي الأحذية، ولامس قلبي لمسا شفيفا أنه لم يعرفني عندما عدت إليه أول مرة كزبون).

يتبارى الناس هذه الأيام للعن خاش عام 2020، الذي يحس معظمنا بأنه دام أكثر من ستة عشر من الشهور (ربما لأن يوم السجن يتألف من، ما بين 23 و42 ساعة، فكيف بسجن في ظل سيف الموت بالكورونا الذي ظل مسلطا على الرقاب، فيكون بديل السجن "الإعدام"؟)، ومع هذا سأظل على العهد: لا صلح ولا تفاوض ولا سلام مع رأس عام 2021، ولا أحسب أن متن العام الجديد سيكون مختلفا عن متن العام المنقضي، فـ 2020 خلّف تركة مثقلة لوريثه 2021 تتمثل في سلالة جديدة لفيروس الكورونا ستظل تلازمنا لبضعة أشهر وربما سنوات.

وبرغم تعرض عام 2020 لإشانة السمعة في كل القارات، فسيبقى أيضا في ذاكرة البشرية بسبب حدث شديد الإيجابية، يتمثل في خلاصها من الرئيس دونالد ترامب الذي كان جائحة دامت أربع سنوات، والذي لا يستبعد أن يتعرض لطفرات خلال الأيام القليلة المتبقية من ولايته، ليتحور كما فيروس كوفيد 19 إلى سلالة جديدة تسبب دمارا هائلا في الشرق الأوسط بغزوها إيران.

ومن فرط التحامل على 2020 فإن جماعة "جمعة مباركة" في واتساب أضفوا على يوم الجمعة الموافق 25 كانون أول (ديسمبر) المنصرم قبل أيام قليلة بركة إضافية وانهمرت سيول من الرسائل بمناسبة الجمعة الأخيرة في 2020 وبهذا جعلوا منها جمعة "يتيمة" ذات خصوصية، ويقيني أنه لم يخطر ببال كل من حسب أنه يوم ذو بركات إضافية، أنه يوافق يوم الكريسماس..

التعليقات (0)