مقالات مختارة

معضلة فلسطين في قياداتها!

رشيد ولد بو سيافة
1300x600
1300x600

في جانفي من سنة 2009، استضافت “الشّروق” أبرز فصائل المقاومة الفلسطينية في ندوة بمقرها بالتزامن مع الحرب على غزة (27 ديسمبر 2008 – 18 جانفي 2009)، وكان المتحدّث الرئيس فيها هو سامي أبو زهري الناطق الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، الذي زار الجزائر باحثا عن الدّعم الشّعبي للقضية، غير أنّ ممثلي الفصائل الذين حضروا الندوة، احتجّوا على طريقة التسيير، وطالبوا بتوزيع الوقت بشكل متساوٍ على ممثلي الفصائل، وكان بين الحضور المجاهد الراحل لخضر بورقعة، وقد هاله ما رآه من صراع وتلاسن بين ممثلي الفصائل الفلسطينية، فواجههم بما يلي: “الشخص الوحيد الذي له الحق للحديث في هذا المجلس هو سامي أبو زهري، لأنه يمثّل فصيلا مقاتلا في الميدان، أما أنتم فتمثلون الأحزاب والتّيارات الفلسطينية التي ضيّعتْ القضية، ودخلت في صراعات بينية، وتسويات مخجلة مع الصهاينة، لذلك؛ عليكم بالصّمت والاستماع جيدا إلى ما يقول من يحمل بندقية ويواجه الأعداء”.

كانت هذه الكلمات القوية بمثابة خارطة طريق لمن يريد أن يحرّر بلده، وما ضيع الفلسطينيين القضية، إلا لأنهم اعتقدوا أنّ النّضال السّياسي وحده كفيلٌ بتحرير الأرض وطرد المحتلين، وليتهم توقفوا عند حدود العمل السّياسي، بل تحولوا إلى العمل ضد قضيتهم تحت مُسَمّى “التّنسيق الأمني” بين السّلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال.


لقد أثبتت التّطورات التي حدثت على صعيد مواقف السّلطة الفلسطينية من مسار التّطبيع، أنّ هذه الأخيرة تخلّت عن الحقوق الوطنية الفلسطينية وأصبحت معاونا للاحتلال في مطاردة المقاومين والتّبليغ عنهم وتصفيتهم، وتخلّت كذلك عن الخط المناور الذي كان يعتمده الرّاحل ياسر عرفات الذي كان يعمل علنا وفق ما تُمليه اتفاقيات أوسلو، ويمدّ يده سرا لدعم وتقوية فصائل المقاومة.


ويبدو أنّ فصائل المقاومة الفلسطينية أدركت هذه الحقيقة، ففي سابقة هي الأولى من نوعها بادرت إلى تنظيم مناورة عسكرية مشتركة تحت إشراف غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة، وجرّبت فيها صواريخ وطائرات مسيَّرة جديدة في سياق التّحضير للمواجهة العسكرية المحتملة مع الكيان الصهيوني، وفي الواقع فإنّ الفلسطينيين أمامهم هذا الطريق فقط إذا أرادوا تحرير الأرض وانتزاع الحقوق، وليأخذوا العبرة من التّجربة الجزائرية، حين حُلّتْ كل الأحزاب وانضمت كل التّيارات إلى جبهة التّحرير الوطني وأُجّلت الخلافات الإيديولوجية والبرامج السياسية إلى ما بعد الاستقلال.


إذا بقي الفلسطينيون على تفرّقهم ولم يعودوا إلى البندقية، فلن يكون لهم وزنٌ في التّرتيبات التي تجرى لرسم مستقبل المنطقة، خاصة بعد أن تخلى الأعراب عن القضية وباعوا الشرف وارتموا في أحضان الصهاينة والأمريكان، أما إذا استوعب الفلسطينيون هذه الحقيقة وبادروا إلى العمل وتخلوا عن مظاهر التّفرق وآمنوا بفكرة أن معضلة القضية الفلسطينية في قياداتها الذين يتصرفون في ملايير الدعم العربي، فإن فجرا جديدا يلوح في الأفق قد يحول دون ضياع فلسطين.

 

(الشروق الجزائرية)

0
التعليقات (0)