كتاب عربي 21

هذا ما أرادته السعودية لا ما أراده الرئيس

ياسين التميمي
1300x600
1300x600

أخيراً أدت حكومة الكفاءات السياسية اليمينَ الدستوريةَ أمام الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أمس السبت؛ في العاصمة السعودية وليس في العاصمة السياسية المؤقتة عدن كما كان متوقعاً، وهو إجراءٌ أبقى هذه الحكومة دون التوقعات بالنسبة لليمنيين منذ اليوم الأول لبدئها مهامها الرسمية، وأضاء كذلك على طبيعة الدور السعودي، وهو دور لا يزال يشكل مصدر تهديد وجودي للدولة اليمنية تأسيساً على حالة استعلائية لم تعد تتوافق مع الطبائع السوية، ولا يمكن لها أن تضمن الاستقرار بين دولتين يجمعهما الجوار والمصير المشتركين.

هذا الإنجاز لا يمكن أن يوصف إلا بأنه هش وغير ناضج ولا تتوفر له ضمانات حقيقية، رغم أنه جاء بعد سنة وشهرين تقريباً من العبث الدبلوماسي الواضح، واستطاعت من خلاله السعودية أن تفرض هذه الحكومة لتأتي في الظاهر ملبية لأحد مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي عقد عام 2013 في العاصمة صنعاء، لكونها تشكلت وفقاً لمبدأ المناصفة بين شمال اليمن وجنوبه، لكنها في الحقيقة ليست إلا شراكة ناقصة، لأن الوزراء الشماليين لا يمتلكون قرارهم في المحافظات الشمالية، التي يقع معظمها تحت سيطرة الحوثيين.

في الحقيقة ليست إلا شراكة ناقصة، لأن الوزراء الشماليين لا يمتلكون قرارهم في المحافظات الشمالية، التي يقع معظمها تحت سيطرة الحوثيين

لا يعود بقاء معظم الشمال بيد الحوثيين إلى ضعف في قوة خصومهم ومراسهم، بل لأنهم (خصومهم) وقعوا ضحية مؤامرة خبيثة بدأت ملامحها تتجلى بوضوح كما نراها اليوم. فالسعودية والإمارات عملتا خلال سنوات الحرب الست على إضعاف الموقف العسكري للجيش الوطني وللحكومة الشرعية ولنفوذهما في المحافظات الشمالية، ومكنتا الحوثيين من تضييق الخناق على المعقل الرئيس للسلطة الشرعية في مأرب، وتحكمتا بشكل كامل في تدفق الإمكانيات الضرورية لخوض معارك حاسمة ضد الحوثيين في محافظات: تعز وإب والبيضاء.

إذن لماذا هذا الإصرار على حكومة مناصفة صورية؟ ألا يخفي هذا الإصرار من جانب الرياض، نيةً لاستخدام الوزراء الشماليين كشهود زور على صفقة سياسية غير متكافئة تنتهي بتمكين المجلس الانتقالي من تقسيم البلاد؟

وحتى إذا تم تأخير تنفيذ هذا الهدف (الانفصال)، فإن الذهاب إلى تشكيل حكومة مناصفة فيما لا يزال معظم الجزء الشمالي من البلاد واقعاً تحت نفوذ مليشيا تابعة لإيران، ليس إلا سعياً مكشوفاً من جانب الرياض وأبو ظبي لتعويم السلطة الشرعية ونقل الصراع إلى داخل هذه السلطة نفسها، والتي لن يكون بوسعها أن تمايز نفسها بعد اليوم عن المجلس الانتقالي بصفته طرفاً متمرداً ومتسلحاً بأحدث المعدات العسكرية الممنوحة له من التحالف السعودي الإماراتي.
لماذا أصرت السعودية على تجنب البت في الشق العسكري والأمني، والذي نص اتفاق الرياض على تنفيذه قبل تشكيل الحكومة وقبل أن تباشر مهامها الدستورية من عدن، بالإضافة إلى أن تنفيذ الالتزامات العسكرية والأمنية يفترض أن يتم على قاعدة التوافق الحتمي بين طرفي اتفاق الرياض

وهنا يمكن فهم لماذا أصرت السعودية على تجنب البت في الشق العسكري والأمني، والذي نص اتفاق الرياض على تنفيذه قبل تشكيل الحكومة وقبل أن تباشر مهامها الدستورية من عدن، بالإضافة إلى أن تنفيذ الالتزامات العسكرية والأمنية يفترض أن يتم على قاعدة التوافق الحتمي بين طرفي اتفاق الرياض، وهو توافق لم يكن بوسع أي طرف أن يفرضه غير الحكومة السعودية راعية الاتفاق، ولكنها لم تفعل، ليبقى المجلس الانتقالي ممسكاً على الزناد، ومؤكداً على كونه سلطة موازية بل وسلطة فوقية وحاسمة في عدن، ستبقى الحكومة بسببه أعجز عن أن تنجز الاستحقاقات الكبيرة الماثلة أمامها؛ الاقتصادية منها والعسكرية.

لا يكفي أن نقول إن الرئيس هادي تعرض لضغوط كبيرة لكي تمضي الأمور بهذا الاتجاه، فجزء مهم من هذا الإخفاق يعود إلى سياسة الرئيس ومواقفه التي لا تزال غامضة حتى اللحظة لجهة التزامه بالأمانة الدستورية.

لا يكفي أن نقول إن الرئيس هادي تعرض لضغوط كبيرة لكي تمضي الأمور بهذا الاتجاه، فجزء مهم من هذا الإخفاق يعود إلى سياسية الرئيس ومواقفه والتي لا تزال غامضة حتى اللحظة لجهة التزامه بالأمانة الدستورية

لذا من المؤسف أن يلجأ هذا الرئيس إلى ذر الرماد في العيون لتغطية فشله عبر إيكال مهمة تنفيذ الاستحقاق العسكري والأمني إلى الحكومة؛ التي ستواجه عنتاً متوقعاً من خمسة من أعضائها يمثلون إرادة المجلس الانتقالي، المطلوب منه أن ينفذ الجزء الأكبر من هذا الاستحقاق وفقاً لاتفاق الرياض، بالانسحاب العسكري من عدن والمحافظات الجنوبية، وتسليم السلاح ودمج قواته ضمن قوام الجيش والقوات الأمنية التابعة للحكومة.

لذلك ستبقى الاستحقاقات العسكرية والأمنية مهددات رئيسية لوجود هذه الحكومة التي أدت اليمين الدستورية. وامتنع أحد وزرائها عن المجيء إلى الرياض مشترطاً أن يؤدي اليمين في عدن، وهو إجراء شجاع من جانب وزير الإدارة المحلية حسين عبد الرحمن الأغبري والذي يشغل هذه الحقيبة عن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري. وكان يفترض أن يُعتمد موقفه كذريعة منابة لفرض عودة الرئيس إلى عدن بكل ما سيترتب على ذلك من تنفيذ مستحق للشق العسكري والأمني.

twitter.com/yaseentamimi68

التعليقات (0)