قضايا وآراء

السودان: موازنة بلا تفويض.. وتفتقر للشفافية

إبراهيم الصديق علي
1300x600
1300x600
(١)
لأول مرة في السودان يحدث وللعام الثاني على التوالي أن يتم وضع ميزانية عامة للدولة السودانية دون تفويض شعبي، ودون برلمان أو مجلس تشريعي يعبر عن الرأي العام. لقد تم العام الماضي منح الحكومة ما يشبه التفويض أو الاعتماد بالصرف على بنود الموازنة، ولكن الحكومة اتخذت قرارات أبعد شأنا وأعظم أثرا، وهو التحرير الاقتصادي ورفع الدعم عن السلع الأساسية (الخبز والمحروقات والكهرباء)، وأدى ذلك لتضخم مفرط كان تقديره في تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٢٠م أكثر من ٢٥٤ في المئة، وهو ما انعكس على حياة المواطن بالبؤس والشظف.

وارتدت موجهات الموازنة عن الأهداف والمشروعات إلى الفصول التقليدية، وكانت آخر موازنها أجازتها مؤسسة تشريعية للعام ٢٠١٩م قد اعتمدت ١٣ هدفا و٣٩٣ مشروعا، والتفسير الوحيد للعودة عن هذا النموذج هو غياب الأهداف الكلية وانتفاء المشروعات، وانكفاء الحكومة بكلياتها على التيسير وهو بحد ذاته قائم على الشح.

(٢)
عولت الحكومة الانتقالية كثيرا على الدعم الأجنبي، وانتزعت من موارد البلاد الشحيحة ٣٣٥ مليون دولار تعويضات للأمريكيين ولضمان رفع السودان من قائمة الإرهاب، وفتح الأمل بإجراء مفاوضات جدية مع مؤسسات التمويل الدولية وجدولة الديون، ولكن ما حدث أمر مريب.

فقد صدقت الإدارة الأمريكية على قانون اسمه "دعم الانتقال الديمقراطي والحكم المدني وتعزيز المساءلة والمحاسبة والشفافية ٢٠٢٠م" (Sudan Democratic Transition, Accountability and Fiscal Transparency 2020).. ويطلب القانون الجديد من وزيري الخارجية والخزانة الأمريكيين الدخول في مفاوضات لدعم السودان شريطة:

* اكتمال سيطرة المدنيين على أموال وأصول الأجهزة الأمنية والاستخبارات، ونزع كل الأسهم والاستثمارات وإدخال موازنة الجيش في الموازنة العامة.

* تسليم قيادة المجلس السيادي لشخص مدني.

* اكتمال تشكيل المجلس التشريعي.

* إجراء انتخابات حرة..

ولأغراض ذلك تم التصديق على مبلغ ١٣٠ مليون دولار (منها ٨٠ مليون دولار لدعم الإنتاج الزراعي والحيواني، و٢٠ مليون دولار للمجتمع المدني والأحزاب، و٢٠ مليون دولار المصالحة والبناء). لقد وضعت الولايات المتحدة صخرة أخرى على مجرى النهر، وتفتيتها يقتضي المرور عبر تفكيك المؤسسة العسكرية والاستخبارات. وبدلا عن تعزيز الشراكة السياسية والمجتمعية، تغرق الإدارة الأمريكية مرة أخرى في وحل التفاصيل الصغيرة وصراعات الأجندة.

(٣)
ولم تكن هذه التحديات الوحيدة أمام الموازنة، فما زالت هناك أسئلة قائمة: هل تعتمد الحكومة النظام الاقتصادي المزدوج، أي عودة الفوائد في البنوك والمصارف ومؤسسات التمويل؟ وهل يكفي إنشاء بورصة للذهب والمعادن للإحاطة وتحقيق الولاية على المال العام؟ وهل تعتمد موازنة شاملة وجامعة للمركز والولايات؟ وهل ما زالت الحكومة تعول على الدعم الخارجي وقد خذلها في العام ٢٠٢٠م؟..

إن الواقع الراهن لا يبشر بانطلاق، بل بابتدار معارك جديدة تستنزف الطاقة والجهد، وتعزز الصراع والدائرة الجهنمية من أجل أجندة حزبية أو تطلعات شخصية..
التعليقات (0)