كتاب عربي 21

عنق الزجاجة في تسوية النزاع الليبي

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

تدحرجت كرة التسوية السياسية بشكل سريع منذ وقف الحرب وإطلاق العملية السياسية بمساراتها الثلاثة، الأمني والاقتصادي والسياسي. فما تحقق في بوزنيقة ثم جنيف وغدامس كان غير متوقع وأعطى أملا أن نهاية الأزمة قد أزف، وهو ما حرصت رئيسة البعثة الأممية إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز، على تكراره بثقة في كل مناسبة تحدثت فيها إلى الليبيين منذ إطلاق التفاوض.

غير أن ما وقع في تونس من تعثر ينبئ بأن هناك استعدادا كبيرا من قبل الجانبين للوصول إلى تسوية لكن بشرط أن تحقق المأمول لهم وفق مقاربة الغلبة والإمساك بزمام الأمور وليس التوافق العادل.. ويتضح ذلك جليا في جبهة طبرق والرجمة.

النوايا الحسنة التي ظهرت في توافقات بوزنيقة وجنيف وغدامس وحتى في الأيام الأولى من ملتقى تونس ليست "لوجه الله" وفي سبيل الوطن فحسب، بل هي تخدم مقاربة الوصول إلى قمة هرم السلطة التنفيذية، وما قيل عن إصرار وفد الشرق على ضمان الحصول على منصب رئيس المجلس الرئاسي ومحافظ المصرف المركزي في مقابل التخلي عن منصب رئيس الحكومة يشير إلى التفسير الذي ذهبنا إليه.

جبهة طبرق والرجمة تراهنان على منصب رئيس المجلس الرئاسي الذي هو بالتبع القائد الأعلى للقوات المسلحة، فالأول يلبي طموحات عقيلة صالح والثاني يرضي تطلعات حفتر بعد أن تراجع حلمه لحكم ليبيا بعد الهزيمة في حرب طرابلس، ولو مؤقتا.

أما المصرف المركزي فقد أثبتت تجربة السنوات الخمس الماضية أنه أداة التحكم في الموارد المالية وإدارتها، وأن الحكومة تتحرك ماليا في إطار المعتمد من ميزانيات وفي حدود ما يسمح به المصرف المركزي.

رئاسة الحكومة التي ستؤول وفق المقاربة السابقة للغرب الليبي، ولمصراتة تحديدا، لن تكون مقبولة إلا بصلاحيات تنفيذية واسعة، بمعنى أن يكون رئيس الحكومة ذا نفوذ كبير في إدارة الدولة على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية، بما في ذلك القرار المالي، وهو نظريا يوازن ويكافئ حصول جبهة طبرق والرجمة على منصب رئاسة المجلس الرئاسي ومحافظ المصرف المركزي.

ولأن الثقة ما تزال معدومة بين الطرفين، ولأن معيار التفاوض في مسألة المناصب التنفيذية العليا هو الغلبة والتحكم في القرار، فإن أي خلاف بعد منح الشرعية الدولية للأجسام الجديدة بمسؤوليها الجدد سيدفع قادة جبهة طبرق والرجمة إلى الانحياز إلى مناطقهم وممارسة السلطة "الشرعية" بحرية في حالة شبيهة بما وقع بعد اتفاق الصخيرات، أي مجلس رئاسي معترف به دوليا يتحكم في المال ويحكم في نطاق جغرافي محدود. وإن لم يكن ذلك فلا أقل من حرمان جبهة طرابلس من التميز الذي حظيت به منذ كانون الأول (ديسمبر) 2015م.

 

لأن الثقة ما تزال معدومة بين الطرفين، ولأن معيار التفاوض في مسألة المناصب التنفيذية العليا هو الغلبة والتحكم في القرار، فإن أي خلاف بعد منح الشرعية الدولية للأجسام الجديدة بمسؤوليها الجدد سيدفع قادة جبهة طبرق والرجمة إلى الانحياز إلى مناطقهم وممارسة السلطة "الشرعية" بحرية في حالة شبيهة بما وقع بعد اتفاق الصخيرات،

 



هذا التأويل المتشائم قائم على قراءة ليست محل جدل للمتابع لما جرى خلال الأعوام القليلة الماضية  من أن نظرة الساسة المبرزين في معسكر الشرق، لم تتغير في جوهرها، من أن نظراءهم في الغرب مسلوبو الإرادة ويتحكم فيهم الإخوان المسلمون والمليشيات المسلحة، وأنه من غير المنطقي ترك ثروات البلاد لهم، ولأنهم فشلوا في ذلك عبر الحرب على العاصمة، وكلهم كانوا مناصرين لها، فقد ينجحون في تحقيق ذلك عبر التفاوض، ويساعدهم في ذلك استعداد المفاوض من الغرب للتنازل ورغبة أطراف دولية وإقليمية مؤثرة في أن ترجح كفة طبرق والرجمة على طرابلس.

ما رشح من دهاليز ملتقى تونس أن كل المرشحين لعضوية المجلس الرئاسي من المنطقة الشرقية قد سقطوا وبقي عقيلة صالح دون منافس، ولأن خلاف عقيلة صالح مع حفتر سينتهي إذا استقام للأول الأمر ونجح حفتر في تخطي أزمته في الداخل والخارج، بالتالي يصبح سيناريو التحكم في القرار العسكري لحفتر محتمل جدا.

وأعود لأقول بأن الاتجاه للتسوية السياسية يواجه تحديات من أبرزها:

1 ـ عدم النضج، بمعنى الافتقار لقناعة حقيقية خاصة لدى الساسة والنخبة الفكرية والأعيان وغيرهم للحاجة للتوافق الذي معياره الحس الوطني الخالص والعدالة والموضوعية في التعامل مع كافة ملفات النزاع.

2 ـ استلاب الإرادة المحلية لصالح الخارج الذي يتحكم في خيوط الأزمة واتجاه التسوية بشكل مقلق حقا.

لذا فإن أي تسوية صحيحة وعادلة ينبغي أن تبدأ بعودة الإرادة الوطنية المستقلة، والقناعة الواسعة والصادقة بالحل السياسي السلمي، حيث لا غالب ولا مغلوب.

التعليقات (0)