قضايا وآراء

التهمة ناشط حقوقي

أسامة جاويش
1300x600
1300x600

في الثالث من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، استقبلت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في مكتبها في القاهرة سفراء ودبلوماسيين ممثلين عن خمس عشرة دولة أغلبها من دول الاتحاد الأوروبي، في جلسة معلنة نشرت المبادرة عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي صورا لهذه الجلسة وقالت إنها كانت لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في مصر.

على مدار الأيام الماضية يبدو أن نظام عبد الفتاح السيسي لم يعجبه هذا التحرك الحقوقي الذي جاء بعد أيام قليلة من إعلان فوز الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بشكل غير رسمي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، النظام العسكري في مصر شن حملة اعتقالات غير مسبوقة على قيادات المبادرة وقام باعتقال محمد بشير مدير المبادرة من منزله ثم اعتقل كريم عنارة مدير العدالة الجنائية في المبادرة أثناء قضائه إجازة في مدينة دهب ثم انتهى الأمر باعتقال المدير الإداري للمبادرة جاسر عبد الرازق وحبسه خمسة عشر يوما على ذمة التحقيق.

التهم التي وجهتها السلطات المصرية لقيادات المبادرة تنم عن جهل شديد بطبيعة عملها وتاريخها وحتى توجهات أعضائها، الانتماء لجماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة وتهم تتعلق بالإرهاب، لا يمكن أن توجه لنشطاء حقوقيين يعلمهم القاصي والداني داخل وخارج مصر ويعلم طبيعة العمل الذي يقومون به عبر سنوات منذ إنشاء المبادرة في عام ألفين واثنين بمبادرة من الصحفي المصري حسام بهجت، ولكن السيسي ونظامه لا يتعاملون مع الأمور لا بمنطق ولا بعقل.

كتبت هنا منذ أسبوعين عن "السيسي وبايدن وعشرين ألف كذبة" وقلت إن ملف حقوق الإنسان سيمثل ضغطا كبيرا على نظام السيسي إذا ما بدأ جو بايدن بالمطالبة باحترام حقوق الإنسان في مصر وفتح ملف المعتقلين السياسيين، وطالب النظام المصري باتخاذ إجراءات حقيقية في هذا الإطار. توقعت أن تبدأ المواجهة بعد أن يؤدي جو بايدن القسم في نهايات كانون الثاني (يناير) المقبل ولكن يبدو أن السيسي ونظامه لم يتمكنوا من السيطرة على رغبة القمع والتعطش المستمر لانتهاكات حقوق الإنسان فأقدموا على خطوة غير محسوبة المخاطر كهذه.

 

بات نظام السيسي بين المطرقة والسندان، فإما أن يستمر في هذه الحملة ويتخذ إجراء أكثر ضراوة وغباء في نفس التوقيت ضد حسام بهجت ورفاقه فيشعل بذلك الغضب الغربي ضده، وإما أن يطلق سراحهم على الفور ويستجيب لهذا الكم الهائل من الضغوط، ما يعني أن ملف حقوق الإنسان هو نقطة الضعف الجديدة لهذا النظام ويمكن أن يؤتى من خلالها في مقبل الأعوام.

 



عاصفة الانتقادات التي يواجهها النظام العسكري في مصر تعطينا مؤشرا عما يخفي المستقبل القريب لهذا النظام إذا ما استمر في التعامل مع ملف حقوق الإنسان بنفس الطريقة، بيانات من وزارات خارجية دول كبرى وانتقادات من سفراء الدول الأوروبية الذين حضروا اجتماع المبادرة في القاهرة، وانتقادات من الأمم المتحدة وأعضاء في الكونغرس الأمريكي ومتحدثين باسم حكومات غربية وبيانات من أكثر من خمسين منظمة حقوقية حول العالم، الجميع يرى ما حدث أمرا لا يمكن أن يمر مرور الكرام ولم يعد هناك مساحة للتغاضي عن الجرائم التي يقوم بها نظام السيسي، ولكن المتحدث باسم الرئاسة المصرية رد على بيان الخارجية الفرنسية وقال إن هذا تدخل خارجي في الشأن المصري ولن يسمح به.

تساؤلات كثيرة حول توقيت هذه الحملة المسعورة وما الهدف من ورائها، النظام المصري الذي هاجم بايدن في البداية وحذر من تصريحاته الهجومية ضد السيسي ومطالباته باحترام حقوق الإنسان في مصر، هو نفسه الإعلام الذي يبارك هذه الحملة الجنونية ضد الحقوقيين في مصر ويتهمهم بالإرهاب ودعم الإخوان المسلمين.. السيسي لا يفهم في السياسة كما قال قبل ذلك أنه ليس سياسيا، وهذه الحملة إن كان الغرض منها توجيه رسائل للنشطاء الحقوقيين داخل وخارج مصر بأنه لا مجال للانتقاد والتعبير عن الرأي حتى مع وجود بايدن كرئيس للولايات المتحدة، إلا أن تداعيات تلك الحملة ستكون قاسية على هذا النظام.

بات نظام السيسي بين المطرقة والسندان، فإما أن يستمر في هذه الحملة ويتخذ إجراء أكثر ضراوة وغباء في نفس التوقيت ضد حسام بهجت ورفاقه فيشعل بذلك الغضب الغربي ضده، وإما أن يطلق سراحهم على الفور ويستجيب لهذا الكم الهائل من الضغوط، ما يعني أن ملف حقوق الإنسان هو نقطة الضعف الجديدة لهذا النظام ويمكن أن يؤتى من خلالها في مقبل الأعوام.

في مصر التهمة الآن أنك ناشط حقوقي، تدافع عن حقوق الإنسان، ولا يعني النظام كثيرا انتماءك أو توجهك السياسي، فقط أنت تساهم في زيادة الضغط وتشويه الصورة التي يحاول السيسي أن يرسمها لنفسه، ولكن الحقيقة أن حقوق الإنسان في مصر ربما تكن هي الحلقة الأولى في رحيل هذا النظام العسكري عن السلطة في مصر.

التعليقات (1)
سيساوي جدع
الأحد، 22-11-2020 12:31 م
السيسي لا يهمه ترامبون ولا بايضون، السيسي يهمه الشعب المصري فقط، والقصور اللي بيبنيها للشعب المصري على البحر وفي العاصمة الجديدة وفي المنتجعات السياحية وعلى البحر الأحمر والأبيض والأزرق، لمصر طبعا