كتاب عربي 21

في مناهضة المثالية "الوطنجية" العربية

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
لا! ليسا نفس الشيء، عربيا بادين أفضل من ترامب، ومن السخف أن يسوق البعض أدلة على أن بادين أو كاميلا هاريس خطبا ود اللوبي الإسرائيلي. لم يفهم (أو يتظاهرون بعدم الفهم) هؤلاء أن المنظومة الأمريكية لا تحتمل عدم التساوق مع الطرف الإسرائيلي. لا تسمح "الإيستبليشمانت" (المؤسسة) بوجود رئيس موال لطروحات تحرير الأرض "من النهر إلى البحر".

العلاقات الدولية هي مسألة تتعلق بموازين القوى، وبالتاثيرات الطبقية، حتى في المدرسة الماركسية الأمر كذلك.

الأمر واضح بين: خسر المناهضون للديمقراطية في المجال العربي الذين راهنوا على أوتوقراطية ترامب الشعبوية ومنطق حكم "الرجال الأقوياء"؛ رهاناتهم الكبرى. تطبيع مذل مترافق مع استبداد مذل. بايدن حتى بالمنطق الشكلاني، لا يرى أولوية في فرض تطبيع خارج المقررات الأممية، ولا يرى شرق أوسط عبر حلف إسرائيلي-إماراتي- سعودي مناهض جذريا لإيران. سيتابع محاولة أوباما لإيجاد توافق استراتيجي مع إيران. وهذا التراجع الذي يمكن أن يبدو تفصيلا بلا أهمية لـ"الوطنجي" العربي هو السياسة، وكل الباقي تفاصيل واستتباعات.

في كل مرحلة تاريخية توجد قضية رئيسية وقضايا ثانوية. ذلك منطق التاريخ، وقانون التناقض المسير للتاريخ. في المعركة الاستراتيجية العربية الراهنة القضية الرئيسية واضحة: حماية جيوب المسار الديمقراطي، وحده التعبير الحر للشارع العربي قادر على حماية  الأمن القومي العربي. ليس من المصادفة أن المحور الراهن الدافع للتطبيع هو تحديدا الأكثر مناهضة لمسار الدمقرطة العربية.

إنه لمن المريع أن تستمع إلى خطاب من النوع التالي: "من أجل مناهضة التطبيع نحتاج أن نكون استبداديين"، أو "أن من الوطنية أن نتمسك باستبلاه الناس وتلقينهم بشكل مستمر أن أي محاولة لتمكينهم من حقهم في تقرير مصيرهم هي مجرد مؤامرة عربية ماسونية". ليس ذلك بوطنية، بل "وطنجية" بائسة وظيفية تخدم طرفا دوليا بمعزل عن المصالحة العربية العليا.

ماذا يريد "الوطنيون" العرب؟ أن نبقى تحت كلاكل رعب الحمقى والمعتوهين بعلويتهم الشخصية تحت عناوين أيديولوجية شتى، قومية أو إسلامية أو غيرهما؟! ألم ينتهب عنادهم إلى تبرير حالات مرضية من نوع "وطنية الأسد" الذي يحكم في عشر الأراضي السورية، مع التسليم في الباقي للمليشيات الشيعية والجيش الفيدرالي الروسي؟ هل من "الوطنية" أن نسلم ليبيا إلى المختل حفتر والذي لا يجب أن ننسى، ما دمنا نتحدث عن "الوطنية"، أنه بقي لعقود تحت حماية المخابرات الأمريكية في فرجينيا؟ هل من الوطنية أن يسلب حق الناس في التأثير على السياسة الخارجية بما في ذلك موضوع التطبيع، الأمر  الذي كان ممنوعا ومحرما زمن الأنظمة "الوطنجية"؟

ما هو التناقض الرئيسي؟ هو مسألة التأثير في القرار الشعبي العربي.. هو مدى قمع وطمس أي قدرة للتعبير الحر للشارع العربي، فعليا أو الكترونيا. وهنا أكبر المآسي، بربط هذا التعبير الحر بوجود الإسلام السياسي. من التحايل اعتبار الثورات العربية مجرد تعبير عن مرحلة صعود وزخم الإسلام السياسي.. أو اعتبار التقدمية والثورة مناهضة أصيلة ودائمة وعضوية للإسلام السياسي.

الاغتراب الأخطر بلا شك كان بوضوح الاستقطاب الهوياتي، اعتبار التناقض الرئيسي، إما تفوق الدولة الدينية أو الدولة المناهضة للإسلام السياسي. الأمر المؤكد الآن أن فشل ترامب في عهدة ثانية على رأس أكبر قوة دولية يعني عمليا عدم حصول المرتمين في حضن تحالف التطبيع الإسرائيلي في المنطقة على تفويض عربي متسع ومتزايد للادعاء بإنهاء الحق الفلسطيني.

ستبقى المثالية "الوطنجية" مثل طنين الذباب، لن تتوقف أو تتهاون، وستسعى دائما إلى ادعاء مسافة من التعصب والتطرف على أساس أن التطرف فقط سلفي متشددد، في حين يتم تناسي المتطرف والمتعصب الحداثي الفاشي. لا يجب أن نخجل من أولوية الديمقراطية لدى النخبة التونسية. المشكل ليس في التحديث أو الديمقراطية، بل في المعطلات المتواترة لذلك.

twitter.com/t_kahlaoui
التعليقات (0)