أفكَار

الاختلافات السياسية للصحابة.. مقاربة من منظور نفسي

قراءة علمية في سيرة الصحابة واجتهاداتهم السياسية (أرشيف)
قراءة علمية في سيرة الصحابة واجتهاداتهم السياسية (أرشيف)

يتحاشى علماء المسلمين ـ قديما وحديثا ـ مقاربة اختلافات الصحابة السياسية من زاوية قراءة أحداثها وتحليلها بمنظور التحليل النفسي للوقوف على الدوافع والأبعاد النفسية الكامنة وراءها، انطلاقا من تنزيه الصحابة عن الأغراض الدنيوية والأهواء النفسية بما ثبت لهم من عدالة وديانة تصونهم عن التلبس بشيء من ذلك.
 
وخلافا لما يمتنع عنه عامة علماء المسلمين، فإن كثيرا من الباحثين الغربيين يتوسلون بذلك في دراساتهم التاريخية، وأبحاثهم التحليلية، وقد تأثر بمنهجيتهم تلك بعض الباحثين العرب والمسلمين، حيث يجري التركيز على البواعث والدوافع النفسية المحركة لرجالات تلك المرحلة، ومما قيل استنادا إلى تلك المنهجية إن معاوية بن أبي سفيان كان معنيا بإعادة الملك إلى البيت الأموي بعد أن نُزع منه بسيف النبوة، وهو ما دفعه للعمل على استرداد الملك من جديد تحت راية الإسلام.

ووفقا لباحثين فإن إعمال منهجية التحليل النفسي في قراءة الأحداث والوقائع التاريخية المتعلقة بخلافات الصحابة السياسية، غالبا ما توصل إلى نتائج صادمة للعقل الأصولي، الذي يقرر ابتداء الكف عما شجر بين الصحابة من اختلاف، ووقع بينهم من قتال وحروب، مع إلحاحه الدائم على استحضار مقولة عمر بن عبد العزيز المشهورة "تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا، فلنعصم منها ألسنتنا" ما يجعله يخلص إلى أن ما وقع بينهم إنما هو اجتهاد، مع سلامة نواياهم.
 
وفي هذا الإطار بيّن الباحث الأردني عماد المصري، المتخصص في الدراسات والتحقيقات الحديثية أن "الجمهور أجمعوا على أن الصحابة عدول، فقد عدلهم الكتاب والسنة، لذا فإن العصمة ثابتة لهم حال اجتماعهم، لكنهم كفرادى ليس لأحدهم عصمة من الخطأ".
 
وأضاف في جوابه عن سؤال "هل يجوز لنا الخوض في ما وقع وجرى بين الصحابة؟": "إنّ ما نقله الجمهور عن الإمام أحمد من استشهاده بالآية الكريمة (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت..)، وبالمقولة المشهورة (تلك فتنة طهر الله سيوفنا منها فلنطهر ألسنتا منها) إنما يحمل على من يريد الانتقاص من الصحابة رضي الله عنهم".

 



وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "أما الذين كتبوا في الفتن والتواريخ كابن جرير الطبري، وقبله من فعل ذلك من المحدثين، إنما كان لبيان ما جرى بين الصحابة فلا شيء فيه، ولا مانع منه".

وذكر المصري أن ما جرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان من قتال في معركة صفين "لم يكن قتالا دينيا إنما كان قتالا سياسيا، يدور حول اختلافهم على من أيهم أحق بالخلافة"، مشيرا إلى أن "معاوية كان باغيا وهو ما اتفق عليه الجمهور" مستدلا بحديث عمار بن ياسر "تقتلك الفئة الباغية" وقد ثبت أن "جيش معاوية هو الذي قتل عمار بن ياسر".
 
واستدل المصري على أن "الخلاف كان سياسيا ولم يكن دينيا، بما وقع من الحسن بن علي حينما تنازل عن الملك لمعاوية سنة 60 هجرية، والذي سمي عام الجماعة، وكذلك حينما وقع الخلاف بين الحسين بن علي ويزيد بن معاوية فإن الحسين لم يحتج بأن الخلافة إرث ديني، وإنما كان يريدها شورى بين المسلمين" مؤكدا أن "كل ذلك لا ينقص من قدرهم، ولا يحط من مكانتهم، فهم في المحصلة بشر يجتهدون، فيصيبون ويخطئون".
 
ولفت إلى "أننا بحاجة إلى دراسة تتفهم طبيعة العصر الذي حدثت فيه تلك الخلافات، وتنطلق من اعتبار اختلافات الصحابة في قتالهم بعضهم لبعض إنما هي لأسباب سياسية وليس لأسباب دينية، وأن معاوية بغى على علي والجماعة، وأن الخطأ وقع من الفريقين في سفك الدماء، وهو ما كان يتوجب عليهم اجتنابه وعدم الوقوع فيه".
 
من جهته قال الكاتب والباحث المغربي، المختص في قضايا الفكر الإسلامي المعاصر والدراسات القرآنية، الدكتور صابر مولاي أحمد: "مقام الصحابة بكونهم عاصروا الرسول عليه الصلاة والسلام وعزروه ونصروه، وعاشوا لحظات نزول الوحي عليه، وبكونهم يعود لهم الفضل في حفظه وكتابته، فضلا عن الكثير مما تميزوا به من الفضائل، لا يتعارض على الإطلاق مع بشريتهم بكونهم يسري عليهم ما يسري على عموم الناس، من أنهم يخطئون ويصيبون".

 


 
وأردف لـ"عربي21": "فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر مؤيد بالوحي، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، فخاصية التأييد بالوحي هاته خاصية تخص الرسل والأنبياء لوحدهم فقط، وهي خاصية ترفعهم إلى مقام الحلق العظيم من حيث النظر والفعل والعمل والطموح"، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (العلق: 4).
  
وتابع: "بينما الصحابة مثلهم كباقي الناس يأخذ من كلامهم ويرد؛ ومن ثم ينبغي فهم تجربتهم التاريخية من خلال قراءتها تبعا لمحيطهم الثقافي والاجتماعي؛ ولا شك في أن القرآن الكريم سيعيننا كثيرا في قراءة تلك التجربة لكونه الكتاب المستوعب لجل الوقائع والأحداث زمن الرسالة المحمدية؛ التي ناصرها الذين آمنوا من الصحابة ووقف في طريقها المشركون وأهل الكتاب؛ الذين آمن جلهم بعد فتح مكة".

وأشار الكاتب والأكاديمي المغربي أحمد إلى أن "الكثير من الناس، مع الأسف ينظرون إلى الصحابة بنظرة أيديولوجية تبجيلية مبالغ فيها كثيرا، يستحيل معها النقد والتحليل والنظر؛ وفي مقابل النظرة التبجيلية هناك النظرة الأيديولوجية التبخيسية التي همها أن تكبر كل صغيرة تعود للصحابة بهدف الحط من قيمتهم".
 
وبيّن أن "هذه النظرة التي تقطع مع نفس (التبجيل والتبخيس) هي المعول عليها في استرجاع القيم الأخلاقية التي بعث الرسول من أجلها رحمة للعالمين، وستكون فيها لمختلف العلوم الإنسانية كلمتها إلى جانب القرآن الكريم، ليس كنص يُقرأ على منوال وطريقة المفسرين والفقهاء والمحدثين وغيرهم، ولكن كنص مفتوح على العالم والإنسان والطبيعة، بغاية أن يكون الإسلام تجربة روحية معاصرة".

وفي السياق ذاته أوضح الباحث السوري المتخصص في الحديث النبوي وعلومه، الدكتور عمار الحريري أنه "لا مانع من حيث المبدأ في استخدام منهجية التحليل النفسي في دراسة الأحداث التاريخية التي وقعت بين الصحابة، لا سيما أن الدراسات النفسية تطورت في عصرنا، وتم تفعيلها في الدراسات التاريخية" مشيرا إلى أنه "مهتم بها لتفعيلها في النقد الحديثي".

 



وردا على سؤال "عربي21" حول ثمرات إخضاع تلك الأحداث لمنهجية التحليل النفسي ومآلاتها، أكدّ الحريري أن "من الواجب تفعيل كل العلوم واستثمارها في نقد التراث طالما الغرض هو الوصول إلى الحقيقة" منبها على "وقوع مبالغات في مسألة عدالة الصحابة وتعديلهم على الإطلاق، والتي خالفت نصوصا قرآنية وأحاديث نبوية في ذلك". 

واستدرك: "لكن التحدي الأكبر يكمن في إيجاد مصادر ومراجع محايدة موثوقة تكشف الحقائق التي حصلت في عصر الصحابة، لتعكس لنا الدوافع النفسية لهم.. إذ من الصعب إيجاد مصدر حيادي خارجي يصف لك ما حدث من مواقف الصحابة ليتم إخضاعه ودراسته بمنهجية التحليل النفسي، وهو ما يجعل ذلك اللون من الدراسات قليل الجدوى" على حد تقديره.
  
وأكدّ أنه "يشجع ذلك اللون من البحث والدراسة، لكن المعضلة الحقيقية تكمن في المصادر والمراجع التي سيعتمد عليها الباحث" منبها إلى "أننا بحاجة إلى أبعاد جديدة في دراسة كل التاريخ الإسلامي مهما كانت النتائج للوصول إلى الحقائق، ضمن منهجيات بحثية علمية، ولا خصوصية لعصر الصحابة".

وتساءل في ختام حديثه: "لماذا نترك مجال تلك الدراسات للمستشرقين يصولون فيه ويجولون كما يحلو لهم، فيقودهم البحث إلى نتائج صادمة يقدمونها ويعرضونها بأدلة قوية، نقف عاجزين أمامها، وغالبا ما تكون أجوبتنا عنها ضعيفة؟".

التعليقات (2)
وليد الجلاصي
السبت، 31-10-2020 04:05 م
عندما تشعر بدوران حاول أن تغمض عينيك لتري كوكب لا يسكنه البشر وحين تفتحهما صوب سهمك إن أصبت الهدف فكلامك صواب وإن صار السهم خارج الهدف عليك بمراجعة نفسك
عبدالله احمد
السبت، 31-10-2020 03:04 م
اختلاف الصحابة نابع من تساوي المسلمين الذي هم بشر و لا يوجد في الاسلام لله اولاد مثل عقيدة الثالوث فالعقيدة الاسلامية قائمة على القرآن و السنة الصحيحة و ليست على افراد و نجد ان الرسول صل الله عليه و سلم لم يخلف اولاد كذلك استشهاد عم الرسول حمزة الذي كان مؤهل لوراثة الرسول لقربه و لشخصيته القوية و هذا ينسف نظرية الشيعة و حتى اختيار الخلفاء جاء علي في الاخر و الاقرب نسبا للرسول لان الاختيار كان على حسب الكفاية و ليس للنسب و قد راينا عم للرسول كافر فالاسلام يقوم على المنهج المنزل و ليس على اعتبارات بشرية.

خبر عاجل