كتاب عربي 21

الريف المصري يعود للتظاهر

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
شهدت العديد من القرى المصرية تظاهرات بمرحلة ما بعد تولى الجيش السلطة في تموز/ يوليو 2013، لكن القبضة الأمنية الغاشمة والتنكيل ببعض سكان تلك القرى واعتقالهم ومنع الخدمات عنهم أحيانا أدى لتوقف تلك التظاهرات، حتى كانت العودة المفاجئة للتظاهر في العشرين من أيلول/ سبتمبر 2020، كوسيلة لتجاوز تمركز آليات الشرطة بميادين المدن لمنع التظاهر. والأكثر إثارة هو استمرار تظاهرات الريف في العديد من المحافظات لمدة ست ليال متتالية، رغم قنابل الغاز وطلقات الشرطة.

وشهدت الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى صورة واقعية للمصريين البسطاء أصحاب الجلاليب، وغالبيتهم من الشباب والصبية، في تعبير واضح عن فشل إعلام السلطة في إقناعهم أو تخويفهم. ولم تكن دعوة أحد المقاولين المصريين في الخارج لدعوتهم للنزول وحدها وراء إستمرار خروجهم للتظاهر، وهم يسمعون عن القبض على أطفال وشباب في أماكن مختلفة، لكن ظروف الحياة القاسية كانت الدافع الأكبر للتظاهر.

فقد تم منع تراخيص البناء لمدة ستة أشهر، وهو النشاط الذي يعمل فيه حوالي خمسة ملايين شخص خاصة من جنوب مصر، والذين ينزحون من محافظاتهم للعمل بعواصم المحافظات والوجه البحري، وينتظرون في الميادين منذ الصباح الباكر لفرصة عمل مؤقتة، ليقوموا بإرسال حصيلتها إلى أسرهم بمحافظات الصعيد، الذي أقرت بيانات جهاز الإحصاء الرسمية أنه الأكثر فقرا بين المناطق المصرية.

نسب فقر عالية بجنوب البلاد

فنسبة 67 في المئة من سكان محافظة أسيوط يعيشون تحت خط الفقر البالغ 736 جنيها شهريا، وهو حد غير واقعى في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وبما يشير إلى أن نسبة الفقر الحقيقية أعلى من النسبة المذكورة، والتي تخص العام المالي 2017 /2018، والتي أشارت لبلوغ نسبة الفقر في محافظة سوهاج بجنوب البلاد 60 في المئة، وفي الأقصر والمنيا جنوب البلاد 55 في المئة.

وهي نسب أقر مسؤولون بأنه تم تحسينها مرتين بعد اعتراض جهات سيادية على نسب الفقر التي أراد جهاز الإحصاء إعلانها في البداية، والتي تكشف عدم نجاح المشروعات القومية في تحسين أحوال المصريين، مما أخّر إعلان نتائج نسب الفقر عدة شهور، ثم جاءت ظروف الركود في الأسواق ثم تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد لتزيد من نسب البطالة والفقر.

ورغم ذلك استمر النظام الحاكم في رفع الأسعار، حتى أصبحت فاتورة الكهرباء أو مياه الشرب أو الغاز الطبيعي مرهقة لغالبية الأسر، كما زادت أسعار المواصلات العامة، وأغلقت تداعيات كورونا والحرب الأهلية الليبية واليمنية باب الخروج للدول العربية، بحثا عن فرصة عمل، خاصة في مجال المعمار الذي يتطلب قوة جسمانية يتميز بها أهل الصعيد، الذين تأقلموا على شظف العيش ودرجة الحرارة المرتفعة.

ولم يكن النظام الحاكم ذكيا كالعادة، حيث أضاف إلى صعوبة تكاليف الحياة عددا من العوامل التي زادت الظروف المعيشية قسوة، بداية من التهديد بهدم المنازل المخالفة لشروط التنظيم الهندسي، وهو التنظيم الغائب أساسا عن غالب بيوت الريف، ومطالبة الناس بدفع مبالغ للتصالح مع الجهات الحكومية؛ يعجزون عن الوفاء بها حتى بعد تخفيضها نسبيا.

وحتى حين ذكرت الحكومة أنها خفضت قيمة التصالح في الريف إلى 50 جنيها للمتر، فإن ذلك قد اقتصر على البناء السكني، في حين ظلت رسوم التصالح للبناء للأغراض الأخرى مرتفع، حيث بلغت قيمة التصالح للمتر التجاري بقرى محافظة القليوبية 180 جنيها، وللمتر الإدارى 90 جنيها، وللأغراض الأخرى 225 جنيها.

الاستمرار في رفع أسعار الخدمات الحكومية

وفي محافظة الأقصر جنوب البلاد، اقتصر الخفض في القرى على البناء على الغرض السكني فقط، وكذلك الخفض لقيمة التصالح في المدن والبالغ نسبته 20 في المئة للاستخدام السكني فقط، وبقاء قيمة التصالح التي تم إعلانها في المحافظة في كانون الثاني/ يناير الماضي للأغراض الأخرى كما هي.

كما استمر النظام الحاكم في رفع أسعار الخدمات حين فرض رسوما على كراتين الركاب المحمولة بقطارات السكة الحديد، التي تمثل غالب استخدام محافظات الجنوب للسفر للوجه البحري، لتتراوح القيمة بين 12 جنيها وحتى 140 جنيها للكرتونة الواحدة، حسب الوزن ومسافة رحلة القطار، كما ألغت وزارة التضامن الاجتماعى استمارتي السفر السنوية بالسكة الحديد لأصحاب المعاشات في الوجه القبلي الذين كانوا يعملون في الحكومة.

كذلك قيام وزارة التعليم برفع الرسوم المدرسية لكافة المراحل التعليمية لحوالي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في العام الماضي، رغم إعلانها أن الدراسة ستكون ليومين فقط أسبوعيا خلال العام الدراسي القادم. كما جاء قرار تعاقد الحكومة في الخامس من أيلول/ سبتمبر الحالي، مع الشركة المصرية للتعدين واستغلال المحاجر والملاحات التابعة للجيش لمدة ثلاثين عاما، كإجراء ضار بشركات المحاجر التي تنتشر في الصعيد وبعمالها، والتي تعاني من ضعف النشاط أساسا منذ شهور بسبب وقف البناء لمدة ستة أشهر.

لكل تلك الأسباب وغيرها من سماعهم لهدم النظام الحاكم للعديد من المساجد بحجة إقامتها على أرض الدولة، بينما تركت منشآت تابعة لوزارة الداخلية ارتكبت نفس المخالفة، ومشاهدتهم عمليات إزالة البيوت في المحافظات الأخرى في الفضائيات، وتهديد رأس النظام لهم بالاستعانة بالجيش لهدم البيوت المخالفة بالقرى بعد استيراد المعدات اللازمة للهدم.

مظاهرات البسطاء رغم قانون الطوارئ

ولهذا لم يكترث سكان الريف وبعض المناطق الشعبية بأن هناك قانونا صدر عام 2013 يمنع التظاهر، وما به من عقوبات تتراوح بين السجن والحبس والغرامة التي تبدأ بخمسة آلاف جنيه وحتى 30 ألف جنيه.

كذلك لم يكترثوا بأن هناك قانون طوارئ سار في البلاد منذ نيسان/ أبريل 2017 ويتم تجديد العمل به كل ثلاثة أشهر، تقوم النيابة العامة بمقتضاه بتحويل جرائم التظاهر وتعطيل المواصلات إلى محاكم أمن الدولة طوارئ.

ويظل السؤال الجوهري: إلى أين ستسير الأمور خلال الأسابيع القادمة؟ حيث أن تظاهرات العشرين من أيلول/ سبتمبر 2019 قد أعقبتها حملة اعتقالات ضخمة، وفي نفس الوقت تأجيل الحكومة لعدد من قرارات الجبابة وفرض رسوم جديدة وقتها، إلى أن هدأت الأمور فعادت إلى مسلكها المعتاد في رفع أسعار الخدمات والرسوم الضريبية بكثافة، وهو سيناريو متوقع خلال الفترة الحالية من تهدئة النظام الأمور مع الشارع الذي يغلي مؤقتا، لحين تهدئة الأمور للعودة إلى سياسة الجباية ورفع أسعار الخدمات الحكومية.

لكن المعارضين هذه المرة ليسوا من النشطاء أو السياسيين، ولكن من البسطاء الذين ليس لديهم ما يخشون ضياعه، وفي مناطق عدة بمحافظات الصعيد الذي يعج بالسلاح كعادة متوارثة بحيث لا يخلو بيت من السلاح، مما يحتاج إلى ذكاء وحكمة في التعامل مع أفراده الذين تنتشر بينهم عادة الثأر ولو بعد سنوات.

فلن ينسى كبار ضباط الشرطة طبيعة شخصية الصعيدي، الذي كان يتم إحضار أمه أو زوجته أو أخته إلى قسم الشرطة في فترة مبارك كوسيلة لإجباره على تسليم نفسه، حيث يظل يتربص بضابط الشرطة الذي تسبب في تلك الإهانة له لسنوات، حتى ينتقم لشرفه منه في أي مكان انتقل للعمل فيه مهما علت رتبته الشرطية.

وهذا يشير إلى أن المشهد أصبح أكثر سخونة في الداخل المصري، وأنه مرشح في الفترة الحالية للاستمرار في قطع حالة السكون، التي كان عليها خلال الشهور الاثني عشر الماضية. ويكفي للدلالة على ذلك التغير الذي اعترف به إعلام النظام مضطرا. والتحرك العفوى من هؤلاء البسطاء قد دفع المصريين في الخارج بالعديد من العواصم الأوروبية إلى العودة للتظاهر ضد النظام المصري الحاكم، لتذكير الرأي العام في تلك الدول بما يرتكبه النظام الحاكم من بطش وتكميم للأفواه تسكت عنه سلطات بلادهم.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الإثنين، 28-09-2020 11:05 ص
... موجة التظاهرات الحالية قد بدأت في الاندلاع في مدن وقرى مهمشة، رغم أن منها ما يقع في نطاق محافظات القاهرة الكبرى، وينتقل منها وإليها كل يوم عشرات الآلاف للقاهرة، وقد صدم كثير من أبناء الطبقة الوسطى والطبقة المترفة بمظاهر الفقر فيها، رغم أن بعضها تعتبر مراكز إدارية وحضرية كالعياط واطفيح والحوامدية والبدرشين، وتلك المناطق يمتهن سكانها أنشطة صناعية وتجارية وخدمية وليست زراعية فقط، وهي مثال للمناطق الفقيرة التي يعاني سكانها من الإهمال، والتي يعيش فيها 90% من الشعب المصري، ولكن إعلام الانقلابي لا يركز إلا على الأحياء الفاخرة والمناطق السياحية وقصوره ومشروعات ومدن أحلامه بطرقها وكباريها ومواصلاتها، التي يمولها بما ينهبه من الشعب، للترويج لإنجازاته الوهمية المدعاة، وحكومة السيسي الانقلابية قد جاوزت المدى في إهمال الطبقات الشعبية من أبناء تلك المناطق، بل وفي ظل التضخم والوباء ضاعف أضعافاً أسعار الكهرباء والمياه والغاز والسولار والمواصلات، وأسعار المواد التموينية الأساسية كالخبز والأرز والزيت والسكر والدقيق التي يقتاتون عليها، كما زاد ضريبة القيمة المضافة 40% ووسع نطاق فرضها لتشمل كثيراُ من السلع والخدمات الأساسية، بدعوى ما يسميه إصلاح اقتصادي، وهو في حقيقته تخريب لاقتصاد مصر، وانتهت اطماع المسخ الدجال الانقلابي بطرد الفقراء من أراضيهم التي يعيشون عليها ليبيعها للأجانب، ثم فرض إتاوات باهظة على مساكنهم البسيطة التي بنوها على أراضيهم من عرقهم، وكما صرح فقد أعد العدة ليجعل جيشه بمعداته ينزل لإبادتهم، وهي الكلمة التي نطقها بلسانه مظهراً ما في نفسه الخبيثة من حقد وغل على المصريين، وذلك بعد أن دمر شمال سيناء و هجر وأباد أهلها فعلاُ وليس مجازاً، إرضاء لليهود الذين تحالف معهم، وتنازل لهم عن السيادة على المسجد الأقصى، ووصل به الأمر إلى إيقاف أعمال البناء في ريف مصر ومدنها بالقوة، وهي الأعمال التي يرتزق منها الملايين من أبناءها، وامتدت اطماعه إلى المحاجر ليستولى عليها، بما لا يدع مجالآ للشك أن الدجال الانقلابي أضحى مسخاً يغرق مصر في الديون التي يبددها، ليرهنها للأجانب، ويفقر شعب مصر عمداُ لأسباب خبيثة في نفسه ولصالح من يحركوه من أعدائها، وأنه ينحدر بنفسه وبمن دعموه وأيدوه إلى هوة لا رجعة منها، وبعد أن حاول تغيير عقيدتهم وتغيير هويتهم، فإن شعب مصر الحقيقي قد أدرك حقيقة دجله وخبث نفسه، وأضحى قاب قوسين أو أدنى من انفجار موجة ثورته الفعلية، وسيكون معه جيش مصر الحقيقي وشرطتها، من المجندين بنظام السخرة، ثأراُ لأهاليهم الذين قتل منهم الدجال الآلاف، وسيرى الذين أيدوه مآلهم الأسود قريباُ على ما اقترفت أيديهم.