كتاب عربي 21

الثورة.. أمل الضعفاء في مواجهة أنظمة الخيانة

جمال الجمل
1300x600
1300x600
(1) هل هذا قدرنا؟

هناك من يروج بأن السعي للتغيير صار محاولة انتحارية تعصبية ميؤوس منها، وأن العقل يقتضي الاستسلام للقوة المهيمنة على البلاد، والقبول بسياسات الإفقار والتبعية وطحن المواطنين وإجبارهم على الصبر، فموازين القوة ليست في صالح الشعب، وليست في صالح أي حزب معارض أو تيارات سياسية.

هذا يعني أن الخيار الذي يفرضه الواقع الحالي هو خيار الصمت أو الموت. لكن هذه الآراء الانهزامية هي أخطر سلاح يضرب أمل الثورة في مقتل، ويبعد الناس عن حقهم المشروع في حياة كريمة مصانة بالعدل والحرية.

(2) كيف تنجح ثورة الضعفاء في هزيمة نظام بهذا التوحش؟

هناك حلول كثيرة، وأشكال كثيرة للثورة، تتلاءم مع ظروف وأحوال كل شعب، وتستفيد من المكتسبات العلمية والدولية، لكننا نحاصر الثورة دائما في نموذج "الثورة الفرنسية" أو إصدارتها الأحدث في الثورة الإيرانية، أو نراهن على ضمير الجيش كما حدث في ثورة القرنفل بالبرتغال، أو نربط بين الثورة والحرب كما في بلدان كثيرة؛ أدت فيها صراعات السلاح إلى تأسيس نموذج سياسي يتبنى التسامح والتعايش بدلا من العبودية والاستغلال، كما حدث بعد الحرب الأهلية الأمريكية التي انبثقت فيها رغبة التعايش من مآسي الهلاك والعبودية.

ويحضرني الآن النموذج البريطاني، الذي أنجز ثورة مذهلة، كانت أول من حمل اسم "الثورة المجيدة" على الرغم من عدم تغييرها شكل النظام الملكي، ولا الإطاحة بالحاكم، فقد ركزت على تغيير مفاهيم وسلطات الحكم، عن طريق وثيقة مطالب وحقوق (ماجنا كارتا) أنزلت الملك من السماء، وانتزعت قداسته وصلاحياته لصالح مؤسسات وحقوق انتهت بنظام دستوري مؤسساتي متكامل.

(3) ما هي الثورة الممكنة؟

الثورة الممكنة "ثورة عقل وفعل"، وليست مشروعا سلطويا لاستبدال حاكم بحاكم، أو إعطاء مبرر للبندقية لكي تخرس الكلام وتجهض الأحلام، وإطلاق العضلات في الشوارع وأقسام الشرطة والفضائيات لكي تُخضع العقل وتخنق الأمل..

أدعو إلى ثورة بسيطة وغير خطرة، تُحرج اللصوص والجواسيس المتسترين خلف شعار "تحيا مصر"، والذين يبيعون الوطن تحت لافتة الدفاع عن الوطن.. والثورة التي أثق في تحقيقها ليست خرافة ولا اختراعا جديدا لم يحدث من قبل، لكنها ثورة معايير معمول بها في بلاد كثيرة.. ما هو الحاكم "الكويس"؟ وما هو المواطن؟.. ماذا له من حقوق؟ وماذا عليه من واجبات؟ ومن هو الفاسد؟.. ومن يثبت أنه فاسد؟ وكيف نضمن محاكمة الفاسدين ومنتهكي الدستور والقوانين؟.. و.. و..

وإذا اتفقنا على ذلك كله بالكلام، تبقى المشكلة العملية الكبرى: كيف ننفذه، ما دامت الأمور في يد سلطة تستخدم كل شيء لتبرير أفعالها، فتنتهك الدستور باسم الأمن، وتدجن سلطات الرقابة والتشريع لتجعلها أداة لها لا عليها، وتستخدم الأمن لصالح الحاكم ضد المحكوم... إلخ؟

(4) قوى الثورة

كل فرد وقوة وطنية تسعى لتحديث الحياة في مصر، فالثورة لن تنجح بما نحن عليه الآن من مفاهيم وأساليب.. كلنا نحتاج إلى مراجعات شفافة ومخلصة، لا مكان فيها للمكابرة أو ادعاء العصمة والحق، وهو ادعاء يكذبه حالنا المؤسف الغارق في الضعف والهزيمة.

لكنني أستبق ذلك التفصيل بخطوة إجرائية عملية أنادي فيها كل مواطن، وكل القوى الوطنية بلا استثناء، ومن رضي عنه ربه من رجال الأعمال الوطنيين، وما تبقى من مؤسسات الإعلام المستقل، وأطالبهم بالاصطفاف لتأسيس سلطة شعبية تمتلك مع الوقت قدرة هائلة للضغط على أي نظام.

(5) الملامج التنظيمية العامة

أوجّه هذا النداء بصفتي "مواطنا فردا" يدعو لضرورة بناء "قوة مواطنة" لا تهدف للحكم بنفسها، بل تشكل مرجعية دستورية، وقوة مراقبة، ومؤسسة محاسبة لأي حاكم، وتكون بمثابة سكرتارية للقوى والأفراد الذين يرغبون في ممارسة حقهم المشروع في إدارة البلاد.

فالحكم يجب أن يكون بالتداول الحقيقي وليس "الاسمي".. يعني لا تجريم لكل محاولات السعي إلى الحكم بأي وسيلة لا تهدد أمن وحريات المواطنين، وبصرف النظر عن أن هذه الوسيلة مرخصة قانوناً أم لا، ما دامت لا تتعارض مع روح الدستور والقانون. فالأصل هو حرية المواطن في بلده، والقانون ليس إلا قواعد للتنظيم، وليس عصا أو قيد تستخدمها فئات تحتكر القانون لتمكين نفوذها وتحتقره إذا داست عليه..

وهذا يعني تفكيك دولة الأمن التي تسيء استخدام القانون، فلا اعتقال باشتباه، ولا منع من السفر بلا حكم قضائي نهائي على جريمة ثابتة، ولا حبس احتياطيا مفتوح المدة، ولا تقارير أمنية توقف مصالح الناس.. من لديه تقرير أمني يرفعه للمحاكم، إما يأخذ به حكم، أو سيبحث عن وسيلة أخرى بالقانون.

(6) ما الجديد هذه المرة؟

الجديد أن يتحول الكلام إلى فعل، والجديد أن أول من يفعل يطمئن الناس بأنه لا يتحرك من أجل غرض شخصي يتمثل في الحصول على سلطة، أو خوض الانتخابات.

ولما كان مشروعي السياسي يقوم على هدف وحيد وهو أنني مواطن، وليست لدي رغبة ولا نية في تجاوز هذا الدور، فسوف أبدأ حملة تواصل ونقاش تشمل كل الأحزاب والقوى الفاعلة والأفراد، وكل قوة توافق على الطرح ترشح عنصرا منها ضمن سكرتارية "قوة المواطنة"، مع توضيح أن كل من يدخل هذه السكرتارية لا يحق له الترشح في منصب سياسي، ولا يقبل التعيين في وزارات، بحيث يبدو واضحا أن قوة المواطنة تتبنى المرشحين والمشروعات السياسية في إطار تنظيمي جماعي بالتوافق، لا يختلط فيه الكادر السياسي الساعي للسلطة، مع سلطة الضمير الوطني الحاضنة والمنظمة.

(7) ملاحظات عامة

* أي سلطة حكم ننشدها تدير ولا تملك. هذه هي بداية الطريق لتشكيل دولة المؤسسات، بدلا من سلطنة العزب والإقطاعيات التي أكلت لحم المصريين طوال قرون من المذلة والاستعباد.

* لا توجد أي شروط للانضمام، يسار.. يمين.. إخوان.. رجال أعمال... بيروقراطية.. السيسي ذات نفسه، اللهم إلا الالتزام (كلام رجالة مش خداع) بدولة مواطنة عصرية تحتكم إلى المبادئ العامة في أي من الدساتير المصرية في النظام الجمهوري.

وكلمة المبادئ العامة، تعني عدم الدخول في تفصيلات ذات توجه حزبي، وتقترب من التزام القيم الإنسانية في كل دساتير العالم تقريبا، عن الحرية والمساواة واحترام الإنسان والأديان، وتكافؤ الفرص بين المواطنين وخضوعهم بنفس المعايير لقواعد واضحة تطبق على الجميع دون استثناء، في ظل قضاء مستقل، وإعلام بلا وصاية.

* التفاصيل كثيرة، وكل نقطة فيها تحتاج إلى شرح ونقاش. مثلا ضمانات عدم اختراق الأمن وذئاب الصراع على السلطة لقوة المواطنة، ومثلاً فكرة الإخلاص لقوة المواطنة دون تعارض مع المشاريع الحزبية والسياسية. وهذا قد يقتضي مراجعات فكرية حقيقية للإخوان وللسلفيين ولكثير من الأحزاب القائمة، لحل هذا التصادم بين فكرة الوطن وأهداف الحزب أو الجماعة.. ومثلا كيفية تحقيق التوازن في الخلل الإعلامي الذي تتعمد الدولة التفوق فيه لاحتكار وتعميم صوتها والتعتيم على الأصوات المخالفة، وكيفية استنهاض القضاء وإعادته إلى استقلاليته بدون تبعية للسلطة التنفيذية، والحال كذلك للبرلمان كسلطة شعبية تحتاج إلى رد اعتبارها وتصحيح دورها.

وهذه أمور مهمة جدا، ينبغي أن تبدأ من داخل المؤسسات ذاتها، وهذا يقتضي توضيح الحدود القانونية في الفارق بين العمل السياسي والعمل الوطني، حتى لا يتم استهداف أي صوت وطني بحجة خروجه عن القواعد والقوانين.

* حتى لا يصيبنا الإحباط يجب أن نفرق قبل البداية بين اللاعبين والمشجعين. فالممارسات السياسية الرديئة أفسدت مفهوم الناخب، وخلقت كتلاً ضخمة من الأنصار التي تتفاعل بمفهوم "الألتراس" الذي لا يشارك في اللعبة، لكنه يؤثر فيها من الخارج، ويشكل جماعة ضغط، قد تشكل انتهاكا للقواعد وللقوانين إذا لم تكن على مزاجه.

وخطورة الأنصار أنهم في الغالب كتل غير عاقلة، وغير فاعلة إلا في الضجيج والفوضى والمشاجرات، وبث الحماس لمن معهم والذعر لمن ضدهم، وبالتالي فإننا في هذه القوة ننشد اللاعبين أولاً، ثم نسعى للتأثير في تصحيح وبناء وعي الأنصار.

وأهم ما يمكن قوله لمواجهة الإحباط هو أن الإخلاص والاستمرار هما خير ضمانة لبلوغ الهدف في بناء قوة شعبية قادرة على تحويل الرئيس (أي رئيس) من "طوطم مقدس" إلى "مدير بأجر"، تتم محاسبته على نتائج عمله، وإقالته إذا لم يحقق المستهدف في جدول زمني معلن.

* قد تبدو الفكرة مثالية وصعبة، لكنها ممكنة بالأمل والعمل. مجرد محاولة جديدة، فاليأس أكثر خطورة من العقل الانهزامي والحسابات الواقعية. فالنظام العربي ينزلق بسرعة مخيفة من خطأ الفساد إلى خطيئة الخيانة العلنية، ولا بد من التحرك الشعبي حتى لا تلتحق الشعوب بخطايا الأنظمة.

[email protected]
التعليقات (2)
محمد احمد
الأحد، 27-09-2020 10:19 ص
استاذ جمال اوافقك على هذا الاقتراح الجميل الذى ينقلنا من حالة الياس والسلبية الى حالة ايجابية فاعلة - تستطيع ان تتجنب العمل السياسى وتظهر انها زاهدة فى السلطة والكراسى والمناصب - لكنها مهمومة ومشغولة بالحفاظ لى الوطن من سطوة وجموح الفاسدين - وتحتاج هذه الجبهة الى رموز وطنية اصيلة وتيار شعبى واعى - فلابد من تبنى مجموعة رموز وطنية من الداخل لازال لديها امل فى انقاذ هذا البلد المسكين
مش مهم
الأربعاء، 09-09-2020 10:33 ص
كلام جميل ولكنه قفز علي الواقع. لم ينه سلطة الممالليك القدامي سلطه المواطنه ولكن أنهتها القوه , قوة محمد علي . لا يفل الحديد إلا الحديد.