صحافة دولية

NYT: هكذا قضت الهند على صوت المعتدلين في كشمير

لا يزال 400 من السياسيين المعتدلين في كشمير قيد الاعتقال- جيتي
لا يزال 400 من السياسيين المعتدلين في كشمير قيد الاعتقال- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا ترجمته "عربي21" يظهر التغييرات التي طرأت على التيار المعتدل في إقليم جامو كشمير، بعد قرار السلطات الهندية إلغاء الحكم الذاتي في الإقليم.

وتناول التقرير نماذج لهؤلاء المعتدلين الذين باتوا يشعرون بخيانة الهند لهم، وأحدهم هو لطيف شاه الذي غامر بحياته على مدى عقدين في محاولة لإحلال السلام في كشمير ذات الغالبية المسلمة والتي رزحت طويلا تحت حكم الهند.

ونظم شاه تجمعات وشجع الكشميريين على انتخاب أحزاب لا تريد الحرب مع الهند، وتقبل بدلا من ذلك درجة من السلطة الهندية. حتى أنه تلقى خمس رصاصات بسبب هذا النشاط، ونجا بالكاد من محاولة اغتيال العام الماضي قام بها الانفصاليون الكشميريون الذين نظروا إليه كخائن.


والآن بعد أقل من عام من إلغاء الهند لوضع كشمير الخاص وإنهائها سنوات من السياسات التي أعطت الكشميريين حكما ذاتيا محدودا، أصبح شاه من بين مجموعة من السياسيين المعتدلين الذين يشعرون أنه غُرر بهم وخيبت آمالهم وحرموا من حقوقهم.


وعلى مدى سنوات، سعى هو وغيره لسبيل وسط يجلب الاستقرار إلى أحد أكثر مناطق آسيا تقلبا. واليوم لا يدري شاه إن كان العمل الذي قضى فيه عمره مجرد مضيعة للوقت.

ويقول شاه: "كنا نقول للعالم إن كشمير تعود للهند.. وبعد ذلك سحقنا تحت بساطيرها".

 

اقرأ أيضا: حظر تجوال بعاصمة كشمير تزامنا مع ذكرى إلغاء الحكم الذاتي

وقامت الهند بوضع كشمير التي تجاورها باكستان تحت سيطرتها قبل عام عندما جردت المنطقة من وضعها الخاص كمنطقة حكم ذاتي محدود. وبرر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ذلك بالقول إن وضع كشمير عطل التقدم وشجع الانفصالية.


وبدلا من ذلك يبدو أن تحرك مودي قوض طبقة السياسيين المعتدلين المتعاطفين مع الدولة الهندية والذين كانوا أهدافا للمقاتلين الكشميريين. ويقول الخبراء إنه بدونهم ستجد الحكومة الهندية صعوبة في جلب السلام والاستقرار للمنطقة.


ومن بين عشرات الزعماء السياسيين المعتدلين وآلاف الكشميريين الآخرين الذين تم اعتقالهم خلال أب/ أغسطس الماضي، هناك أكثر من 400 لا يزالون في السجن. وحتى يطلق سراحهم اضطر البعض إلى دفع كفالة وتوقيع تعهد بعدم "التعليق أو التصريح أو إلقاء كلمة عامة"، بحسب وثائق اطلعت عليها نيويورك تايمز.


ويقول رجال ونساء عملوا مع الحكومة سابقا بأن كشمير تدار اليوم مثل أراض محتلة من ضباط الشرطة والموظفين الحكوميين، ومعظمهم ليسوا كشميريين. وفي اجتماع في نيسان/ أبريل تم عقده لمناقشة مشارع تطويرية، كان من بين 19 مسؤولا مسلما واحد فقط من كشمير.

وقال سومانترا بوس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الاقتصاد بلندن: "عن طريق التخلص بوحشية من الوسطاء المعتدلين أضعفت الحكومة بشكل كبير القبضة الهندية المتزعزعة أصلا في كشمير".


وتركت المنطقة محبطة بسبب إحكام قبضة الحكومة الهندية عليها. وتوقف الاستثمار الخارجي تماما بحسب غرفة التجارة الكشميرية. ولا تزال العديد من المتاجر مغلقة والجنود في الشوارع.


وعادت الاستحكامات العسكرية التي أزيلت قبل سنوات. وعلى طريق سريع يهدف منه ربط المنطقة مع بقية البلد، يصبح مرور القوافل العسكرية مقدما حتى على سيارات الإسعاف. ويتم إيقاف الكشميريين وقد يستمر التعطيل ساعات.


وكانت ولاية جامو وكشمير والتي تشمل وادي كشمير الهائج تشكل الولاية الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة. وعلى مدى عقود كانت رمزا لالتزام الهند بالعلمانية. ولكن مع استمرار زحف القومية الهندوسية في الهند أصبحت مثل هذه الشعارات تحت الهجوم.


ويعتبر الكثير من الطبقة السياسية في كشمير واقعيين. فقد لا يحبون أن يكونوا تحت سيطرة الهند، ولكنهم يقبلون أنه لن يكون بإمكانهم طرد الجيش الهندي، الذي ينشر مئات آلاف الجنود في كشمير، أو أن ينفصلوا عن الهند ويقيموا دولتهم الخاصة بهم كما يحلم بعض الكشميريين وخاصة التنظيمات المسلحة.

ويشعر المعتدلون بأن أفضل طريق هو السلام مع الحكومة الهندية وأن يكونوا جسرا بين الهند وباكستان التي تنازع الهند أيضا على كشمير.


أما الكشميريون الآخرون وخاصة التنظيمات المسلحة فتنظر إلى هؤلاء السياسيين والناشطين الحزبيين على أنهم تهديد. ويقول الناشطون الحقوقيون إنه قتل أكثر من سبعة آلاف سياسي معتدل من بداية التسعينات.


ويقول المعتدلون الآن إن قضيتهم لم تعد تستحق الجهد.


وفي مقابلة مع نيويورك تايمز قال أكثر من 20 سياسيا كشميريا بمن فيهم ستة وزراء سابقين بأن تحرك حكومة مودي نفر السكان المحليين بإشعارهم بأنهم مجرد متفرجين لا علاقة لهم بمستقبل كشمير.


أحد هؤلاء هو فاروق عبد الله، رئيس وزراء الولاية سابقا والذي بقي تحت الإقامة الجبرية لأشهر، قال إنه عومل بعدم احترام وكأنه كان إرهابيا.


وقال ياسر ريشي، عضو سابق في المجلس التشريعي الكشميري، إنه إن قررت السلطات إجراء انتخابات في المستقبل فقد لا يشارك المعتدلون فيها.


وقال ريشي، الذي سجنته السلطات الهندية: "لمَ تشارك في انتخابات وأنت تعلم أنه حتى بعد الفوز فيها يمكن أن تلقى في السجن؟.. لقد كنا مجرد دمى..  نقول ما تسمح لنا نيودلهي بقوله فقط".


وقال ريشي إنه في بيوتهم يسخر أفراد العائلة منهم لأن سلطات البلد التي دعموها سجنتهم. وخارج البيت يذكرهم الكشميريون العاديون بأن الهند لم تكن أبدا موثوقة.


وتستمر الهجمات المسلحة، فقد قتل أكثر من عشرة معتدلين وغيرهم من القادة المحليين في الأشهر الأخيرة بحسب الشرطة. وفر العشرات إلى استراحات جبلية. وكثير منهم استقالوا من الأحزاب السياسية.


ويبدو أن فيروس كورونا ساعد الحكومة في حربها ضد التنظيمات المسلحة. ففي الماضي عندما كانت القوات تحاصر المقاتلين كان المدنيون يخرجون إلى الشوارع حيث يغلقون مناطق كاملة ويضعون أنفسهم بين الجيش الهندي والمقاتلين. ولكن الإغلاق الآن أبقى الناس في بيوتهم تاركا المقاتلين دون دعم صديق يقوم بالدفاع عنهم.


ومنذ أن تم إلغاء الحكم الذاتي المحدود للولاية العام الماضي قامت القوات الهندية بقتل 155 مقاتلا في 71 اشتباكا مسلحا بحسب الشرطة.


وبدأت السلطات بالتركيز على الكشميريين الذين يحتجون على مواقع التواصل الاجتماعي.


وقال بعض مستخدمي مواقع التواصل بأنهم اعتقلوا بسبب التعبير عن وجهات نظرهم. وتم استدعاء ما لا يقل عن ستة مراسلين كشميريين للاستجواب، بينما اعتقل اثنان منهم لفترة وجيزة بموجب قوانين مكافحة الإرهاب.


ووصف نعيم أخطر البالغ من العمر 68 عاما والذي كان وزيرا للتعليم في الولاية وسجن لمدة عام تقريبا كيف كان الشرطة المحليون الذين كانوا سابقا يؤدون له التحية يقومون بتفتيش زنزانته لإهانته فقط.


وقال أخطر الذي أطلق سراحه في حزيران/ يونيو إن معنوياته وصلت إلى الحضيض عندما أحضر له ابنه وحفيدته ملابس مهترئة عندما كان في السجن. وبقيت حفيدته تسأل لماذا هو في السجن ولم يجد جوابا.


وقال أخطر: "تلك الأسئلة البريئة أصبحت جزءا من كياني الآن".


وامتلأت عينا أخطر بالدموع وقال إنه بسلب كشمير هويتها الخاصة لم تحرم الهند الكشميريين فقط ولكنها أهانت كل من أيدها.


وقال: "إننا نعيش تحت نظام ديمقراطي شكلي، ولا أريد أن أكون جزءا منه الآن لأن ذلك سيكون خيانة".
لقد انقلب النظام السياسي للمنطقة، والذي عمل حتى في السنوات الصعبة، رأسا على عقب.


وفي الأشهر الأخيرة قامت التنظيمات المسلحة بملاحقة أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا (بي جي بي) الحاكم.

 

اقرأ أيضا: فورين بوليسي: سنة على حصار كشمير والذكريات الأليمة

وكان ساجد أحمد خاندي، وهو عضو في حزب بي جي بي، قد غادر بيته صباح يوم في آب/ أغسطس فاستوقفه شابان على دراجة نارية وأطلقا خمس طلقات على بطنه. وتوفي بعد ذلك بدقائق. 


وقالت زوجته شاهين ساجد إن زوجها كان يأخذ احتياطاته، ولكن الكشميريين الذين ارتبطوا بحزب بي جي بي تحولوا إلى منبوذين. 

 

وكان بيرزادا لطيف شاه، زعيما معتدلا، ولكنه رأى حياته وآراءه السياسية تتغير مرة واحدة. وفي حزيران/ يونيو 2019، كان عائدا من بستان التفاح الذي يملكه في منطقة بلواما جنوب كشمير عندما ظهر شاب أمام بيته. وقام الشاب بسحب مسدسه وأطلق عليه خمس رصاصات. فوقع شاه البالغ من العمر 49 عاما على الأرض، ولكنه استطاع أن يصفر لأخيه الذي يعمل في مزرعة مجاورة وتم نقله بسرعة للمستشفى.


وبعد ثمانية أيام في العناية المركزة أفاق شاه ليسمع أن الحكومة الهندية سيطرت على كشمير وأنه زج برئيسة حزبه ورئيسة وزراء الولاية، محبوبة مفتي، مع آلاف آخرين في السجن.


ويقول: "في ذلك اليوم تحولت كشمير إلى أرض محتلة".


وقال شاه إنه إن استطاعت نيودلهي أن تجد قيادات جديدة تملأ الفراغ السياسي فإنهم سوف يعتبرون عملاء أسوأ من الجيل السابق من السياسيين الذين كانوا قادرين على إخراج الناس للتصويت.


ومع أن شاه عاد إلى بستان التفاح ولكنه لن يبيع الكثير من التفاح بسبب فيروس كورونا والحملة الأمنية، ولن يعود للحياة السياسية.


وقال شاه: "لقد طلينا الحصان لنقول إنه حمار وحشي ولكن عندما دخل الحصان الماء ذهب اللون.. تعبت من دهن الحصان مرة بعد أخرى، ولم أعد أريد فعل ذلك".

 
التعليقات (0)