قضايا وآراء

إلى المعارضة المصرية.. ماذا تعرفون عن محمد فريد؟

علي الصاوي
1300x600
1300x600
عندما تتجول في أزقة التاريخ المصري وتنقب عن قصص النضال الوطني في مواجهة الاستعمار، لا تعدم من أن تجد قامات وطنية ذوي همم عالية، تناطح السحاب إخلاصا وعملا من أجل رفعة الوطن وفكاك أسره من ظلم الاستعمار واستبداده.

وفي ظل ما تمر به المعارضة المصرية الآن من خلافات لا جدوى من ورائها سوى مزيد من التشتت والانقسام، كان لزاما علينا أن نستحضر سيرة زعيم مصري له باع طويل في النضال الوطني، عاش من أجله ومات في المنفى فقيرا، لا يملك قوت يومه وثمن علاجه. نعم، كما تبادر إلى ذهنك، هو الزعيم المصري محمد فريد درة/ تاج النضال الثوري في عصره، وأسخى من ضحى بماله لنصرة القضية المصرية.

كان من أوائل من عملوا على وضع صيغة موحدة للدستور المصري، تخدم المصريين في المقام الأول وتنزع قدرة الامتيازات الأجنبية المسيطرة على الأوضاع في مصر، وجمع عليها آلاف التوقيعات، والتي وصلت إلى أكثر من 45 ألف توقيع، لترُسل بشكل رسمي إلى الخديوي.

سُجن لمدة ستة أشهر لأنه كتب عن أثر الشعر في تربية الأمم، وعندما خرج قال: "مضت عليّ ستة أشهر في غيابات السجن، ولم أشعر أبدا بالضيق إلا عند اقتراب خروجي، لعلمي أني خارج إلى سجن آخر، وهو سجن الأمة المصرية، الذي تحده سلطة الفرد.. ويحرسه الاحتلال!.. أن أصبح مهدداً بقانون المطبوعات، ومحكمة الجنايات.. محروماً من الضمانات التي منحها القانون العام للقتلة وقطاع الطرق.

ولم يمنعه سجنه من مواصلة رسالته، بل خرج منه وسافر حاملا معه حلمين لطالما راوداه في أحلامه واصطحباه في مسيرة نضاله، هما الجلاء والدستور. فسافر إلى أوروبا كي يُعد لمؤتمر لبحث المسألة المصرية بباريس، وأنفق عليه من ماله الخاص، ودعا كبار معارضي الاستعمار من الساسة والنواب والزعماء، لإيصال القضية المصرية للمحافل الدولية.

وأثناء إقامته في باريس قابل أعضاء من مجلس النواب الفرنسي، ومدير جريدة الديلي نيوز، ليعرض قضيته الوطنية، لكنهم طالبوه بالسكوت عن الاحتلال والتوقف عن المطالبة بالجلاء، في مقابل الإصلاح الداخلي والدستور، لكنه رفض وقال تأكدت من أن تلك كانت مجرد خدعة للإيقاع بالحزب الوطني وتحويله إلى أداة في يد الإنجليز، كحزب الحكومة أو حزب الأمة.

لم يقبل فريد أن يضع يده في أيديهم بشروطهم بل بشروطه هو، لعلمه أن قضيته عادلة لا تقبل التنازلات ولا الإملاءات، إضافة إلى أن رفضه كان يعكس رائحة إخلاصه وحبه للوطن، فمن عمل بجد لأجل قضيته وأخلص لها ظهرت رائحة حبه وإخلاصه في كل سكناته وحركاته. فالصدق والإخلاص مثل بطن المرأة الحامل لا تستطيع أن تداريه، ومع الأيام يظل يكبر ويتمدد ليراه كل الناس.

ظل فريد يناضل من أجل وطنه، فعمل بالمحاماة للدفاع عن المظلومين، بالرغم من أنها كانت في ذلك الوقت مهنة تسيء لصاحبها بمفهوم الطبقة الأرستقراطية حينذاك، والذي كان واحدا منها.. ضحّى بكل ما يملك في سبيل الحق ونصرته وتحرير وطنه، آثر حظ نفسه في سبيل حظ الوطن، فمات في ألمانيا وحيدا طريدا بلا أهل ولا مال، حتى نقل جثمانه إلى مصر على نفقة رجل أعمال مصري.

فلا فرق بين ما كانت عليه مصر أيام محمد فريد وبين ما هي عليه الآن، فالاستعمار وإن اختلفت أشكاله لكن مضمونه واحد. ومصر تعيش حالة استعمار داخلي قضى على مظاهر الحياة السياسية، وأعدمَ الأحزاب وقَتلَ الحماس الثوري، ودفع الناس إلى التبلد وعدم الاكتراث بمصائرهم خوفا من بأسه. تعيش مصر بدستور ملاكي على مقاس الزعيم لا يشاركه فيه أحد، دستور يُعبّر عن رغبته هو، لا عن رغبة الجماهير ولا مستقبل الدولة.

مناخ سياسي محبط، ومعارضة تترنح بين السجون والقمع في الداخل والملاحقة والخلافات فيما بينها في الخارج.

كل مقومات التحرك لإنهاء هذه المهزلة متوفرة، لكن ليس كلنا محمد فريد، "فمَن كانَ مُسْتَنًّا، فَلْيَسْتَنَّ بمن قد ماتَ، فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتْنَةُ"، كما قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود.

إن ما يحدث في مصر الآن يناديكم أن هبوا قبل أن يجرفكم الطوفان، فالتحرك وإن جاء متأخرا خير من ألا يأتي أبدا، وليكن الشباب هذه المرة هم السواعد التي تستند عليها أفكاركم لعلها تأتي بنتائج مختلفة، وأعتقد أنها ستثمر ما يسركم بشرط العمل المتجرد من أجل الوطن. ومن يظن أن المشكلة في الشباب فليقرأ ما كتبه نجيب محفوظ في الثمانينيات في مقال بعنوان "هل الشباب مشكلة"، يقول فيه:

"لا توجد مشكلة خاصة بالشباب، ولكن المشكلة الحقيقية هي مشكلة الكبار الحائزين للرشد والنضج، والممارسين لأسباب التوجيه والقيادة في المجتمع، المشكلة هي مشكلة الكبار وما يصنعون بمجتمعهم، وما يضيفون إلى الحياة من جمال أو قبح، وما يعتنقون من مبادئ يعاملون بها الآخرين. هم الذين يصنعون الدراما الإنسانية فيجعلون منها ملحمة بطولية أو كوميديا سوداء، أو تراجيديا دامية".

فلا مفر من تلبية كل دعوة تدعو للتوحد تحت راية واحدة، وليكن شعارها كما قال الرافعي قديما: "الثبات على الخطوة المتقدمة، وإن لم تتقدم، والثبات على الحق، وإن لم يتحقق، واحتقار الضعف، وإن ساد وتمدد، وبقاء الرجل رجلا، وإن حطمه كل ما حوله".
التعليقات (0)