قضايا وآراء

عيد ودماء وجماجم!

جاسم الشمري
1300x600
1300x600

هنالك أيّام ومناسبات لها قدسيّتها وطقوسها ومكانتها في أدبيات وتراث الأمم، والأديان، ومن بينها أيّام الأعياد الدينيّة والرسميّة والثقافيّة وحتّى الشعبيّة، وبالتالي يفترض أن تحترم (قدسيّة)، أو (مكانة) هذه الأوقات لأنّها جزء من ثقافة الحضارات الإنسانيّة والأديان السماويّة، والاستخفاف بها ضرب لقواعد التعايش السلميّ.

وفي عالمنا الإسلاميّ نحتفي كثيراً بالأيّام الفضيلة، ولهذا نجد أنّ المسلمين يحتفلون بعيدي الفطر والأضحى المباركين، ويحتفون بشهر رمضان وبالعشرة أيّام الأوائل من ذي الحجّة، وغيرها من المواقيت الخاصّة في الشريعة الإسلاميّة.

ويفترض في أيّام العيد أن تسعى الحكومات والمؤسّسات والأفراد لنشر مفاهيم الحبّ والتسامح والسلام والخير في المجتمع، ونبذ الكراهية والعنصريّة والحروب والشرور!

واعتاد الناس على التحضير للعيد عبر جملة ترتيبات مبكّرة تشمل بعض العادات والتقاليد التي تختلف من بلد لآخر، لكنّها، في الغالب، تتعلّق بشراء الملابس الجديدة، وإعداد أطعمة خاصّة، وتزيين الأحياء السكنيّة والمنازل ابتهاجاً بهذه المناسبة!

وهذه التحضيرات لا تغيب حتّى عن وسائل الإعلام التي تكون برامجها خاصّة بهذه المناسبة، وكلّ ذلك من أجل نشر السعادة والأفراح بين الناس.

وفي العراق يبدو أنّ الأمر منقلب على ذاته حيث إنّ أجواء استقبال (عيد الأضحى) بدت متوتّرة وقاسية ومليئة بالرعب والترهيب.

وقد حفل الأسبوع الماضي بأحداث مزعجة ومؤلمة وقاتلة، وأقساها هو استخدام القوّة المفرطة ضد المتظاهرين في ساحة التحرير وسط بغداد يوم الاثنين الماضي، وكانت الحصيلة ثلاثة قتلى، وأكثر من (20) جريحاً، وقد منعت القوّات المهاجمة سيّارات الإسعاف من الدخول لإنقاذ الجرحى!

اللافت للنظر أنّ رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أكّد في مساء اليوم التالي عبر رسالة تلفزيونية أنّ" تعليماته المشددة تضمّنت عدم السماح باستخدام القوّة ضدّ المتظاهرين، وأنّ حكومته لا تتحمّل تبعات الحكومات السابقة"!

هذه التصريحات جعلت الكاظمي محطّ تندر العراقيّين، بعد أن تساءلوا عن  القوّات التي قتلت الشباب الثلاثة، وجرحت العشرات، ولماذا لم تتّخذ الحكومة أيّ خطوة قانونيّة تجاه القتلة سواء أكانوا من القوّات الأمنيّة، أم من المليشيات؟

 

فرحة العراقيّين بالعيد لم تكتمل بسبب فرض حظر للتجوال في عموم البلاد للوقاية من فيروس كورونا، ومع ذلك فإنّ عيدهم الحقيقيّ يكون ببناء الدولة المدنيّة، وترميم المنظومة الأمنيّة والعسكريّة، وتعمير المنظومة القضائيّة، وترتيب البيت العراقيّ ثانية ليكون بيتاً لكلّ المواطنين

 



هذا القتل والترهيب كان في مرحلة التحضيرات لعيد الأضحى، فهل العيد ليس له قدسيّة لدى الحكومة، أم أنّ العراقيّين بحاجة لمزيد من الحزن والأسى بعد أن طرّزت حياتهم بكم هائل من الدماء والقبور والهموم والضياع؟

كان يفترض بالقوى الحاكمة استغلال مناسبة العيد المميّزة لتناسي الخلافات، والانطلاق بخطوات جادّة لترميم علاقتها الهشّة مع المواطنين، وأن تعمل على بثّ السياسات الخالية من البغضاء والشحناء، والمليئة بالتسامح والمحبّة والتكاتف، وأن لا تحاول التصعيد مع المتظاهرين!

وكان الأولى بالحكومة أن تنشّر السرور عبر تفعيل قانون العفو العامّ عن السجناء المظلومين بموجب المادّة (4) إرهاب، وأن تقدّم الخدمات الضرورية، وبالذات الكهرباء مع استمرار انقطاعها في أجواء تصل فيها درجة الحرارة لأكثر من 50 درجة مئويّة!

ومع كلّ صور البطش والدماء وجدنا أنّ ممثّلة الأمين العامّ للأمم المتّحدة في العراق جينين بلاسخارت التقت رئيس الحكومة يوم الأربعاء الماضي، وتناقشا حول الانتخابات المبكّرة، ولم يتطرّقا لدماء المتظاهرين التي سالت قبل (48) ساعة من لقائهما!

وهذا (التغليس الأمميّ) نقطة سوداء في ملفّ ودور البعثة الدوليّة في العراق؛ ذلك لأنّ الاستبسال على المتظاهرين العزل جزء من إشكاليّة كبيرة في أسلوب تعامل الحكومات المتعاقبة مع شباب العراق!
 
فإلى متى تبقى القوى الحاكمة تنظر لهؤلاء المتظاهرين بعين الشكّ والتخوين، وهم الذين نذروا أرواحهم وأجسادهم العارية من اجل مستقبل الوطن ومستقبلهم؟

فرحة العراقيّين بالعيد لم تكتمل بسبب فرض حظر للتجوال في عموم البلاد للوقاية من فيروس كورونا، ومع ذلك فإنّ عيدهم الحقيقيّ يكون ببناء الدولة المدنيّة، وترميم المنظومة الأمنيّة والعسكريّة، وتعمير المنظومة القضائيّة، وترتيب البيت العراقيّ ثانية ليكون بيتاً لكلّ المواطنين من العرب والكرد والشيعة والسنّة والمسيحيّين وغيرهم، وخالياً من المجرمين والسرّاق، وكلّ الذين ينفّذون أجندات أجنبيّة على أرض العراق وبأموال أهله!

فمتى نستيقظ من رقادنا وننهض لنبني العراق المليء بالسعادة والأفراح، والمتماسك بالتلاحم والعدل، والخالي من سياسات الظلم وتكسير جماجم شباب الوطن؟

ومتى نفهم أنّ الأوطان الكريمة لا تبنى بسحق جماجم الشباب، وتدمير مستقبلهم، بل بتنمية عقولهم وقدراتهم من أجل إعمار البلاد وتطويرها؟

@dr_jasemj67

التعليقات (0)