ملفات وتقارير

"مياه التبت".. هذا ما تفعله الصين لـ"تعطيش" الهند

تزعم الصين أن مياه التبت من حقها وتسيطر عليها حاليا بشكل تام- CCO
تزعم الصين أن مياه التبت من حقها وتسيطر عليها حاليا بشكل تام- CCO

تعد هضبة "التبت" الواقعة في آسيا الوسطى، أكبر رافد مائي للدول المحيطة بها، بما فيها الصين والهند، إذ تغذّيهما، إضافة لسبع دول أخرى، بمئات الأنهار والجداول المائية.

 

إلا أن المياه الصادرة عن الهضبة المرتفعة نحو 13 ألف قدم فوق مستوى سطح البحر، باتت تشكل مصدر قلق حقيقي بين أكبر دولتين في العالم من حيث عدد السكان، مع مخاوف بأن "تعطش" الهند بسبب السياسات الصينية.

 

زعمت الصين ملكيتها الصريحة لمياه التبت، وهو ما جعلها متحكمة في منابع سبعة من أعظم أنهار جنوب آسيا (السند ، الجانج ، براهمابوترا ، إيراوادي ، سالوين ، اليانغتسي وميكون)، إذ تتدفق هذه الأنهار إلى باكستان والهند وبنغلاديش وميانمار ولاوس وفيتنام،

 

ويقدر أن 718 مليار متر مكعب من المياه السطحية تتدفق من هضبة التبت ومناطق شينجيانغ ومنغوليا الداخلية التي تديرها الصين إلى الدول المجاورة كل عام، والملاحظة الهامة أن ما يقرب من نصف هذه المياه ، 48 بالمئة ، يمر مباشرة إلى الهند.

 



 

قبضة صينية
بالنسبة للهند، فإن تحكم الصين بمياه التبت يعني أن أي مواجهة قادمة معها قد تعني الحرمان من هذه المياه، وهو تحد لا يمكن بأي حال التغلب عليه.

 

الاشتباكات الأخيرة بين الصين والهند، استدعت باحثين هنود للتعمق في سيناريوهات خطيرة قد تلجأ إليها بكين لإيذاء دلهي، وإلحاق الضرر بها.

 

تمتلك الصين قبضة خانقة بتحكمها بكافة الأنهار التي تغذي الهند، وهو ما يجعل الأخيرة في موقف حرج، لا سيما أن البلاد مقبلة على أزمة مائية في غضون سنوات، في حال استمر معدل هطول الأمطار، وتدفق مياه الأنهار دون ارتفاع يذكر.

 

حصار الأنهار

حصار الأنهار أو تحويل مجراها، وهو مشروع بدأ العمل عليه بتحويل المياه من جنوب الصين إلى شمالها، بالتوازي مع مشروع نقل موارد الطاقة من الغرب إلى الشرق.

 

وتعد الصين مشاريع بنية تحتية ضخمة، قالت إنها تستخدم في سبيل تعزيز الموارد المائية، محطات طاقة كهرومائية، إضافة إلى تشييد سدود ليس في الصين فقط، بل في كشمير التي تبرعت بكين ببناء خمسة سدود فيها.

 

هذه السدود، والاستجرار المضاعف من مياه الأنهار، لن تؤثر سلبا على تدفق المياه إلى الدول المجاورة فقط (الهند وباكستان)، لكنها ستوقف أيضًا تدفق الطمي (تربة تآكلت بفعل المياه تستخدم في دعم الزراعة).

 

تقوم الصين أيضًا ببناء خمسة سدود على نهر براهمابوترا، ويخشى أن يتم استخدام "تقنيات التفجير النووية السلمية لتحويل مسار براهمابوترا شمالًا إلى الصين"، وقامت بكين بالفعل بمنع تدفق نهر شيابوك ، أحد روافد براهمابوترا التبتية .

 

في الأسابيع الماضية وتزامنا مع الاشتباكات المحدودة على الحدود، منعت الصين تدفق نهر جالوان ، أحد روافد نهر السند الذي ينشأ في منطقة أكساي تشين التي تسيطر عليها الصين، وحرمت بذلك الهند من الاستفادة منه.

 

التلويث

يمكن للصين تخريب الأنهار العابرة للحدود بتلويثها، ما يجعلها غير صالحة للاستخدام.

 

تحول نهر سيانغ ، الذي ينضم إلى نهر لوهيت وديبانغ في اتجاه مجرى النهر لتشكيل نهر براهمابوترا ، إلى وحل، واسودت مياهه في عام 2017، وهو ما أثار مخاوف بشأن أنشطة المنبع في الصين.

 

أصبحت المياه غير صالحة للاستهلاك البشري، وأثرت هذه الخطوة بشدة على الإنتاج الزراعي في وادي سيانغ في ولاية أروناتشال براديش الهندية (معروف بزراعة الأرز)، كما كان لها تأثير ضار على الصيد.

 

ورغم زعم الصين أن سبب هذا التلوث في المياه هو حدوث زلزال، إلا أن مصادر هندية أكدت أن التغير في المياه حدث قبل الزلزال.

 

حرمان من البيانات

تملك الصين كافة البيانات حول حجم المياه وتدفقها من التبت إلى هذه الأنهار، وهو ما مكنها من تكوين قاعدة بيانات تساعدها في إدارة الفيضانات والتقلبات.

 

وقعت الصين والهند اتفاقيتين منذ عام 2008 حول تبادل البيانات لنهري سوتليج وبراهمابوترا، وهو ما ساعد في استباق الفيضانات والسيطرة عليها.

 

في حال نشوب أزمة بين الطرفين، يمكن أن تحجب الصين هذه البيانات المتجددة عن الهند، وقد حدث هذا بالفعل سابقا في 2017.

 

فعلى إثر التوترات التي دامت 73 يوما حينها، حجبت الصين البيانات المائيةالهيدرولوجية عن الهند، ما أدى إلى فيضانات في ولايتي آسام وأوتار براديش.

 

خيارات الهند

مع رفض الصين العلني الخضوع لتسوية المنازعات الدولية، لا تزال هناك خيارات دبلوماسية للهند، أهمها إدارتها للأنهار المحلية، ومياه الأمطار.

 

يمكن للهند أيضا أن تقود حراكا مع الدول المنتفعة من الأنهار العابرة للحدود، تكون أهدافه البعيدة بعد أخذ شرعية دولية، إلزام الصين بعدم التحكم بهذه المياه.

 

ويمكن للهند من خلال التعاون مع الدول التي تستفيد من مياه أنهار التبت، تشكيل قوة تدير تتفق بشكل جماعي على توزيع المياه، وتضغط على الصين لمنعها من الاحتكار، أو استغلال المياه في ابتزازات سياسية.

 

وعلى الهند في حال فشلت جميع هذه الحلول، خوض مفاوضات مباشرة رفقة الدول المستفيدة من الأنهار، مع الصين.

 

خلفية

يعاني نحو 600 مليون في الهند (نحو نصف عدد السكان)، من صعوبة توفير المياه بشكل مستدام، وتصل نسبة المياه الملوثة الغير نقية في الهند نحو 70 بالمئة، وهو ما جعل مرتبة البلاد في مؤشر جودة المياه العالمي 120 من أصل 122 دولة.

 

يتسبب تلوث المياه بنحو 200 ألف حالة وفاة سنوية في الهند، وفي حال تواصلت هذه الأزمة ستشهد الهند أزمة مياه غير مسبوقة عند حلول سنة 2030.

 

برغم تحكمها بكافة منابع التبت، يبقى الفرد الصيني يحصل على معدل مياه أقل من نظيره الهندي، ففي دراسة أجراها موقع "Our World in Data"، بلغ معدل استهلاك المواطن الصيني اليومي للمياه 435 متر مكعب سنويا، فيما يستهلك الهندي 602 متر مكعب، وهو ما يفسر واحد من أسباب محاربة بكين لدلهي في المياه.

 

 

  

المصادر:

معهد لوي للسياسة الدولية  

 

مؤسسة "NITI Aayog" البحثية الهندية

 

2
التعليقات (2)
محمد عبد الوهاب
الخميس، 30-07-2020 12:31 م
تقرير هام ورائع
فهمان
الخميس، 30-07-2020 05:50 ص
تقرير رائع وخاصة الخريطة الحية .

خبر عاجل