سياسة عربية

ما دلالات تهديد حركة النهضة بالانسحاب من الحكومة التونسية؟

حركة النهضة قالت إن موقفها يعود للقلق الذي تشعر به من وجود شبهة فساد وتضارب مصالح تلاحق إلياس الفخفاخ- عربي21
حركة النهضة قالت إن موقفها يعود للقلق الذي تشعر به من وجود شبهة فساد وتضارب مصالح تلاحق إلياس الفخفاخ- عربي21

أصدرت حركة النهضة، الأحد، بيانا هددت فيه ضمنيا بالانسحاب من حكومة إلياس الفخفاخ بهدف "إعادة تقدير موقف".

وتقول الحركة إن موقفها يعود للقلق الذي تشعر به من وجود شبهة فساد وتضارب مصالح تلاحق رئيس الحكومة الحالية إلياس الفخفاخ، وما وصفته بحالة التفكك الحكومي، واصطفاف أطراف حكومية مع قوى التطرف السياسي ضد الحركة.

فما دلالة موقف الحركة الجديد، والذي يأتي بعد أسبوع واحد من إعلانها مواصلة دعم حكومة الفخفاخ؟وهل يُفهم على أنه ضغط سياسي تمارسه النهضة على الفخفاخ والائتلاف؟ أم هو خطة جاهزة لفك الارتباط بعد عزلها من خصومها الذين هم في الأصل حلفاء في الحكم؟ وما البديل؟

"ثلاثة عناصر"

من جهته، قال القيادي والنائب بحركة النهضة محمد القوماني، في تصريح خاص لـ"عربي 21"، إنه في نهاية الأسبوع الماضي "جاءت مؤشرات سلبية تتعلق بملف تضارب المصالح لرئيس الحكومة من خلال تصريح رئيس هيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب، الذي قدّم معلومات عززت من فرضية وجود تضارب مصالح لرئيس الحكومة".

وعن أسباب تعديل النهضة موقفها من الحكومة، أضاف: "تفاجأنا من حلفائنا في الحكم (التيار الديمقراطي)، و(تحيا تونس) يصوتون بمكتب المجلس لصالح تمرير لائحة تعتبر حركة الإخوان تنظيما إرهابيا، والحال أنها مُخالفة للنظام الداخلي، وهي تأتي لجر البرلمان لأجندة خارجة عن الأجندة الوطنية، وإقحام تونس في محاور لا تخدم السياسة التونسية، وهي أجندة تم الاشتغال عليها في مصر وبعض دول الخليج".

واستطرد القوماني قائلا: "حين ينحاز حلفاؤنا في الحكم إلى حزب نعتبره - (الدستوري الحر) - منخرطا في أجندة معادية للثورة والمسار الديمقراطي، وهو ذراع لأجندة إقليمية مناهضة للثورات العربية، فهذا مؤشر على أن الوضع الحكومي ليس بالجيد وليس على ما يرام".

 

اقرأ أيضا: النهضة تقرر إعادة تقدير موقفها من حكومة الفخفاخ

وتحدث القوماني عن سبب ثالث يتمثل في "تخوف بعض الأطراف الحكومية من لجنة التحقيق؛ نظرا لشبهة الفساد وتضارب المصالح، مع مواصلة رفض الفخفاخ لأي صيغة لتوسيع الائتلاف الحكومي على الرغم من الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم، والذي يتطلب مزيدا من التكاتف، وبالتالي باجتماع كل هذه الأسباب والعناصر اجتمع المكتب التنفيذي لحركة النهضة وأقر الموقف المُشار إليه".

وفي رده على سؤال بخصوص وجود رسالة واضحة من النهضة بالانسحاب خلال الشورى القادم، أجاب القوماني: "مجلس الشورى سيكون الأسبوع بعد القادم، وإعادة النظر مفتوحة على جميع الاحتمالات من بينها الانسحاب، أو سحب ثقة بالبرلمان؛ فكل السيناريوهات قائمة"، منوها إلى "إمكانية إيجاد مخارج للحفاظ على الحكومة، ورأب الصدع من خلال تدخل رئيس الجمهورية لجمع الأطراف المعنية وإيجاد حل يراعي كل هذه المعطيات".

وبشأن اللقاء الأخير، الذي عُقد الجمعة الماضية، بين رئيس الجمهورية والبرلمان والحكومة، والذي وصف بلقاء تهدئة الوضع، وفق مراقبين، كشف القوماني أن هذا اللقاء لم يتطرق إلى هذه المواضيع السياسية، بل كان لقاءً بروتوكوليا".

"النهضة تضغط"

بدوره، استبعد المحلل السياسي التونسي، منذر بن يوسف، أن يكون من أهداف أو مصلحة النهضة إسقاط حكومة الفخفاخ، ودخول مرحلة فراغ جديدة، خاصة في ظل تدهور علاقتها بقيس سعيد، الذي سيكون هو المسؤول مرة أخرى عن اختيار رئيس حكومة جديد، والمحتمل أن يختار شخصية لا تكون النهضة مرتاحة لها، ومن المستبعد أيضا أن يكون من أهداف النهضة فرض توسيع الائتلاف الحاكم في هذه اللحظة المتأزمة بالذات، خاصة وأن (قلب تونس) نفسه على ما يبدو غير متحمّس كثيرا للانضمام".

وخلص ابن يوسف إلى أن "بيان النهضة يندرج في إطار سياسة المناورة الهادفة إلى تحسين وضع الحركة داخل الائتلاف الحكومي"، مشيرا إلى "قوة الحركة نظرا لضعف خصومها في الائتلاف، وهي تريد استثمار ذلك وليس إسقاط الحكومة وليس لتوسيع الائتلاف، وإنما من أجل كف أذى حلفائها عنها ومحاولاتهم المتكررة لعزلها وإضعافها، ولكن كل نقطة لها وزن في صراع يبدو أنه ما زال طويلا داخل الائتلاف الحاكم".

 

"شبح الإفلاس"


من جانبه، اعتبر الباحث والأكاديمي التونسي، زهير إسماعيل، في حديث مع "عربي21"، أن البيان ذكّر بمطلب حركة النهضة بتوسيع الائتلاف الحكومي، وبدواعيه وهي تحديات الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وبموقف رئيس الحكومة العقبة الأساسية في سبيل هذا التوسيع، ولكنه سكت عن موقف التيار والشعب الرافضين للتوسيع".

ورأى الباحث أن "أهم رسائل البيان هي الضغط على رئيس الحكومة، وقد صار وضعه أضعف بعد شبهات تضارب المصالح والفساد التي تواجهه، والتي أضرّت بصورة الائتلاف الحكومي، وأضرّت أكثر بمبدأ محاربة الفساد".

وأفاد إسماعيل أن "النهضة تتّجه إلى حسم موقفها من الفخفاخ والحكومة، ولكنّها لن تبادر بالانسحاب منها لدواع ذكر البيان بعضها، وسكت عن كثير منها، وأهمّها تحميلها تداعيات استقالة الحكومة على الوضع السياسي المتوتر داخليا، والأزمة المالية الاقتصادية المتفاقمة، وعلى رأسها شبح الإفلاس".

وبيّن الباحث أن "النهضة تعمد إلى رمي الكرة في مرمى شركائها، وتعطي لنفسها الوقت الكافي (دورة مجلس الشورى القادمة) للتقييم ثم تبني موقفها؛ فهي لم تتعوّد الحسم في المواقف ولكنها تتخذها بعد استنفاد كل المناورات".

"نهاية الحكومة"

وتوقع إسماعيل بأن تكون أيام حكومة الفخفاخ معدودة، مضيفا: "إذا كان الرأي الغالب في بداية الأزمة المندلعة مع ملف تضارب المصالح هو تجنب الاستقالة لمخاطرها السياسية المباشرة، فإن ما استجد من معطيات يجعل من إصرار الفخفاخ على تواصل حكومته ورفضه الاستقالة سيعفّن الوضع أكثر، ويصيب الحكومة بشلل تام يعوقها حتى عن تسيير الأعمال".

إلا أن المحلل السياسي أبولبابة سالم دحض فكرة نهاية حكومة الفخفاخ أو انسحاب النهضة، معللا ذلك بالقول: "النهضة لن تسحب الثقة، وهي تقرأ جيدا الأوضاع، والعقل النهضاوي وعلى الرغم من وجود تيارات داخله تدعو إلى ذلك، فالعقل الرئيسي مع الاستقرار فأي إرباك غير محمود، ولكن الإسقاط غير مطروح أصلا".

من جهته، نفى القيادي بالنهضة محمد القوماني ما قيل عن مناورة "النهضة" التي أكد أنها "لا تضغط ولا تمارس ذلك لحسابات حزبوية، وإنما فعلا تشعر بقلق حقيقي، وصورة الحكومة تربك الوضع والفخفاخ لم يقدم خطابا مقنعا".

وأضاف: "لا يمكن التعلل بمصاعب تشكيل حكومة جديدة إن انتهت هذه الحكومة، ولا يمكن القبول بحكومة فيها فساد، إن وجدت دواع مقنعة وحقيقية لتغيير الحكومة لابد أن تتحمل جميع الأطراف مسؤوليتها، والتخويف من أن البلاد لا تتحمل غير منطقي، لأن البلاد لا تتحمل حكومة متهمة بالفساد وهي تدعي محاربته".

التعليقات (0)