قضايا وآراء

عن "حذف الإسلام والعربية والأمازيغية" من الدستور!

جمال الدين طالب
1300x600
1300x600
أججت تصريحات رئيس ومقرر لجنة الخبراء المكلفة بتعديل الدستور في الجزائر، عن إمكانية حذف مواد الهوية (الإسلام والعربية والأمازيغية) منه مستقبلا، الجدل المحتدم حول عملية التعديل من أساسها، التي سارع الرئيس الجديد عبد المجيد تبون لطرح مسودتها بعد أشهر من وصوله للرئاسة، عقب انتخابات مطعون فيها، وفي ذروة تفشي فيروس كورونا.

رئيس اللجنة أحمد لعرابة ومقررها وليد لعقون؛ صرحا في مقابلة مع صحيفة "ليبرتي" بأن "البلدان التي تعيش مرحلة انتقال ديمقراطي، كلها تحقق خطوات تقدمية ثم تعرف خطوات تراجع، ونحن بلد يعيش الانتقال الديمقراطي، لذا مسألة المواطنة ليست محسومة. الدساتير موجهة لمواطنين وليس لمؤمنين، ما يعني أن عناصر الهوية يمكن إبعادها عن الدستور ليصبح بإمكانك أن تكون جزائريا دون أن تكون عربيا ولا أمازيغيا ولا مسلما".

وأضافا: "لكن مجتمعنا غير مستعد لهذا المفهوم من المواطنة، ما يفرض علينا التقدم بالتدريج وسترون أن هذه العناصر المكونة للهوية ستختفي من الدستور مستقبلا".

قد يبدو هذا الطرح في السياق النظري العام مسألة عادية؛ لأن مفهوم المواطنة هو الذي يجب أن يسود بصرف النظر عن المعتقدات واللسان، ولكن في السياق الجزائري يبدو الأمر مختلفا بكل الأبعاد والسياقات التاريخية. وتبدو محاولة تسويق هذا الطرح بأن "الدساتير موجهة للمواطنين وليس المؤمنين" فيها (بالنماذج العالمية) الكثير من المغالطات. فبالمقارنة بدول راسخة في التجربة الديمقراطية، نجد أن دساتيرها تشمل مثلا على دسترة دين الدولة، مثلما هو الشأن مع مملكة الدنمارك، التي يؤكد دستورها في مادة له على "كون الكنيسة الإنجيلية اللوثرية الكنيسة الرسمية في الدنمارك، وعلى هذا النحو، فإنه يتعين دعمها من قبل الدولة"، وفي مادة أخرى على أن "يكون الملك عضوا في الكنيسة الإنجيلية اللوثرية".

وقد تبدو مفارقة، لكن هذين البندين لا يختلفان نظريا عن مادتين في دستور "الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، الذي يؤكد أن "المذهب الشيعي (الاثنا عشري) هو المذهب الرسمي للبلاد"، وأنه يستوجب أن يكون "رئيس الجمهورية من ذلك المذهب". ولكن على أرض الواقع لا مجال للمقارنة في الديمقراطية والحقوق والحريات، بما فيها الحرية الدينية بين الدنمارك وإيران!

وقد أعطى هذا التصريح انطباعا بأن هذين الشخصين، وكأنهما يحضران أنفسهما لتقديم خدماتهما للنظام مرة أخرى، أو أن النظام الجزائري يحضر للقيام بمهمة تعديلية أخرى بكل الحمولات الأيديولوجية لذلك، خاصة أن هناك اتهامات لمقرر اللجنة السيد لعقون مثلا، بأنه كأستاذ جامعي رفض أطروحة لطالب له بدأها بكتابة "بسم الله الرحمن الرحيم"! كما أن هناك اتهامات بأن مسودة التعديل كتبت أساسا بالفرنسية وأن ترجمتها للعربية جاءت ركيكة، بكل مفارقات أن الدستور ينص على العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، قبل أن تضاف إليها الأمازيغية.

وكما كان منتظرا وربما مقصودا لإلهاء الجزائريين وتحويل أنظارهم، فجر هذا الكلام عن حذف الإسلام والأمازيغية والعربية "تسونامي" من الجدل والنقاش في أوساط الجزائريين، غطى على جوهر النقاش، وهو مسارعة النظام وفي ظل "كورونا" وقمع المعارضين، لتمرير تعديل آخر للدستور، الذي تحول إلى ما يشبه "كراس محاولات أو خربشات"، كما يصف الجزائريون، يعدله كل رئيس على مقاسه، وإن كان هذا التعديل الجديد يبدو بوضوح على مقاس النظام أو كما يريد الحاكم الفعلي للبلاد، أي الجيش، حيث إن من التعديلات المقترحة، السماح في سابقة وبنص الدستور وموافقة ثلثي البرلمان؛ للجيش الجزائري بالقيام بعمليات عسكرية خارج حدود الوطن، في ما اعتبر تغييرا في "عقيدة الجيش"، مما أثار الكثير من المخاوف والتساؤلات. إلى جانب تعديل آخر هو استحداث منصب نائب للرئيس في سابقة أخرى في تاريخ البلاد.

واللافت أنه حسب التعديل، فإن نائب الرئيس المعين من الرئيس المنتخب، بإمكانه استخلافه كرئيس واستكمال ولايته الرئاسية في حال حدوث أي مانع له، كالعجز الصحي أو الموت. وبدا كأن حاكم البلاد الفعلي، أي الجيش، وجنرالاته لا يريدون تكرار سيناريو الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، ويريدون التحكم في اللعبة مسبقا عبر تعيين نائب للرئيس، يكون خليفة للرئيس الذي هناك إجماع على أنه ما كان ليصل للرئاسة بدون دعم قائد أركان الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح، وحاكم البلاد الفعلي بعد إطاحته بعبد العزيز بوتفليقة، بعد أن كان يجدد ولاءه لـ"فخامة الرئيس، كما كان يصفه دائما"، ودعم في البداية ترشحه لولاية خامسة، ووصف منتفضي ثورة 22 شباط/ فبراير بـ"المغرر بهم".

وقد تشبث قايد صالح باستمرار النظام، وأصر على إجراء انتخابات رئاسية برغم رفض شعبي لها بدا واضحا حتى بأرقام السلطة الرسمية المشكوك فيها، التي تحدثت عن مقاطعة 60 في المئة من الجزائريين لها، وبعدد أصوات بلغ أربعة ملايين لتبون، من أصل هيئة ناخبة عددها 23 مليونا!

وقد استمات في دعم والتبرير لقايد صالح والانتخابات الرئاسية وعمليا استمرارية نفس النظام بواجهات قديمة حتى، ما يسمي نفسه بالتيار "الباديسي- النوفمبري"، الذي يعتبره منتقدوه أنه لا يختلف فعليا في طروحاته عن "اليمين القومي العنصري"، لكن سرعان ما تبددت أوهام هذا التيار المشكل أساسا من مزيج من الإسلاميين والقوميين البعثيين المعادين بشكل خاص للبعد التاريخي الأول للهوية الجزائرية أي الأمازيغية، الذين بعد كثير من التبرير للنظام ولتبون ولما سميت بـ"الجزائر الجديدة"، ارتفعت أصواتهم المتألمة بشكل خاص، بعد إدراج مادة في مشروع تعديل الدستور، تؤكد أن "الأمازيغية لغة وطنية ورسمية في البلاد، وأن ذلك غير قابل للتعديل".

وقد جن جنون كثير من وجوه هذا التيار الذين تحولوا إلى منتقدين لتبون وللنظام، وأصبحوا يدعون إلى العودة للحراك الشعبي بعد أن كانوا يشيطنونه ويصفونه بـ"التحراك"، أي إنه محرك حسب زعمهم من الخارج وعملائه العلمانيين المعادين للعروبة والإسلام في الداخل؛ ممن يصفونهم بـ"الزواف" (فرقة من المرتزقة الذين حاربوا مع الاستعمار الفرنسي في القرن 19!)، رغم أن الواقع يقول؛ إن هناك علمانيين مثلهم دعموا وبرروا (وما زالوا) للنظام، مثل "ألتر إيغو" أو "الوجه الآخر" لهم من العملة المصروفة لصالح خدمة النظام والتبرير له لاستمراره! فيما يجمع الحراك الشعبي في المقابل مختلف الاتجاهات الأيديولوجية من جزائريي الداخل والخارج، وكثير منهم من البسطاء غير المؤدلجين أصلا، الذين يجمعهم حب الوطن والسعي نحو تغيير حقيقي، وليس استمرار نفس النظام الفاشل، بل يقول كثيرون منهم إننا "باديسيون ونوفمبريون" أكثر من المتاجرين بهذين المصطلحين.

وقد زادت صدمة وارتفاع صراخ هذا التيار المتهم بانتحال صفة "الباديسية" (نسبة للإمام عبد الحميد بن باديس، و"النوفمبرية" (نسبة لثورة نوفمبر التحريرية من الاستعمار الفرنسي)، بعد تصريح لعرابة ولعقون عن إمكانية حذف مواد الهوية من الدستور مستقبلا، وإن كانوا سيكونون سعداء مثلا لو كان التصريح يخص حذف "الأمازيغية" فقط!

وفي المقابل، بدا صوت من يقابل "الباديسيين- النوفمبريين" في التطرف والإقصاء من المحسوبين على الدفاع عن اللغة والهوية الأمازيغية صامتا، مما أثار اتهامات بأن هؤلاء سيكونون سعداء بأن تحذف مواد الهوية، وخاصة الإسلام والعربية، حتى ولو شمل ذلك حذف الأمازيغية، التي لا تهمهم فعليا بقدر ما تزعجهم العربية والإسلام، ولا إشكال لهم في استمرار سطوة الفرنسية، عمليا وبرغم كل "بروباغندا" النظام ضد المستعمر السابق فرنسا، التي ما زالت لغتها في الجزائر هي "اللغة الرسمية الفعلية" بالنسبة للنافذين في السلطة وإدارة البلد، أو العلاج في فرنسا ومستشفياتها وتحويل الأموال المنهوبة وشراء العقارات فيها، وإرسال أبنائهم للدراسة والإقامة فيها.

وإن هذا يشمل رموزا ممن يسمون أنفسهم "الباديسيين- النوفمبريين"، مثل ذلك البعثي العروبي الأمازيغي الأصل، الذي يروج لمعاداة الأمازيغية ومحاربة فرنسا والفرنسية، الذي فشل في جمع ما يكفي من استمارات الترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة، والذي قال؛ "إن سمك القرش حزين لتنظيم الانتخابات الرئاسية"، وبعد فشله شد الرحال إلى باريس، حيث يقيم ويستثمر مع ابنه المولود هناك في العطور والإكسسورات النسائية، فيما يسوق في الجزائر، عبر المطبعة التي أهداها إياه القذافي للبعث والقومية العربية تحت يافطة الإسلام، على طريقة "التقية البعثية"، التي لعب عليها البعثيون!
التعليقات (1)
علي الحيفاوي
السبت، 13-06-2020 07:36 ص
أليست العربية والأمازيغية والإسلام جزء لا يتجزء من كيان أي جزائري؟ فكيف يمكن أن يكون الشخص جزائرياً بدون أن يكون عربياً أو أمازيغياً؟ كيف يمكن للفرنسي أو الإنكريزي مثلاً أن يكون فرنسياً وإنكليزياً بدون أن ينتمي للحضارة الفرنسية والإنكليزية؟ إن من يطرح هذه الأفكار الخبيثة لا ينتمي لا لشعبه ولا لأمته ولا لحضارتها وإنتمائها. إنه شخص رخيص يخجل من حضارته ودينه الذي يفتخر به الشعب العربي إن كان في الجزائر أو في أي قطر عربي من المحيط إلى الخليج.