قضايا وآراء

الحياة الاجتماعية في عصر فيروس كورونا

مصطفى أبو السعود
1300x600
1300x600
نعم، يحدث أن نقرأ أو ننجز بحثا أو كتابا عن أحد جوانب الحياة في فترة زمنية معروفة قديمة أو حديثة، مثل الحياة الاجتماعية قبل الإسلام أو في صدره أو في منطقة معينة، فمعالم المرحلة معلومة.

لكن أن نكتب أو نقرأ عن أحد جوانب الحياة في عصر فاعل لا يُرى بالعين المجردة، فهذا شيء يستحق التأمل، إذا أنت تعيش في عصر "كورونا".

لكل شعب طقوس معينة يستجيب لها بنسبة تصل للتمام والكمال ويمارسها وفق مقتضيات الزمان والمكان، سواء من باب "أهواك ومش عايز أنساك"، أو من باب "مجبر أخاك لا بطل". ولطالما ناضل كثيرون ضد بعض الطقوس وطالبوا بالتحرر منها باعتبارها لم تعد صالحة، لكنها بقيت تتمدد ولم تعرهم هي وأنصارها أي اهتمام، حتى جاءها كورونا وألغاها بكل هدوء.

فمن كان يسير ممسكا بيد خطيبته أو زوجته تعبيرا عن الحب بينهما، صار من دواعي الحب بينهما ألا يمسك أحدهما يد الآخر، ومن كان يعطس بينهم أحدهم "شمتّوه" وفق الهدى النبوي، صاروا الآن "يشتموه" وفق منطق كورونا، ويهربوا منه قائلين (شو مقعدك عنا يا زلمة قوم)، وقد كنتُ شاهدا على حدث من هذا القبيل.

في الخليج ومما هو متعارف عليه السلام بالأنف"، وفي المغرب حيث عشت فترة الدراسة الجامعية، فقد كان السلام في غالب الأحيان باليد وبالقُبل على الخدين بين الجنسين حتى لو لم يكونوا إخوة في الدم، وفي بلاد غيرها كان السلام باليد أو العناق خاصة لو كان اللقاء بعد فراق طويل، لكن مع كورونا اختلف الأمر واختفى هذا الكرم والاحتفاء، واكتفينا بالسلام الهندي، أو هز قبضة اليد في الهواء قبل وصول الشخص الآخر، أو وضع اليد على الصدر تجنبا للعدوى.

والمعروف أن أيام الخميس والجمعة والسبت هي أيام إجازات رسمية مع اختلافها بين الدول، وهي فرصة للتنزه والرحلات وزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء والمشاركة في المناسبات الاجتماعية من حفلات زفاف وإشهار وأيام ميلاد والذهاب لدور السينما، لكن فيروس كورونا قال "خليك بالبيت"، كما قالت النملة لصديقاتها حين شعرت بمرور سيدنا سليمان "ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ"، فقال الجميع "سمعا وطاعة".

منذ ظهور كورونا للساحة مرت الدنيا بأيام دولية مثل يوم المرأة، ويوم الأم، والسعادة العالمي، والمسرح، والأرصاد الجوية، واليوم العالمي للسل، واليوم العالمي للمياه، والمعروف أنه في هذه الأيام تقام الاحتفالات والمهرجانات، لكن فيروس كورونا قال "كش مفش".

رغم أن فيروس كورونا غيّر الكثير من الطقوس التي لا لزوم لها، إلا أننا نسأل الله ألا يطيل في عمره، فقد استلهمنا من المخلوق الضعيف عبرا وعظات قوية، وآمنا بـ"يوضع سره بأضعف خلقه"، وبالقول الرباني "وما يعلم جنود ربك إلا هو"، فاعتبروا يا أولي الألباب والأبصار والدولار.
التعليقات (1)
الاستاذة ريم جاد الله
الثلاثاء، 24-03-2020 07:19 ص
بوركت جهودك وادام الله قلمك استاذ مصطفى**مقالات اكثر من راائعه تستحق النشر **كل الاحترام والتقدير لحضرتك