قضايا وآراء

موقع المفاوضات في الموقف الإسرائيلي والإثيوبي

عبد الله الأشعل
1300x600
1300x600

المفاوضات أداة معترف بها عند البشر منذ بدء الخليقة لترتيب الأوضاع وتسوية المنازعات، ثم صارت أداة الدبلوماسية في إدارة العلاقات الدولية، ولذلك ازدهر علم المفاوضات والتدريب عليها وصقل مهارات التفاوض، بل وأصبحت هناك مدارس مشهورة في المفاوضات.

ونظرا لأهمية المفاوضات فقد تضمنت مبادئ القانون الدولي مبدأ حسن النية في المفاوضات، أي حظر استخدام المفاوضات لإضاعة الوقت بينما النية مبيتة لنتيجة أخرى. وقد سجل العمل الدولي أن بعض الدول دخلت في مفاوضات بينما كانت تخطط للحرب. 

 

عند إسرائيل وأثيوبيا فقد استخدمت المفاوضات لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع من طرف واحد، وبذلك تفرغ المفاوضات من معناها ومضمونها


وقد ارتبطت المفاوضات بأنها أهم وسائل التسوية السلمية للمنازعات، ولكنها في الواقع وسيلة دائمة حتى لتخفيف التوتر بل ولمحاولة العودة إلى الاتفاق بعد نشوب القتال. ولذلك هناك نوعان من المفاوضات: مفاوضات عسكرية وأمنية ويتولاها عسكريون وأمنيون ولكن الأصل هي المفاوضات النوعية سواء كانت سياسة أو حدودية أو تجارية أو غيرها من موضوعات العلاقات الدولية ويدخل فيها المفاوضات الاقتصادية والاستثمارية والمعونات وصور التعاون وغيرها.

ولكن عند إسرائيل وأثيوبيا فقد استخدمت المفاوضات لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع من طرف واحد، وبذلك تفرغ المفاوضات من معناها ومضمونها. وهناك متشابهات بين إسرائيل وأثيوبيا بل وهناك تحالف بينهما ضد مصر. وليس هناك تحالف مصري ـ فلسطيني مادام الجلادان متحالفين، فكان يجب على الضحايا أن تتحالف. 

فالعلاقات الإسرائيلية الأثيوبية كانت دائما في وجه العداء الاسرائيلي ـ العربي، وغذى هذا العداء الأثيوبي الكثير من العوامل منها دعم العرب لثورة أريتريا لكي تتحرر من الاستعمار الأثيوبي، وأضيف لذلك اضطهاد أثيوبيا للمسلمين فيها رغم أن ملكها فى بداية ظهور الإسلام استقبل هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة، وذلك بعد أربعين عاما من عام الفيل الذي ولد فيه رسولنا الكريم وحاول أبرهة تحطيم الكعبة فأباد الله جيشه كما أخبرتنا سورة الفيل. 

 

متشابهات في موقف إسرائيل من الفلسطينيين وأثيوبيا من مصر


ويبدو أن دخول المسيحية إلى أثيوبيا كانت عاملا إيجابيا حاسما في تغيير الموقف من المسلمين. أما المتشابهات في موقف إسرائيل من الفلسطينيين وأثيوبيا من مصر فنرصد أهمها:

أولا ـ وضع خطة للحصول على كل شيء والتكتم على هذه الخطة والظهور بمظهر المرونة والرغبة في التسوية للتعمية والتدليس. فعلت إسرائيل ذلك مع الفلسطينيين، فهي تتفاوض من أجل حل الدولتين وهي تضمر دولة إسرائيل وحدها وطرد الفلسطينيين. أما أثيوبيا فقد وضعت خطة بناء السد بمواصفات تحرم مصر من المياه وتكتمت عليها وادعت أنها لن تضر بمصر، قبل أن تجاهر بخطتها والإصرار عليها والكذب بشأنها.

 

أما أثيوبيا فقد استخدمت المفاوضات لكسب الوقت اللازم لاستكمال بناء السد وملئه وتشغيله وفرض الأمر الواقع على مصر


ثانيا ـ كل من إسرائيل وأثيوبيا لاتعترف بالقانون الدولى وترتكز أساسا على الأمر الواقع الذي تحميه القوة في حالة إسرائيل، كما تعتمد أثيوبيا في فرض الأمر الواقع على حساباتها عن قوة مصر ونظامها وأزماتها.

ثالثا ـ إن إسرائيل استخدمت المفاوضات لكسب الوقت، بل وصلت إلى حد اعتبار المفاوضات هدفا في ذاتها. فقبولها بالمفاوضات صور على أنه مرونة من جانبها ودليل على رغبتها في التوصل إلى حل سلمي. ثم وصلت إسرائيل إلى درجة أن هذه المفاوضات بعد أن أعلنت صفقة القرن هدفها الموافقة على هذه الصفقة.

أما أثيوبيا فقد استخدمت المفاوضات لكسب الوقت اللازم لاستكمال بناء السد وملئه وتشغيله وفرض الأمر الواقع على مصر، بل قبلت أثيوبيا توسط واشنطن والبنك الدولى وحضرت مفاوضات واشنطن ثم رفضت التوقيع على الاتفاق. وطبعا لابد أن واشنطن هى قاسم مشترك بين إثيوبيا وإسرائيل فى المجالين: الفلسطينى وسد النهضة.

رابعا ـ استغلت إسرائيل ضعف الفلسطينيين وعملت على المزيد من إضعافهم بالشقاق الفلسطيني والتغلغل في القرار العربي بمساعدة واشنطن. أما أثيوبيا فقد استغلت هي الأخرى ضعف مصر تحت ستار حسن النية.

خامساً ـ إسرائيل تنفذ خطة تصفية القضية على الأرض، فأوقف الجانب الفلسطيني التفاوض بعد الإعلان عن الخطة علنا فى 28 كانون ثاني (يناير) 2020. وكذلك أثيوبيا كانت تتحدث عن التفاوض وهي في الواقع ماضية في تنفيذ السد دون الاكتراث بأية قيود، ورفضت جميع المقترحات الهادفة إلى تخفيف الضرر عن مصر.

سادسا ـ هناك مؤشرات على مساندة إسرائيل لأثيوبيا ضد مصر والتعاون لإفنائها عن طريق النيل، ولابد أن إثيوبيا هي الأخرى تدعم إسرائيل ضد الفلسطينيين رغم التصريحات والبيانات وعدم الاعتراض على قرارات الاتحاد الافريقي الداعمة للمقاومة الفلسطينية ربما بسبب دعم جنوب إفريقيا لهذا الاتجاه.

لم يكن هدف أثيوبيا من استمرار المفاوضات هو ضمان تسليم مصر بما تريده أثيوبيا، لأنها ضمنت ذلك من خلال تراخي الموقف المصري الخالي من الاصرار والحماس، وعند هذه اللحظة أعلنت أثيوبيا نفسها أن المفاوضات لم تعد مطلوبة، ولم تقطع مصر المفاوضات احتجاجا على استدراجها إلى كل طلبات أثيوبيا التي قادت المفاوضات على طريقة المفاوضات الصفرية.

وأدركت مصر ذلك من البداية والغريب أنها قبلت الاستمرار فى المفاوضات. فقد أوقف الفلسطينيون المفاوضات العبثية فقط بعد الإعلان عن صفقة القرن.

التعليقات (0)