مقالات مختارة

قد تشكل الأسابيع الستة المقبلة مصير بريطانيا لعقود

بيتر أوبورن
1300x600
1300x600

بينما يقترب موعد الانتخابات المصيرية القادمة يتوجب على البلاد أن تستذكر ما في تاريخها من ديمقراطية وحرية وحنو على المستضعفين

 

إنها الانتخابات العامة الأبرز والأهم منذ أكثر من قرن من الزمن، وذلك أن نتيجتها ستحدد مصير بريطانيا لعقود قادمة.


بعد ستة أسابيع فقط يتوجه الشعب البريطاني إلى صناديق الاقتراع في الثاني عشر من ديسمبر/ كانون الأول.
 
إذا ما انتصر حزب المحافظين بقيادة بوريس جونسون فسيعني ذلك أن بريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي خلال شهور، وبذلك تدير ظهرها لأوروبا وتتوجه نحو الولايات المتحدة، وحينها قد ينفرط عقد المملكة المتحدة تحت وطأة الضغط الذي سيمارس عليها من قبل أنصار إيرلندا الموحدة وأسكتلندا المستقلة.
 
إعادة التفاوض على بريكسيت
 
في المقابل، يتعهد زعيم حزب العمال جيريمي كوربين بإعادة التفاوض مع أوروبا على صفقة "أكثر نعومة" وطرح النتيجة للاستفتاء. إلا أن تأثيره سيكون ملموساً بطرق أخرى، إذ سيحدث لو وصل إلى السلطة أكبر تغيير دراماتيكي في السياسة الاقتصادية البريطانية منذ وصول مارغريت ثاتشر إلى السلطة قبل أربعين عاماً، والتي قادرت بريطانيا والعالم باتجاه اللبرالية الجديدة.
 
سوف يسعى كوربين إلى التراجع عما أحدثته ثاتشر من تغييرات، فقد تعهد بأن يعيد الكيانات الاجتماعية والاقتصادية للديمقراطية الاجتماعية التي حددت هوية كثير من بلدان أوروبا الغربية عندما كان هو اشتراكياً في مقتبل العمر. وهذا سيشمل الاستيلاء على عشرة بالمائة من أسهم الشركات الكبيرة ومنحها للعاملين فيها وإعادة تأميم القطاعات الهامة. من الجدير بالملاحظة أن بعض سياساته، مثل إعادة تأميم السكك الحديدية، تحظى بشعبية أكبر بكثير مما يظن بعض نقاده.
 
ليس كوربين شيوعياً كما يؤكد بعض خصومه، وأكرر ليس شيوعياً، ولكنه بكل تأكيد يعد بإجراءات ضخمة لإعادة توزيع الثروة ونقلها من الأثرياء إلى الفقراء ومن أرباب العمل إلى العمال. كما يعد أيضاً بإحداث تغيير جوهري في نمط السياسية الخارجية البريطانية من خلال إعادة النظر في التحالف القديم القائم بين بريطانيا والولايات المتحدة.
 

إلا أن فرص كوربين في النجاح ضئيلة، فحزب العمال الذي يتزعمه والذي يعاني من الانقسام يراوح عند مستوى عشر نقاط دون حزب المحافظين في معظم استطلاعات الرأي، مما يعني أن جونسون في وضع يؤهله لأن يحقق أغلبية حاسمة تمكنه من البقاء في السلطة لخمسة أعوام قادمة وتمنحه الصلاحية التي يتعطش لها لكي يخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.


التصويت التكتيكي
 
ومع ذلك سوف يكون من الصعب التنبؤ بنتيجة هذه الانتخابات بسبب عامل البريكسيت، فبعض الناس سوف ينتخبون لأسباب تكتيكية أملاً في هندسة النتيجة التي يفضلونها، هذا في الوقت الذي يسود الانتماء إلى الأحزاب حالة من الارتخاء والسيولة. وفي المحصلة، نشهد بأم أعيننا إعادة تشكل السياسة في بريطانيا.
 
ويبدو من المؤكد أن حزب الأحرار الديمقراطيين سيكون أداؤه قوياً نظراً لموقفه الذي لا لبس فيه كحزب يتمسك ببقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي. ومن المحتمل أن يكتسح الحزب القومي الاسكتلندي فلا يبقي للمحافظين مقعداً واحداً في المناطق الواقعة شمال الحدود.
 
يعتقد السير جون كيرتيس، وهو أحد كبار مستطلعي الرأي في بريطانيا، إن "التوقع الأكثر احتمالاً" هو أن البرلمان القادم سيحتوي على عدد غير مسبوق من النواب الذين لا ينتمون لا إلى حزب المحافظين ولا إلى حزب العمال.
 

ونظراً لذلك فسوف تكون المعركة حامية الوطيس وسوف نواجه لا محالة واحدة من أشد الحملات الانتخابية قسوة في التاريخ المعاصر.


يبدو أن قطاعات ضخمة من حزب المحافظين الذي يقوده الآن بوريس جونسون قد وقعت في شباك حملة التصويت لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي، وهي الحملة التي ضللت الجمهور البريطاني وانتهكت قانون الانتخابات في عام 2016. فقد ادعت الحملة بكل خبث أن بريطانيا كانت تدفع للاتحاد الأوروبي 350 مليون جنيه (أي مع يعادل 453 مليون دولار) أسبوعياً رغم أن الرقم الحقيقي بعد الخصومات لم يكن يتجاوز 267 مليون جنيه أسبوعياً.
 
ورقة معاداة المسلمين
 
وكانت هناك كذبة أخرى عبرت عنها إحدى اللوحات التي جاء فيها: "تركيا التي تعداد سكانها 76 مليون نسمة تنضم إلى الاتحاد الأوروبي." مرت ثلاثة أعوام، ومازالت تركيا تنتظر البت في موضوع طلبها الانضمام للاتحاد الأوروبي ولا يبدو أنها اقتربت من تحقيق ذلك.
 
ويذكر في هذا الصدد أن الحملة ألزمت من قبل هيئة الانتخابات بدفع غرامة مقدارها 61 ألف جنيه إسترليني (أي ما يعادل 79 ألف دولار) بسبب تجاوزها لحدود الانفاق المقررة.
 
يمكن للمرء أن يتوقع المزيد من مثل هذه الافتراءات، حيث سيتم تصوير كوربين على أنه معاد للسامية وعلى أنه شيوعي عقد العزم على تدمير بريطانيا.
 
وإذا ما أخذنا التاريخ الماضي بالاعتبار، من المتوقع أن يلجأ حزب المحافظين بزعامة جونسون إلى لعب ورقة معاداة المسلمين، فيستغل الخوف من الإسلام ومن الهجرة الجماعية لتحقيق مكاسب انتخابية. ولقد وجدنا دليلاً مبكراً على ذلك من خلال ما صدر في عدد أخير من مجلة سبيكتاتور، التي نشرت مقالة للصحفي المتحامل بشدة رود ليدل، طالب فيه بحرمان المسلمين من حق الانتخاب.
 
سوف يقدم المحافظون أنفسهم على أنهم حزب وسطي معتدل مقارنة بحزب العمال المتطرف يسارياً تحت زعامة كوربين. وهذا تضليل أيضاً.
 
بل إن حزب المحافظين هو الذي تحول في عهد جونسون إلى شيء غير مريح ولا يختلف كثيراً عن الحزب القومي الإنجليزي، حيث شن سلسلة من الهجمات البشعة على النظام الديمقراطي البرلماني وعلى مبدأ سيادة القانون.
 
المعارضة المنقسمة
 
وهذا واحد من الأسباب التي جعلتنا نرى مغادرة الحزب من قبل عدد من المحافظين التقليديين بمن فيهم آمبر راد وكين كلارك وروري ستيورات وفيليب هاموند ودومينيك غريف وأوليفر ليتوين وجاستين غريننغ، وغيرهم.
 
لم يعد حزب المحافظين الممثل للأمة الواحدة موجوداً، فقد كسب اليمين المتطرف المعركة المحتدمة داخل حزب المحافظين، فهل بإمكان الحزب الآن الفوز بالانتخابات؟ تدل المؤشرات على أن ذلك في إمكانه.
 
وما ذلك إلا بسبب انقسام المعارضة. إن أفضل طريقة للتصدي لجونسون هي إبرام تحالف انتخابي بين العمال والأحرار الديمقراطيين.
 
لن يشجع على مثل هذا الترتيب لا كوربين ولا زعيمة حزب الأحرار الديمقراطيين جو سوينسون. في نفس الوقت يواجه بوريس جونسون تهديداً من قبل حزب بريكسيت على يمين الطيف السياسي.
 
نمر بأوقات مقلقة وخطيرة. ولكن لدى بريطانيا تاريخ حافل بالديمقراطية والحرية والنزاهة والتسامح والحنو على المستضعفين. لربما آن لنا أن نستذكر ذلك.
 
(عن موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، مترجم خصيصا لـ"عربي21")

 
التعليقات (0)