مقالات مختارة

العراق ولبنان والطائفية ونظام المحاصصة السياسية

محمد صالح المسفر
1300x600
1300x600

عام 2003 العام الأسود في تاريخ الوطن العربي منذ النصف الثاني من القرن الماضي، إنه عام الفاجعة الكبرى في تاريخ العروبة والإسلام، لا أحسب أن في تاريخ أمتنا عاما يدانيه تجزئة وانحلالا وخرابا ودمارا وذلا وهوانا وفرقة وانكسارا.

منذ ذلك التاريخ الأسود نعيش نحن العرب فترة رهيبة من التمزق والفوضى والشحناء والبغضاء، ومنذ ذلك التاريخ والملوك والأمراء والرؤساء العرب يصارع بعضهم بعضا بالدسائس والمكائد والكذب تارة، والتناحر تارة أخرى، والشعب العربي هو الضحية.

ذلك العام، الذي تم فيه احتلال القطر العراقي الشقيق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وتحت نفوذ الاحتلال وجبروته فرض على العراق الشقيق حكومة عميلة سميت "مجلس الحكم الانتقالي" الذي شكلته إدارة الاحتلال الأمريكية، وقد شكل ذلك المجلس على أسس طائفية ومحاصصة أثنية. كانوا جميعا من عملاء أمريكا الذين شكلتهم قبل الاحتلال لتقديم معلومات، وتزوير حقائق عن العراق؛ بهدف استعداء العالم على النظام السياسي القائم قبل الاحتلال.

نصب المحتلون الأمريكيون إبراهيم الجعفري من حزب الدعوة طائفي النزعة والموالي لإيران كأول رئيس لمجلس الحكم. لقد تم نهب العراق تحت رايات اللصوص القادمين مع الدبابات الأمريكية لاحتلال العراق وتنصيبهم حكاما عليه. سرقت المتاحف التي تحتوي الذاكرة التاريخية للعراق إلى ما قبل 6000 سنة قبل الميلاد في عهدهم، وبلغ عدد القطع النادرة المنهوبة من المتحف الوطني العراقي أكثر من 170 ألف قطعة أثرية، وسرقت المكتبات والمخطوطات التاريخية.

في مجال سرقة المعدات العسكرية والذخائر من معسكرات الجيش العراقي، بلغت آلاف الأطنان من جميع أنواع الأسلحة، بما في ذلك المخزون من اليورانيوم المستخدم في مركز الأبحاث الوطني المخصص للأغراض السلمية، وسرب إلى خارج الحدود، والبعض يؤكد أن تلك السرقات ونهب مخازن الجيش العراقي قد تم إيصالها إلى دولة عدوة للعراق. سرق البنك المركزي وسائر البنوك الأخرى طبعا الذين قاموا بتلك السرقات هم اللصوص الذين أتوا مع القوات الأمريكية والبريطانية مما يعرف في ذلك الزمان "بالمعارضة العراقية" أي معارضي الحكم بقيادة صدام حسين رحمه الله، أي الذين نصبوا حكاما على العراق فيما بعد.

ما يحدث في العراق اليوم هو نتيجة حتمية للمقدمات التي ادخلها المحتل وفرض جحافل اللصوص ومكنهم من عصب الدولة العراقية ومؤسساتها ورسم دستورها. يا للهول لما يقول به أعداء العراق بالداخل والخارج عن ثورة أهلنا في جنوب بلاد الرافدين وواسطة وبغداد وما حولها! معلوم أن جل سكان جنوب العراق وواسطة من إخواننا اتباع المذهب الاثني عشري، وهم اليوم وقود الثورة الشعبية في العراق على الفساد والرذيلة والاستبداد وسرقة المال العام.

ماذا ينعتهم أولئك المعممون الذين قالوا عنهم "انهم شيعة أمريكا" ولا غرابة أن تصدر هذه التسمية من بعض المرجعيات الشيعية، لأن الثورة في العراق هي ضد الذين استولوا على النظام السياسي في العراق وضد كل من ناصرهم وشد من أزرهم من خارج الحدود. لكن عندما أتى هؤلاء مع طلائع قوى الاحتلال عام 2003 من خارج الحدود وفي حمايتهم لم يقل عنهم ما يقال اليوم بأنهم "شيعة أمريكا".

اذكر أهلنا في العراق وفي كل أرجاء الوطن العربي عندما وقف أهلنا في الأنبار والموصل وأماكن أخرى من العراق تحديدا في الأعوام الماضية ضد الاستبداد والجرائم التي شنت على أهلنا في تلك المنطقة من قبل "قادة مجلس الحكم" ومن بعده حكومة المحاصصة الطائفية، حرب ضروس، قتل وتدمير وتعذيب وتهجير وغير ذلك، تحت شعار محاربة التكفيريين والدواعش والنواصب وأسماء وألقاب لا حصر لها، واليوم بنفس المكيال يكيلون لأهلنا في جنوب العراق وواسطة.

ما أريد قوله أن علينا جميعا نصرة العراق الأبي ليعود إلى حضن الأمة العربية بعد أن اختطف من قبل مليشيات وقيادات حاقدة باغية. أن تغيير النظام ضرورة وطنية عراقية ابتداء، لأن إسقاط النظام عندي هو إسقاط نظام المحاصصة السياسية وإلغاء الطائفية وامتيازاتها ليعود العراق لكل العراقيين بكل مللهم ونحلهم. انصروا العراق وشعبه يا عرب ينصركم الله.

لبنان أيضا تسلطت عليه قوى وتمكنت من مفاصل صنع القرار فيه، البعض يذهب به إلى جهة هنا أو هناك، ساسته معظمهم للإيجار لمن يدفع ثمنا اعلى. بالأمس وقف رئيس الجمهورية يحيي أنصاره الذين رفعوا شعار حزبه وإعلامه، وعلم الدولة اللبنانية في المؤخرة البعيدة. منعت إدارة رئيس الجمهورية الجماهير اللبنانية بكل طوائفها من الوصول أو حتى الاقتراب من رحاب القصر الجمهوري، لكنه لم يمنع "متظاهري الحزب الوطني الحر" الذي ينتمي له مع صهره وزير خارجية لبنان جبران باسيل.

المظاهرة التي سارت قاصدة القصر الجمهوري وطرقاته كانت من اجل شخص الرئيس وحزبه وأنصارهم من الطوائف الأخرى. بينما مظاهرات الساحات وحشودها الجماهيرية في كل مدن لبنان كانت من اجل لبنان كله لا من اجل حزب أو طائفة، اليوم حزب الرئيس وصهره باسيل يحتل ساحات وحواري وشوارع، وغدا حزب الله وجماهيره إلى مصارف لبنان وساحاتها، وكذلك امل وأنصارها ويذهب لبنان كله إلى فوضى لا سراة لها.

المطلوب من جميع الأحزاب الطائفية والجهوية في لبنان أن تجعل مصلحة لبنان فوق مصالح أحزابهم وحصصهم من الوظائف العامة والمشاريع الكبرى. الساحات التي اكتظت بالجماهير اللبنانية أولا كانت كلها عابرة للطائفية كلها تردد أناشيد لبنان وترفع أعلامه وتدعو إلى القضاء على الفساد والمفسدين وإنهاء نظام الطوائف وحصصها من إدارة الدولة كلهم يدعون إلى لبنان حرا مستقلا كامل السيادة ولم يقل أحد بإلغاء المقاومة أو المساس بها في كل شعاراتهم.

آخر القول: سمعنا كلاما جميلا من قيادات لبنانية وعراقية مرموقة، لكن ينطبق عليهم قول الحق "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام" تحية لشعب لبنان، وكذلك للشعب العراقي الأبي.

(الشرق القطرية)

0
التعليقات (0)