كتب

تاريخ الصراع مع اللوبي الفرنكفوني في المغرب حول لغة التدريس

كتاب يؤرخ لمسار الصراع حول لغة التدريس في محطات مختلفة من تاريخ المغرب، (عربي21)
كتاب يؤرخ لمسار الصراع حول لغة التدريس في محطات مختلفة من تاريخ المغرب، (عربي21)

الكتاب: كفاح وطني من أجل لغة التعليم من 1920 إلى 2019
(تاريخ المعركة بين التعريب والفرنسة بالمغرب)
المؤلف: حماد القباج
الناشر: مركز بلعربي العلوي للدراسات التاريخية
الطبعة الأولى 2019
عدد الصحفات: 347

يأتي هذا الكتاب في سياق في الجدل الحاد حول لغة التدريس في المغرب، ولجوء مكونات عديدة من مناصري اللغة العربية إلى تشكيل جبهة واسعة لإسقاط سياسة فرنسة التعليم التي أقرها القانون الإطار الذي صودق عليه في البرلمان الصيف الماضي.

حفريات نادرة

ويهدف الكتاب، من جملة ما يهدف، إلى التأريخ لمسار الصراع حول لغة التدريس في محطات مختلفة من تاريخ المغرب، وذلك منذ الاستعمار، حيث نجح المؤلف، حماد القباج، في تجميع حفريات نادرة من المواقف والكتابات والمعارك التي خيضت في المغرب ضد اللوبي الفرنكفوني المسيطر على التعليم، وذلك من خلال استعراض التاريخ السياسي في المغرب، واستعراض مواقف النخب الحية للأمة، وزعمائها الكبار من أمثال علال الفاسي وعبد الله كنون، والرحالي الفاروق وعبد اللطيف جسوس وغيرهم، ورصد تاريخ الصراع بين التعريب والفرنسة، والاستراتيجية التي تبنتها الحركة الوطنية من أجل مواجهة اللوبي الفرنكفوني الساعي إلى فرنسة التعليم في المغرب، كما يجتهد الكتاب في رصد وتحليل تاريخ إصلاح منظومة التربية والتكوين والخلفيات التي حكمت كل إصلاح على حدة، ناهيك عن الصراعات التي أثيرت بهذا الخصوص، ومواقف نخب الأمة وعلمائها منها.

مواقف الزعماء والعلماء المناصرة للتعريب
 
يفتتح حماد لقباج مؤلفه بفصل اختار فيه أن  يعيد التذكير بمواقف زعماء الأمة وعلمائها ونخبها الحية في مواجهة مشروع الفرنسة التي كان الاستعمار الفرنسي يقف وراءه، فاستعرض بهذا الخصوص مقالات نادرة لزعيم الحركة الوطنية المغربية علال الفاسي، كتبت في سياقات زمنية مختلفة، وفي كتب ومظان متعددة، وذلك مثل مقاله الشهير الذي نشر في كتابه النقد الذاتي" لغة التعليم" سنة 1952، أو مقاله "فرنسة ما كان عربيا"، الذي نشر سنة 1956، ثم مقالة "تقدم إلى الوراء" التي كتبها علال الفاسي سنة 1956، ينتقد فيها محاولة اعتماد الفرنسية كلغة للتدريس. 

كما استعرض في هذا الفصل، ستة مقالات نادرة للعلامة الرحالي الفاروق ينتقد فيها بقوة محاولة تراجع الدولة عن التعريب منها "متى نؤمن بالعربية ومتى يقوم التعريب؟"، وذلك سنة 1962، و"سياسة التعريب لا تسير تحت راية القرآن" 1964، ومقاله "التعريب ومقتضياته" 1970، و"اللغة العربية في محنة شاملة" 1971، ومقاله "إهمال اللغة.. التعريب تشجيع على الفساد والتخريب" 1973، ومقاله الجريء: "اللغة العربية هي لغتنا الطبيعية واللغة الرسمية". 

 

يبرز الكتاب دور الحركة الوطنية من خلال تأسيسها للمدارس العربية الإسلامية الحرة، وتأكيدها على الطابع الرسالي في منظومتها التربوية.


كما يحفر حماد القباج في تراث صاحب "النبوغ المغربي" الشيخ العلامة عبد الله كنون، فيثبت له مقالات قوية في مواجهة اللوبي الفرنكفوني، منها "العربية لغة حية" 1978، و"اللغات بأممها"، ولا يغفل المؤلف مواقف أحد زعماء الحركة الوطنية المغربية، أبو بكر القادري من خلال مقاله الشهير"إصلاح التعليم ولغة التلقين"، وأيضا مواقف أحد أجرأ العلماء في المغرب، الشيخ عبد اللطيف جسوس، الذي انتقد بقوة "سياسات الحاكمين في مناهج التعليم" محاكمة سياسة ازدواجية لغة التعليم" معتبرا إياها من مخططات الاستعمار، ومحذرا من مكرها في مقاله الشهير: "مكر ازدواجية التعليم".

وقد حاول المؤلف حماد القباج في هذا الفصل وصل القديم بالجديد، من خلال استعراض مواقف معاصرين، من مفكرين وعلماء ومثقفين ولسانيين، بدءا بذكر مواقف الدكتور محمد عابد الجابري رحمه الله، ومرورا بمواقف الدكتور أحمد الريسوني، ومحمد مصطفى القباج، وعبد القادر الفاسي الفهري، وعبد العلي الودغيري وغيرهم.

مواقف الشرف في مواجهة فرنسة التعليم بالمغرب

بعد الحفر في مواقف كتابات زعماء وعلماء من رواد الحركة الوطنية، انتقل المؤلف في الفصل الثاني، إلى تقديم جهد توثيقي نوعي، حاول فيه تجميع عدد مهم من الوثائق التي تعكس مواقف العلماء والحركة الوطنية من سياسة الفرنسة، وكل ما يتعلق بلغة التدريس، وذلك منذ البدايات الأولى للحركة الوطنية، فسجل وثيقة نادرة صدرت عن مؤتمر اتحاد جمعيات قدماء التلاميذ المغاربة 1934، ووثائق صادرة عن مؤتمرات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ما بين سنة 1956 وسنة 1963، بالإضافة إلى وثائق صادرة عن رابطة علماء المغرب، تتضمن توصيات قوية بمواجهة اللوبي الفرنكفوني في مسعاه لفرض الفرنسة، سواء في مؤتمرها الأول 1960، أو الثاني 1964، أو الثالث 1968، أو الرابع 1971، أو الخامس 1975، أو السادس 1977، أو السابع 1979، أو الثامن 1981، أو التاسع 1984، أو العاشر 1987، أو من خلال بعض رسائلها ومذكراتها الموجهة لوزراء التربية الوطنية كما هو الشأن في مذكرة 1978، أو مذكرة رفض مشروع المسالك المزدوجة 1996. كما تضمنت هذه الوثائق، بيانات حديثة، تؤرخ لمواقف بعض نخب الأمة من القانون الإطار الذي أقر في تموز ( يوليو) 2019.

الحركة الوطنية.. مسار في مواجهة الفرنسة

يعتبر الفصل الثالث المخصص للدراسات والتقارير من أنفس فصول الكتاب، بحكم أنه حاول التأريخ التفصيلي لمسار الحركة الوطنية في مواجهتها لمخطط الفرنسة، إذ استعرض الفصل أولا حالة التعليم في المغرب ما بين 1912 و1933، وكيف كانت فرنسا تحاول من خلال مخططاتها الاستعمارية فرنسة التعليم وإلحاقه بالكامل بالمنظومة التربوية الفرنسية، وضيقها الشديد بالمدارس الحرة التي كانت محدودة في العدد قبل نشأة الحركة الوطنية وتنظيمها، لتأتي فترة 1933 ـ 1959، ويبرز دور الحركة الوطنية من خلال تأسيسها للمدارس العربية الإسلامية الحرة، وتأكيدها على الطابع الرسالي في منظومتها التربوية. 

 

استعرض المؤلف جانبا من المعارك الأولى للدفاع عن تعريب التعليم بعد الاستقلال، والمشاريع التي لحقت مرحلة الستينيات، وبشكل خاص جهود حزب الاستقلال في إقرار تعريب التعليم.


ويتوقف الكتاب على مختلف سياسات الإقصاء التي انتهجها الاستعمار الفرنسي في مواجهة هذه المؤسسات والتضييق عليها والأزمة التي تسببت فيها هذه السياسات سنة 1944، وكيف بادرت الحركة الوطنية لاستغلال الظروف السياسية الجديدة، لتوسيع نطاق هذه المؤسسات وتكثيف فعاليتها ما بين 1946 و1950، وكيف توجهت الحركة الوطنية إلى اعتماد اللغة العربية في تدريس المواد العلمية مع الاهتمام بتقوية اللغات الأجنبية والانفتاح عليها. 

وقد حرص المؤلف، بالإضافة إلى الجهد التوثيقي والتأريخي في هذا الفصل، أن يتوقف على فلسفة الحركة الوطنية في إدارتها للمدارس الحرة، وكيف انطلقت مبكرا في تأصيل المبادئ المؤطرة للمنظومة التربوية، مركزة في ذلك على مبدأ التعريب والتوحيد والمغربة والتعميم والمجانية. واستعرض المؤلف جانبا من المعارك الأولى للدفاع عن تعريب التعليم بعد الاستقلال، والمشاريع التي لحقت مرحلة الستينيات، وبشكل خاص جهود حزب الاستقلال في إقرار تعريب التعليم. 

كما قدم هذا الفصل أيضا حفريات تاريخية أخرى تخص إصلاح المنظومة التربوية وذلك في الفترة الممتدة بين 1956 ـ 2001 وذلك في خمس مراحل أساسية، مثلت الأولى مرحلة الشعارات والتحمس للتعريب، فيما توجهت الثانية لتبني نهج الواقعية من خلال التطبيق الهادئ والمتدرج للتعريب، لتوصم الثالثة بالتراجع عن التعريب، ثم العودة إليه في المرحلة الخامسة، ثم إقفال ملف التعريب في المرحلة الخامسة، لينطلق صراع اجتماعي وسياسي في المغرب حول تعريب لغة التدريس في المغرب.

ويستعرض الكتاب مواقف دعاة التعريب، كما مواقف مناهضيه. كما يتضمن هذا الفصل الثري دراسات حول لغة التدريس وتدريس اللغات في المغرب، والآثار البيداغوجية لسياسة الازدواجية التي اعتمدتها المنظومة التربوية. كما يستعرض محطات فاصلة في مسار التراجع الأخير عن التعريب، وإقرار فرنسة التعليم، والخلفيات التي حكمت بعض المواقف التي كانت تسعى لوضع حد لمسار التعريب، فضلا عن مواقف بعض الشخصيات مثل المرحوم عبد الله بها، التي حاولت بذكاء مواجهة سياسات الفرنسة.
 
كتاب في الحفاظ على الذاكرة

مع أن الكتاب تضمن وثائق وحفريات تاريخية مهمة لا يستغني عنها الباحث في الشأن التربوي والتعليمي في المغرب لاسيما قضية لغة التدريس، فإن المؤلف حماد القباج، أراد أن يضيف لأهداف كتابه بعدا تحسيسيا تعبويا، إذ لا يخفي في مقدمة كتابه، أن القصد من التأليف هو الإسهام في المحافظة على الذاكرة الوطنية في قضية لغة التدريس، والتحسيس بأهميتها البالغة المرتبطة بكرامة المواطن وتحرر الوطن وسيادته السياسية وتنميته الاقتصادية. 

ويرى المؤلف أن هذه الحاجة للتوعية تتأكد في ظل كون أبعاد القضية وآثارها السلبية غير مرئية في المنظور القريب الذي يهيمن على رؤية المواطن العادي، وكون الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والمضامين التعليمية والإعلامية المرتبطة بالموضوع تسهم في التغطية على بعدها الاستراتيجي الذي لا تتجلى آثاره المدمرة لكيان الدولة والمجتمع إلا بعد فوات الأوان.

التعليقات (0)

خبر عاجل