أخبار ثقافية

قصة ذيل.. خلطة الفنتازيا والكوميديا في فيلم علم الحيوان

فيلم روسي يخلط الفنتازيا بالكوميديا السوداء بالواقعية النقدية لإدانة الظواهر السلبية بالمجتمع
فيلم روسي يخلط الفنتازيا بالكوميديا السوداء بالواقعية النقدية لإدانة الظواهر السلبية بالمجتمع

‏ضمن نشاطه الشهري، عرض نادي السينما العراقي بلندن مطلع أيلول (سبتمبر) الجاري الفيلم الروسي ‏‏"علم الحيوان" (‏Zoology‏). الفيلم للمخرج الروسي الشاب إيفان تفردوفسكي، وهو أحد المخرجين الذين باتوا يعدون ضمن الموجة الجديدة في السينما ‏الروسية. وهذا الفيلم هو فيلمه الثاني الذي أنتج عام 2016 وحظي بتقدير ‏نقدي وجماهيري جيد عند مشاركته بعدد من المهرجانات العالمية.‏

‏يحكي الفيلم قصة ناتاشا؛ امراة في منتصف العمر تعمل في وظيفة إدارية في حديقة حيوان، وتعيش حياة رتيبة في مدينة ‏روسية ساحلية صغيرة، تعاني من تنمر كل المحيطين بها من زميلات العمل دون وجود مبرر منطقي لذلك.. فجأة تبدأ معاناتها من أعراض أمراض غريبة لا تعرف ماهيتها أو سببها، لتنقلب حياتها رأسا على عقب عندما تكتشف ظهور ذيل في أسفل ظهرها. 

 



‏حبكة الفيلم قائمة على خلط الفنتازيا بالكوميديا السوداء بالواقعية النقدية التي تفكك معطيات المجتمع لتدين الكثير من ظواهره السلبية. المخرج إيفان تفردوفسكي كتب قصة الفيلم وقام بإخراجه، وقام ببطولة الفيلم ماشا توكاريفا، وألكسندر غورشيلين، ‏وناتاليا بافلينكوفا.‏

تيمة الفيلم تقوم على مفارقة غرائبية، أو بدقة أكبر فنتازية، إذ تعيش الشخصية الرئيسية في الفيلم ناتاشا (لعبت الدور الممثلة ناتاليا بافلينكوفا) حياتها الكئيبة مع أم عجوز، كثيرة الشكوى، تؤمن بالخرافات، وتنقل إشاعات نسوة الحي دون ملل في كل جلسة مسائية مع ابنتها العائدة وهي محبطة من عملها الممل في حديقة الحيوان. الملل يحيط بكل تفاصيل حياة ناتاشا، ‏إذ إنها لا تشعر بالمتعة إلا حين تتجول في حديقة الحيوان بين أقفاص الحيوانات بعد ساعات العمل، لذا باتت تحظى بعلاقة خاصة، وتكاد تكون سرية مع حيوانات الحديقة الذين تطعمهم بيدها، وتتكلم معهم بطريقة توحي بالقرب العاطفي من هذه الكائنات التي يفترض أنها وحشية أو غير أليفة، مع مفارقة مهمة يشير لها الفيلم، وهي علاقة ناتاشا المتوترة مع الحيوانات الأليفة، فهي تصاب بحالة رعب عندما تضع لها زميلتها فئران في درج مكتبها، كذلك علاقتها السطحية مع القط الذي تربيه الأم والذي لم يظهر في الفيلم، وإنما نسمع صوت موائه وشكواه في عدة لقطات لأنه دائما كان محبوسا في غرفة أخرى لأنه يعاني من الخرف ومن الشيخوخة، وعندما يموت تضعه ناتاشا في علبة حذاء كارتونية مع بضعة وردات وترميه في صندوق القمامة.

كما يحيلنا الفيلم إلى مقارنة علاقة ناتاشا بالحيوانات البرية وحبها لهم، وعلاقتها ‏بزميلاتها في العمل ونفورها من سلوكهن الصبياني المتسم بالزعرنة الشبيهة بسلوك طالبات الثانوية المراهقات بالرغم من كونهن نساء ‏ناضجات، هذه العلاقة المتوترة، ‏مختلطة بأزمة منتصف العمر، والآلام الجسدية التي تعاني منها ناتشا، والروتين القاتل لعمل المؤسسات الصحية الذي لايقدم لها حلا، وعجز الكنيسة عن مد يد العون لها، كل ذلك يرسم التطور اللاحق للشخصية عندما ‏تكتشف ذات يوم أن آلام أسفل الظهر التي تعاني منها هي أعراض نمو ذيل كبير في نهاية عمودها الفقري والذي يقف الطب حائرا أمام تفسيره.‏

 



ظهور الذيل كان أشبه بعلامة، أو إشارة للانقلاب الذي طرأ على حياة ناتاشا، فهي عبر تعاملها اليومي مع (هذا الشيء) تسخر من ‏معتقدات أهل المدينة الذين يتناقلون الحكايات حول المرأة الشريرة التي أرسلها الشيطان لنشر الشر والموت في المدينة، والتي بحسب خرافات الأهالي، من علاماتها امتلاكها لذيل، في ‏دلالة رمزية على الشر أو الشيطنة. 

وكذلك يمكننا قراءة إحالة الفيلم لتيمة كسر علامات الجمال التي يمكن أن تحنط في قيم جسدية محددة، وهذا ما يمكن قراءته في مشهد ناتاشا وهي ترقص بملابس البالية أمام المرآة وهي فخورة بذيلها، ‏كل تلك المعطيات ما كانت لتظهر أو تترسخ لولا ظهور شخصية طبيب الأشعة الشاب الدكتور بيتر (لعب الدور الممثل ديمتري ‏جروشيف)‏ الذي التقته ناتاشا في المستشفى عندما ‏كانت تحاول أن تصل إلى حل طبي لمشكلتها. إذ تبدأ حياتها بالإيناع وتعود لها الحيوية وحب الحياة، وتعيش نوعا من قفزة مرتدة مما كانت تعيشه كبداية خريف عمرها إلى ربيع لم تمر به نتيجة غرقها في روتين حياتها الممل.
 
كما يمكننا قراءة إشارات مختلطة وإحالات لرموز ونقد مركب طوال الفيلم، منها مثلا نقد الحياة الروتينية الكئيبة التي تعيشها ‏الطبقة الوسطى الروسية في ظل الوظائف الحكومية التافهة، وتصحر الحياة العاطفية لناس يعيشون في مدن كابية كئيبة. كما يقدم الفيلم نقدا قائما على السخرية من ظاهرة انتشار ‏الأوهام الدينية، وبالرغم من لجوء ناتاشا إلى الكنيسة ورجل الدين في بداية أزمتها، إلا أن الكنيسة ورجل الدين يقف عاجزا ويرفضها ولا يسمح لها حتى بالتناول أو سماع اعترافها.

كما يشير إيفان تفردوفسكي إلى تنمر المجتمع تجاه المختلف، دون أن يقدم هذا المجتمع سببا منطقيا لهذا السوك المخجل، لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه المأساة، المتمثلة بظهور هذا الذيل الكبير والغريب واللاعقلاني كان له جانب أخر  هو الجانب الإيروتيكي، إذ لعب هذا الذيل دورا إيروتيكيا ‏واضحا في مشهد حوض الاستحمام، وكذلك في الوصول إلى النتيجة الصادمة في مشهد العلاقة الحميمة بين ناتاشا وبيتر عندما تكتشف ميوله ‏الجنسية غير المتوقعة، لتصاب بعدها بخيبة أمل تنهي فرحتها أو ربيعها المتخيل وحيويتها التي تمتعت بها لمدة قصيرة.‏

 


أشار أحد النقاد ممن تناولوا الفيلم بالتحليل إلى نقطة مفادها؛" يجب أن تكون روسيا لتشعر بالجرعات النقدية والرؤية ‏السوداوية الرمزية التي قدمها المخرج تفيرودوفيسكي في فيلمه زوولوجي". فالغوص في تفاصيل الحياة الروسية اليومية مثل المحرك الأساس لاعمال هذا المخرج الشاب الذي ولد عام 1988 في موسكو، ودرس السينما في معهد جراسيوف للسينما ‏(‏VGIK‏)‏ وتخرج عام 2011 . أنجز بعض الأفلام القصيرة في بداية حياته ‏العملية، منها؛ كما ‏لو كانت تنتظر حافلة (2009)، بيانو (2012)، كلب الفضاء (‏‏2013). 

أما فيلمه الطويل الأول فقد كان ‏بعنوان صف تقييمي (2014)، وهو مستوحى من رواية تحمل نفس ‏الإسم، كتبتها عالمة النفس إيكاترينا ‏موراشوفا، ويحكي قصة فتاة شجاعة من ذوي الاحتياجات الخاصة، تقضي عدة ‏سنوات في الدراسة في المنزل، وتحرص على العودة إلى المدرسة العادية، فيتم وضعها في (صف تقييمي) ‏للتلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يتعين عليهم تقديم أنفسهم أمام لجنة مدرسية في نهاية العام ‏لإثبات أنهم يستحقون العودة إلى فصل مدرسي "عادي". وتعاني أثناء ذلك من تعامل المدرسين ‏وإهمالهم، لكن علاقتها العاطفية مع أحد زملائها يشكل حافزا لها لتجاوز الصعوبات. 

ومن هذا الفيلم يمكن أن نلاحظ تيمات إيفان ‏تفردوفسكي التي ركز عليها في فيلمه الثاني، علم الحيوان "زوولوجي" الذي أنتج عام 2016، والذي حصل على جائزة ‏لجنة ‏التحكيم الخاصة في مهرجان ‏Karlovy Vary IFF‏. أما آخر أفلامه فهو  فيلم (‏JUMPMAN‏ ) الذي ‏أنتج عام ‏‏2018 ومازال يشارك في مهرجانات سينمائية عالمية مختلفة.‏

كما تجدر الإشارة إلى استخدام إيفان تفردوفسكي، تكنيكا في تصوير ‏فيلمه علم الحيوان، إذ كانت الكاميرا مستقرة رتيبة في بدايات الفيلم في إشارة إلى رتابة حياة ناتاشا ومدينتها، لكنه يتحول مع اكتشاف ظهور الذيل إلى ما يمكن وصفها بالكاميرا الطافية المتحركة بطريقة توحي بالتذبذب وعدم الاستقرار، في إشارة إلى غرائبية ‏الحدث المحوري ولا عقلانيته.

وربما يمكننا قراءة علاقة البطلة بأصدقائها من حيوانات حديقة الحيوان التي تعمل ‏بها وميلها للتخلص من توتر مجتمعها الذي تعيش فيه عبر هذه الاستطالة الغريبة التي تنمو أسفل ‏ظهرها، وقد تمثل حميمة علاقات اللمس بيد ناتاشا للحيوانات الحبيسة في أقفاصها إشارة إلى محاولتها تخليص الحيوانات من سجنها، وعندما تعجز عن فعل ذلك تسعى إلى التحول إلى عالم الحيوانات بالرغم من كل ما يمكن أن يحمله ذلك من اتهامات بالشر ‏والخطر، لنبقى في النهاية أمام خطوة جريئة لم تكتمل ونهاية مفتوحة بأنتظار قرار ناتاشا بالتخلص من كل ‏هذه الرحلة المتعبة.‏

 

التعليقات (0)

خبر عاجل