قضايا وآراء

الاستيطان الصهيوني في محافظة أريحا والأغوار

عبد اللطيف خضر
قلم
قلم

تعهد رئيس حكومة دولة الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء الثلاثاء 10/9/2019 بإعلان السيادة الإسرائيلية على منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 17 من الشهر الجاري.

 

جاء هذا الاعلان منتهزا الدعم الأمريكي المطلق وسياسة الرئيس الأمريكي ترامب التي ترعى التطرف والاستيطان الصهيوني، كما يأتي إعلان ضم الأغوار في سياق الدعاية الانتخابية لحزب الليكود، وسعيه لكسب أصوات اليمين الإسرائيلي، واستمالة أصوات المستوطنين الصهاينة وسط تراجع شعبية نتنياهو وفق إستطلاعات الرأي الأخيرة.

 

تمتاز الأغوار بأهمية استراتيجية في الفكر الصهيوني من الناحية الأمنية والاقتصادية؛ حيث يعتبرها الصهاينة خط الدفاع الأول والجدار الشرقي لدولة الاحتلال كما يزعم قادة دولة الاحتلال، إلا أن احتلال الأغوار هو لدوافع اقتصادية بحتة؛ نظرا للمداخيل التي تجنيها إسرائيل عبر 34 مستوطنة أقامتها في الأغوار، تقدر الخسائر الفلسطينية بسبب سيطرة اسرائيل على الأغوار والمناطق المصنفة ج بنحو 3.4 مليارات دولار سنويا وفق تقرير البنك الدولي، فهي كنز الفلسطينيين المفقود الذي يمتاز بجودة أرضه ووفرة مياهه الجوفية.


تعتبر محافظة أريحا والأغوار منطقة استراتيجية مهمة، تشكل مع محافظة طوباس، غور فلسطين، تبلغ المساحة الاجمالية للأغوار وشمال البحر الميت 1.6 مليون دونم، وتشكل الأغوار ربع مساحة الضفة الغربية، كانت المنطقة هدفا للاحتلال والاستيطان الإسرائيلي منذ احتلال الضفة الغربية.

 

فقد تم بناء مجموعة كبيرة من المستوطنات ومعسكرات جيش الاحتلال الإسرائيلي، أتت على مساحات واسعة من أراضي الأغوار، خاصة بعد قرار الاحتلال الإسرائيلي فصل الأغوار، منذ عام 1967 والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، دون استثناء، تعتبر الأغوار من المناطق الحيوية للأمن والإقتصاد الإسرائيلي.

 

وقد انتهجت هذه الحكومات خططا متعددة تمثلت بمجموعة من الإجراءات لتهويد الأغوار، أهمها:

1.عزل الشريط الحدودي مع الأردن بعمق 1-5 كم وترحيل وتشريد 50 ألفا من الفلسطينيين.


2.عزل ومصادرة آلاف الدونمات الزراعية المحاذية للسياج الحدودي مع الأردن، بحجج أمنية؛ حيث كانت هذه الأراضي تشكل الملكية الوحيدة لآلاف العائلات من المزارعين الفلسطينيين.


3.مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة لصالح إقامة المستوطنات.


4.منع البناء والتطور العمراني في جميع القرى والبلدات الفلسطينية في الأغوار، وهدم أكثر من 698 وحدة سكنية خلال الفترة بين أعوام 2006-2017.


5.إغلاق آلاف الدونمات من المراعي أمام الماشية بعد إدراجها ضمن مناطق تدريب عسكري أو مناطق أمنية أو بيئية مغلقة.


6.انتهاج سياسة العزل على جميع الأغوار عن الجسم الفلسطيني؛ ومنع الدخول والخروج منها إلا في أوقات محددة، ولمن يحمل في بطاقته الشخصية عنوان الأغوار أو تصريح خاص.


7.تدمير السياحة وخاصة في أريحا والعوجا والمالح شمالا نتيجة المنع والإغلاق.


8. السيطرة على مصادر المياة  الجارية (نهر الأردن) والمياه الجوفية.


يبلغ عدد المستوطنات المقامة على أراضي محافظة أريحا والأغوار 24 مستوطنة، كما تنتشر فيها 7 بؤر استيطانية؛ بالإضافة إلى وجود تسعة عشر معسكرا وقواعد عسكرية ومناطق تدريب للجيش الإسرائيلي.

 

وتعتبر معظم المستوطنات التي تقع على أراضي محافظة أريحا والأغوار ذات طابع عسكري وزراعي، وتتبع المجلس الاستيطاني المعروف باسم "أرفوت هياردين" (وادي الأردن)، وبلغ عدد المستوطنين الذين يقطنون هذه المستوطنات حتى العام 2013 نحو 8968 مستوطنا.


المشاريع والمحاور الاستيطانية في محافظة أريحا والأغوار:
1.مشروع "آلون"
منذ الأيام الأولى للاحتلال، وضعت إسرائيل استراتيجيتها الأمنية والسياسية معتبرة نهر الأردن هو الحد الشرقي المحتمل لإسرائيل، هذه النظرية كانت بحاجة إلى تدعيم عملي، وطريقة لفرض الأمر الواقع، وفي هذا السياق جاء مشروع الوزير "يغئال آلون" في حكومة ليفي إشكول مشروعا استيطانيا، وخطة سياسية، حملت اسمه منذ 26/6/1967 – أي بعد أيام فقط من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967- تحت عنوان " مستقبل المناطق وطرق علاج موضوع اللاجئين".


2.مشروع العمود الفقري المزدوج:
وفقا للاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، تعتبر مستوطنات الخطوط المتوازية، أولى المستوطنات في المنطقة، حيث بنيت ضمن خط مستقيم، وهي:


أ‌.المستوطنات الموازية لنهر الأردن (مشروع آلون) التي تبدأ في مستوطنة محولا شمال الغور، ومستوطنة شديموت محولا تتصل بالخط المستقيم نفسه مع معسكر رويتم، ومستوطنة حمدات، ومستوطنة جلجال جنوبا، كل هذه المستوطنات تقع على خط موازٍ لنهر الأردن، ولا تبعد عنه أكثر من 5-10 كم فقط. 


ب‌.يقابل هذا الخط الاستيطاني خط موازٍ له، يشمل مستوطنات الظهير الداعمة لهذا الخط، وهي المستوطنات التي تعلو المنحدرات الشرقية لجبال نابلس وطوباس، تبدأ شمالا بمستوطنة روعي، ثم بقعوت المقامة على أراضي طمون، تتصل عبر شارع استيطاني يخترق الغور.


ت‌.يوازي هذا الخط الاستيطاني خط طولي آخر، يبدأ من الشمال بمستوطنة حومش (المخلاه حاليا)، يتصل مع مستوطنة شافي شمرون، ويصل عبر طريق التفافي مع مستوطنة قدوميم، التي تتصل عبر طريق آخر مع مستوطنة عمانوئيل، ينتهي هذا الخط في مستوطنة أرئيل.


المعسكرات والقواعد العسكرية الإسرائيلية:
منذ العام 1967  خصصت إسرائيل عدة مناطق في محافظة أريحا  والأغوار قواعد عسكرية إسرائيلية بزعم "حماية المستوطنات الإسرائيلية" والتي أصبحت عبر سنوات الاحتلال الإسرائيلي جزءا لا يتجزأ منها، وتحتل القواعد العسكرية الإسرائيلية اليوم ما مساحته (3962) دونما من المساحة الإجمالية لمحافظة أريحا والأغوار، وتجدر الإشارة إلى أن القواعد العسكرية الإسرائيلية قد أضافت المزيد من المعاناة على التجمعات الفلسطينية في الأغوار وأصبحت تمثل خطرا متصاعدا وتهديدا لحياة الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق المجاورة لها؛ فقد لقي العديد منهم حتفهم خلال الأنشطة العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي.


مناطق الألغام العسكرية الإسرائيلية:


قامت إسرائيل بتخصيص مناطق واسعة في محافظة أريحا والأغوار كمناطق ألغام؛ وتحتل اليوم ما ما نسبته 42% من المساحة الإجمالية لمحافظة أريحا والأغوار، حيث  تمتد على طول الحدود الشرقية، بدءا من مستوطنة أرجمان في أقصى شمال المحافظة، وحتى الشواطئ الشمالية للبحر الميت.


وتجدر الإشارة إلى أن منطقة الألغام في محافظة أريحا والأغوار، هي جزء من المناطق المصنفة "أراضي عسكرية مغلقة" في منطقة العزل الشرقية،  كما وتجدر الاشارة إلى أن الحكومة الإسرائيلية بدأت خلال العقد الماضي بتفكيك بعض مناطق الألغام التي زرعتها في منطقة غور الأردن، وسارعت بتسريب هذه المناطق إلى شركات إسرائيلية خاصة، بهدف استغلالها اقتصاديا وللبناء الاستيطاني.


السيطرة الإسرائيلية على المياه في محافظة أريحا والأغوار:


تتكون مصادر المياه المتجددة في محافظة أريحا والأغوار بشكل أساسي من المياه الجوفية، وتقع جميعها فوق الحوض الشرقي لخزانات المياه الجوفية في الضفة الغربية، وتقدر كمية المياه المنتجة وفق إحصائية عام 2010 نحو 25 مليون متر مكعب من الحوض الشرقي في محافظة أريحا والأغوار.


عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على السيطرة على مصادر المياه الجوفية، وقامت بفرض قيود على استخدام المياه من قبل الفلسطينيين، وفي حين لا يسمح للفلسطينيين بحفر آبار جديدة أو ترميم الآبار القديمة، تقوم قوات الاحتلال بمنح حق احتكار لصالح "شركة ميكوروت" الإسرائيلية لحفر آبار ضخمة على أحواض المياه الجوفية، واستخراج كميات كبيرة من المياه، وضخ الجزء الأكبر من المياه لصالح المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية المقامة على أراضي الضفة الغربية وبيعها للمستوطنات بأسعار زهيدة، بينما يضطر الفلسطينيون إلى شراء المياه من "شركة ميكوروت"  بأسعار باهظة.


بالإضافة إلى ما ذكر، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ احتلالها للضفة الغربية في العام 1967، بعزل وتدمير 162 مشروعا للري تقع بمحاذاة ما يعرف بخط رقم (90) بمزاعم أمنية؛ ما أدى إلى حرمان الفلسطينيين من مصدر عيشهم الوحيد (الزراعة)، ومنعت الأهالي الفلسطينيين من تحديث وتطوير هذه الآبار، بالإضافة إلى حرمان الفلسطينيين من حقهم في نهر الأردن والبالغة حوالي 264 مليون متر مكعب، الذي يتعرض للضخ الجائر لصالح المستوطنات، وكذلك إغلاق معظم المناطق ذات الكفاءة في تخزين المياه، بإدراجها ضمن "مناطق عسكرية" أو "محميات طبيعية" أو لمزاعم أمنية، ومنع الفلسطينيين من حفر الآبار الزراعية الجديدة أو تغيير مكانها أو صيانتها.


الاستيطان في ظل القانون الدولي:
تعتبر إقامة المستوطنات في القانون الدولي بفروعه -إضافة إلى نقل سكان الدول المحتلة إلى الإقليم المحتل- مناقضة لكل المبادئ والمواثيق الدولية وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة وتخالف اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949)، حيث يحظر يحظر على المحتل توطين سكانه في الأراضي المحتلة، وكذلك يتنافى الاستيطان مع معاهدة لاهاي لعام 1907، وأن خلق الأمر الواقع بالقوة لا يمكن أن يكسب حقا، وقد صدرت مجموعة من القرارات الشرعية الدولية بتأكيد ذلك وإنكار أي صفة قانونية للاستيطان أو الضم، وتطالب بإلغائه وتفكيك المستوطنات بما في ذلك الاستيطان بالقدس، ومنذ عام 1967 وحتى اليوم صدرت قرارات بهذا الخصوص، أهمها قرارات مجلس الأمن التالية:


-القرار رقم 446 لسنة 1979 الذي أكد أن الاستيطان ونقل السكان الإسرائيليين للأراضي الفلسطينية غير شرعي.

-القرار رقم 452 لسنة 1979 ويقضي بوقف الاستيطان وعدم الاعتراف بضم القدس.
-القرار رقم 465 لسنة 1980 الذي دعا إلى تفكيك المستوطنات.
-القرار رقم 478 لسنة 1980.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل