قضايا وآراء

الأبعاد السياسية لاقتحام نتنياهو مدينة الخليل

نبيل السهلي
1300x600
1300x600

طرحت عملية اقتحام نتنياهو لمدينة الخليل المحتلة يوم الأربعاء الماضي 4 أيلول (سبتمبر) الجاري، أسئلة عديدة حول توقيتها وأبعادها السياسية المتشعبة، حيث جاءت الزيارة عشية الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها في 17 من أيلول/ سبتمبر الجاري، لإرضاء المستوطنين وحصد الليكود عددا أكبر من أصواتهم وأصوات الناخبين من اليمين واليمين المتطرف، وكذلك تنشيط الاستيطان داخل البلدة القديمة من مدينة الخليل لتهويدها، فضلاً عن مصادرة سوق الجملة وتهويده.

كما تندرج عملية الاقتحام في إطار الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة منذ احتلال المدينة في حزيران (يونيو) من العام 67 على المقدسات الإسلامية والمسيحية، في مدينتي القدس والخليل المحتلتين.

اعتداءات لم تتوقف

لم تكن الاعتداءات الإسرائيلية أقل خطورة على الحرم الإبراهيمي من الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك؛ حيث يمكن تسجيل اعتداءات متكررة منذ عام 1968، ففي 22 من شباط (فبراير) 1968 أمر الحاكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية بفتح الحرم الإبراهيمي ليلاً أمام المستوطنين. وفي 23 من شهر أيلول (سبتمبر) من عام 1968 دمّر الجيش الإسرائيلي أجزاءً من الحرم الإبراهيمي وأقيمت صلاة يهودية فيها. 

وفي اليوم الأول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 أدخلت أدوات يهودية إلى الحرم وطبعت أجزاء منه بطابع يهودي. واستمرت الاعتداءات الإسرائيلية، ففي اليوم الأول من شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1972 حظر الجيش الإسرائيلي بعض المناطق على المسلمين وخصصت لليهود. وفي 9 من شهر أيلول (سبتمبر) 1980 فرض برنامجا يحدد فترات الصلاة.

 

لم تكن الاعتداءات الإسرائيلية أقل خطورة على الحرم الإبراهيمي من الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك؛


وقام الجيش الإسرائيلي بالاعتداء على موجودات الحرم الإبراهيمي في 28 من شهر حزيران (يونيو) 1989. وأنشأت السلطات الإسرائيلية مدرسة يهودية في أحد أجزاء الحرم الإبراهيمي في 5 حزيران (يونيو) 1990. وفي 25 شباط (فبراير) عام 1994 ارتكب الإرهابي الصهيوني باروخ غولدشتاين وهو بزيه العسكري مجزرة في الحرم الإبراهيمي في الخليل ذهب ضحيتها ثلاثون شهيدًا وعشرات الجرحى، وتمّ قتله من قبل المصلين. 

ولم تتوقف إسرائيل عن الحد المذكور، حيث أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يوم 21 شباط (فبراير) 2010 قرارًا بضم الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل إلى ما يسمى المعالم التراثية الإسرائيلية.

القوانين الدولية والاستيطان

يلحظ المتابع وجود إجماع بين الأحزاب الإسرائيلية على قرار إنشاء إدارة لتسيير شؤون المستوطنين في مدينة الخليل، وتنشيط الاستيطان داخلها وفي عمق مدن الضفة الغربية، ما يفسّر دعم حكومة نتنياهو العملي لتركيز النشاط الاستيطاني، الأمر الذي يعتبر بمثابة التنفيذ الفعلي لمشروع ضم المناطق الفلسطينية لتصبح تحت السيادة الإسرائيلية المطلقة فيما بعد، من خلال الترسيم الفعلي للمستوطنات غير القانونية أصلاً وشرعنتها، والاعتراف بها، ومنحها السيادة في الوقت نفسه. 

ومعلوم أن إقامة المستوطنات عمل مناقض لكافة المبادئ والأعراف الدولية، وميثاق الأمم المتحدة الذي يفصِّل سلسلة طويلة من المحظورات المفروضة على قوة الاحتلال، وجوهره يحظر على المحتل توطين سكانه في الأراضي المحتلة، وهو ما أعادت التأكيد عليه قرارات عديدة للشرعية الدولية، سواء قرارات مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تُنكر أي صفة قانونية للاستيطان، أو الضم، وتطالب بإلغائه، وتفكيك المستوطنات باعتبارها معالم احتلالية وليس تجميدها، بما في ذلك الاستيطان بالقدس ومدينة الخليل. وقد اعتبرت القرارات الأممية بناء المستوطنات عملا ينتهك حقوق الشعوب المحتلة، المنصوص عليها في القانون الدولي، وفي مقدمتها حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، حق المساواة، حق الملكية، الحق في مستوى لائق للحياة، وحق حرية التنقل.

 

إقامة المستوطنات عمل مناقض لكافة المبادئ والأعراف الدولية، وميثاق الأمم المتحدة الذي يفصِّل سلسلة طويلة من المحظورات المفروضة على قوة الاحتلال


ما تقوم به إسرائيل من بناء مزيد من المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة يعتبر تعدّياً على حقوق الشعب العربي وأراضيه، وانتهاكاً للقوانين الدولية، وهذا ينطبق على الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وبطبيعة الحال، يعتبر قرار بناء بؤر استيطانية في مدينة الخليل، وقبل ذلك إنشاء مجلس لتسيير أمور المستوطنين اليهود في المدينة، غير شرعي، ويخالف القوانين والأعراف الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وخصوصاً قرار مجلس الأمن رقم 2334.

ويبقى القول إن اقتحام نتنياهو لمدينة الخليل أخيرا، جاء لتحقق رزمة من الأهداف السياسية، فعلاوة عن رغبته في كسب أصوات عدد كبير من الناخبين الإسرائيليين خلال الانتخابات المقبلة، فإنه يسعى للتأكيد على تنشيط الاستيطان في المدينة وغيرها من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية بغرض فرض السيادة الإسرائيلية عليها في نهاية المطاف، وبدعم من إدارة ترامب التي أكد رموزها خلال زياراتهم المكوكية للشرق الأوسط على الهدف الإسرائيلي المذكور.  

*كاتب فلسطيني مقيم بهولندا  

التعليقات (0)