كتب

معهد بريطاني يرصد توجهات ست حركات إسلامية بالمملكة المتحدة

تقرير بريطاني يرصد خطاب جمعيات إسلامية عامة في المملكة المتحدة (عربي21)
تقرير بريطاني يرصد خطاب جمعيات إسلامية عامة في المملكة المتحدة (عربي21)

التقرير: سرديات الانقسام: طيف من وجهات نظر الإسلاميين في بريطانيا
الناشر: معهد توني بلير من أجل التغيير العالمي
عدد الصفحات 92 صفحة
تاريخ النشر الإلكتروني: كانون ثاني (يناير) 2019
الرابط : https://institute.global/news/tony-blairs-foreword-narratives-division

يبرر معهد توني بلير من أجل التغيير العالمي اشتغاله على تحليل رسائل وخطابات عدد من المجموعات الإسلامية في بريطانيا بتزايد القلق لدى الرأي العام في المملكة المتحدة من الحركات والمجموعات المتطرفة غير العنيفة، ومن إمكانية تحولها إلى العنف، والحاجة لرصد أفكارها وبيان تهديدها للسلم والتعايش المجتمعي، إذ اعتبر في مقدمة تقريره أن تحقيق هذا الهدف والاستجابة لهذا التحدي ورفع هذا القلق يتطلب تحديدا من هي المجموعات المتطرفة غير العنفية، وتمييزها عن بقية الحركات الأخرى، إذ يظل ذلك حسب المعهد ضمن المنطقة الرمادية سواء بالنسبة للأمن أو سياسات الخطاب.

 



ويرى المعهد بهذا الخصوص أن من حق السلطات البريطانية أن تبدي قلقها من بعض الأفكار التي تبثها هذه المجموعات، وأن دور المعهد يتوقف عند كشف المخاطر الإيديولوجية لهذه الحركة، والخيط الرابط بين أفكارها التي تبثها في وسائل التواصل الاجتماعي وبين العنف.

عين على ست مجموعات إسلامية:

يركز هذا التقرير الذي صدر مطلع السنة السنة عن معهد رئيس الوزراء البريطامي السابق توني بلير من أجل التغيير العالمي على رصد رسائل وخطابات ست مجموعات إسلامية في بريطانيا، من خلال تسليط الضوء على عينات من هذه الرسائل في التدوينات والتغريدات التي تبث في وسائل التواصل الاجتماعي لقياداتها ورموزها، ويبرر التقرير حصر هذه المجموعات في ست نظرا للإشكالات التي تخلقها في المجتمع البريطاني، ولتشجيعها المباشر وغير المباشر للأفكار العنيفة وإن كانت لا تتنبى العنف. 

ولا يكتفي التقرير برصد هذه العينات من رسائل وتدويمنات وتغريدات هذه القيادات والرموز وإنما يخضعها للتحليل ودراسة الخطاب وفق نموذج تصنيفي يرتب هذه المجموعات وفق درجتها من التطرف والاعتدال، ويخص ألأمر المجموعات الآتية: (المهاجرون، اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان،  منظمة  CAGE، مسلمو الاندماج والتنمية، حزب التحرير، اللجنة الإسلامية للشؤون العامة).

تقسيم المجتمع البريطاني وإثارة التوتر بين مكوناته!

يؤكد التقرير في خلاصاته التي قررها في ملخصه التنفيذي أن معظم هذه الحركات تنتج وجهات نظر تقسيمية للمواطنين ببريطانيا، وتساهم في إنتاج خطاب يثير وضعية الصراع والتوتر بين المسلمين وغير المسلمين بالمملكة المتحدة، ويرى أن هذه الحركات تنتج ست مقولات مركزية تعتمدها لبث هذه الخطابات:

1 ـ الإحساس بالمظلومية، 2 ـ تأكيد التعارض بين المسلمين الجيدين والمسلمين غير الجيدين، 3 ـ ترسيخ فكر التعارض بين الإسلام والغرب، 4 ـ نزع الشرعية عن الحكومة، 5 ـ تأكيد مركزية الإسلام في السياسة، 6 ـ تبرير العنف.

ويلاحظ المعهد أن هذه الحركات في تبنيها لهذه المقولات المركزية ليست على نسق واحد، وإنما يتفاوت خطابها بخصوص هذه القضايا لكنها لا تقترب من درجة الاعتدال وأغلبها يتجه في مسار التطرف.

 


ويرصد المعهد عينات من خطابات ورسائل هذه الحركات، ويخلص إلى أن أكثر من 50 في المائة من تغريدات هذه الجماعات في التويتر وعلى الأقل 80 في المائة من منشوراتها الرسمية تعيد إنتاج هذه المقولات أو أحدها، وترى أن أكثر هذه الجماعات تطرفا هي مجموعة المهاجرين، وأن اقلها تطرفا هي مجموعة مسلمي الاندماج والتنمية، إذ تبدو حسب التقرير أقل تداخلا مع خطاب مجموعة المهاجرين وأكثر اختلافا مع بقية المجموعات، إذ تتجنب في رسائلها الخطاب التآمري الحاد الذي يستعمل في خطاب المجموعات الخمس المدروسة، وتأخذ مسافة حتى عن مواقفها التاريخية السابقة، وهو ما فسره التقرير بكونه ثمرة للتغيير التنظيمي أو نتيجة جهد مركز لإعادة بلورة خطابها.

وقد اعتمد التقرير الذي يمتد لأكثر من تسعين صفحة، عند كل قضية من القضايا الست المدروسة في خطاب هذه الحركات خمس مستويات تصعد في اتجاه الاعتدال وتنزل في اتجاه النطرف، وقد اعتمدها التقرير كمعيار إجرائي للفرز والتصنيف وإظهار تفاوت هذه المجموعات في درجة إنتاج الخطاب الانقسامي وإثارة رسائل التوتر والصراع في المجتمع البريطاني بين المسلمين وغير المسلمين، إذ جعلت الدرجة الأولى العليا نموذجا للاعتدال، فيما جعلت الدرجة الخامسة السفلى الأكثر نموذجا معيارا للتطرف، وصنفته ضمن الدرجات الأكثر خطورة من حيث إثارة التوتر والنزاع والشقاق داخل المجتمع البريطاني بين المسلمين وغير المسلمين.

معهد توني بيلر وفرز الطيف الإسلامي ببريطانيا:

اعتمد التقرير على عينات كبيرة من رسائل وتدوينات وتغريدات رموز المجموعات الست وأخضعها لتحليل الخطاب طبقا لنموذج القضايا الست الذي اعتمده، والدرجات الخمس في كل قضية على حدة مع تعيين ضابطها وقاعدتها، وهكذا، صنف مجموعة "المهاجرين" كأخطر مجموعة إسلامية في بريطانيا، لأنها في القضية الأولى (الإحساس بالمظلومية) ترسخ الاعتقاد بوجود مؤامرة عالمية ضد المسلمين،  وتعتقد في القضية الثانية الخاصة بتصنيف المسلمين إلى مسلمين جيدين وغير جيدين بأن الذين لا يتبنون وجهات نظرها هم مرتدون، وترسخ في القضية الثالثة الخاصة بعلاقة الإسلام بالغرب فكرة أن الصراع بين الإسلام والغرب غير قابل للحل،  وترفض في القضية الرابعة (نزع الشرعية عن الحكومة البريطانية) النموذج الديمقراطي، وتتبنى بدلا عن نظرية الانقلاب الشامل، وتتبنى في القضية الخامسة المتعلقة (مركزية الإسلام في السياسة) نظرية الخلافة الإسلامية العالمية، وتشجع في القضية السادسة المتعلقة بتبرير العنف بشكل مباشر على العنف. 

أما بالنسبة لـ"حزب التحرير"، فقد صنف في القضايا الخمس ضمن نفس درجة جماعة "المهاجرين" سوى ما يتعلق بالقضية السادسة المتعلقة بتبرير العنف، فقد أفاد تحليل رسائل هذا الحزب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أنه لا يدعو إلى العنف بشكل مباشر ولا يشجع عليه، لكنه يرى أن الدعوة إلى الجهاد يمكن أن تكون مبررة.

 



وبخصوص مجموعة "اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان"، فقد أدرجها تقرير المعهد في مراتب متفاوتة عن مجموعة "المهاجرين ومجموعة "حزب التحرير" بخصوص القضايا الست، ففي القضية الأولى (ترسيخ الاعتقاد بالمظلومية) سجل أنها تعتقد أن الإضرار بالمسلمين في البيئة البريطانية وغيرها من البيئات الأوروبية هو أمر مرتبط بطبيعة النسق وأنه أمر حتمي قدري، وتستعمل في القضية الثانية (تصنيف المسلمين إلى مسلمين جيدين وغير جيدين) لغة عدائية ضد المسلمين الذين تراهم خونة، وترسخ في القضية الثالثة (العلاقة بين الإسلام والغرب) فكرة عداء الغرب للإسلام، وتعمل بنشاط في القضية الرابعة (شرعية الحكومة البريطانية) على نزع الشرعية عن الحكومة البريطانية في عيون المسلمين، ولأنها في القضية الخامسة (مركزية الإسلام في السياسة) تؤمن بضرورة وجود حكومة إسلامية شاملة تحكم الأقطار الإسلامية كاملة، ولأنها في القضية السادسة المرتبطة بتبرير العنف تدعم وتتضامن بشكل مفتوح مع الجماعات الإرهابية الدولية. 

أما بالنسبة لمجموعة "اللجنة الإسلامية للشؤون العامة"، فتلتقي حسب تقرير المعهد مع سابقتها في القضايا الأربع الأولى، وتختلف عنها في القضية الخامسة والسادسة، ففي القصية المرتبطة بـ (مركزية الإسلام في السياسة)، ترى أن الإسلام ينبغي أن تكون له مكانة مركزية في السياسة، أما في القضية السادسة، فتبرر بعض أعمال العنف. أما مجموعة CAGE، فتلتقي مضامين رسائلها في وسائل التواصل الاجتماعي مع مضامين رسائل "اللجنة الإسلامية للشؤون العامة" في القضية الثالثة والرابعة والسادسة، وتختلف معها في القضية الأولى (ترسيخ الشعور بالمظلومية)، إذ ترى أن الإضرار بالمسلمين وإذايتهم هو عقيدة أمنية للدولة البريطانية، وتؤمن في القضية الخامسة (مركزية الإسلام في السياسة) بضرورة وجود حكومة إسلامية شاملة تحكم الأقطار الإسلامية كاملة. 

أما المجموعة السادسة التي اعتبر التقرير أنها تبتعد كثيرا عن المجموعات الخمس، وتقترب في بعض مواقفها من خط الاعتدال، هي مجموعة "مسلمو الاندماج والتنمية"، ففي القضية الأولى تلتقي في موقفها مع مجموعة CAGE، في الاعتقاد بأن الإضرار بالمسلمين وإيذائهم في بريطانيا هو عقيدة أمنية للدولة في بريطانيا، وتصور في القضية الثانية بعض المسلمين، كما ولو كانوا ضد مسلمين آخرين، أما في القضية الثانية، فتبرر الخلاف الهوياتي بين المسلمين والغرب، لكنها لا ترسخ فكرة وجود صراع بينهما، وتأخذ في القضية الثالثة مواقف قوية من السياسات الحالية، لكنها في المقابل تنفتح على الاندماج، ولأنها في القضية الخامسة، تنظر للهوية الإسلامية باعتبارها نقطة مرجعية للنشاط والفاعلية المدنية، وتحتفظ ببعض المواقف في القضية السادسة التي تبرر بعض أعمال العنف.

معايير الاعتدال حسب التقرير

لا أحد من المجموعات الست حسب التقرير قارب خط الاعتدال، فهذا الخط وضع له التقرير ضوابط عند كل قضية، ففي القضية الأولى، يتلخص خط الاعتدال في إثارة الوعي بضرورة مواجهة الأحداث التي تندرج ضمن الإسلاموفوبيا، ويتلخص في القضية الثانية، بضرورة الكف عن النظر إلى وجهات نظر غير المسلمين على أساس أنها غير مقبولة وغير شرعية، ويبرز الاعتدال في القضية الثالثة الخاصة بعلاقة الإسلام بالغرب بضرورة إشاعة ثقافة نبذ الصراع والتوتر بين الإسلام والغرب وبين المسلمين والبريطانيين. 

أما في القضية الرابعة، فيجيز الاعتدال نقد السياسات لكن دون أن يصل ذلك إلى رفض النظام السياسي والنموذج الديمقراطي البريطاني، أما في القضية الخامسة، فيتجلى الاعتدال في إمكان النظر للإسلام على أساس أنه مرشد روحي ومؤثر أيضا على الآراء ووجهات النظر السياسية دون أن يكون مركزا للسياسة البريطانية. أما الاعتدال في القضية السادسة الخاصة بتبرير العنف، فيتمثل في عدم القيام بأي محاولة لتبريره.

توصيات لصناع القرار السياسي البريطاني

كعادة مراكز الأبحاث القريبة من مربع صناعة القرار السياسي، تنتهي الدراسات والتقارير بوضع توصيات تحث الساسة على منع تحول النشاط الإسلامي لهذه المجموعات إلى مصدر مزعج لنشر التطرف والتحريض على أعمال العنف، وفي هذا الصدد يسجل التقرير التوصيات الآتية:

ـ العمل بشكل مباشر على إنتاج سياسات واضحة وقوية لمواجهة نشر سرديات تشجع على تقسيم المجتمع البريطاني.

ـ تطوير موارد جديدة لدعم ممارسين يعملون على إنشاء وتحديد تعاريف للعمل المتطرف في بريطانيا.

ـ تعزيز المبادرات التعليمية التي تدرس الشباب كيفية المشاركة في الحوار في القضايا الصعبة.

ـ تطوير منهج لتشجيع محو الأمية الرقمية والتفكير النقدي حول مصادر المعلومات لجميع طلاب المدارس الثانوية.

ـ ضمان مشاركة مجتمعية هادفة وبعيدة المدى.

التعليقات (0)