صحافة دولية

NYT: هذه استراتيجية إيران الجديدة في التعامل مع ترامب

نيويورك تايمز: قادة إيران يرون أنه لا بد من التفاوض مع ترامب- مكتب الرئاسة الإيرانية
نيويورك تايمز: قادة إيران يرون أنه لا بد من التفاوض مع ترامب- مكتب الرئاسة الإيرانية

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافية فرناز فصيحي، تقول فيه إن فكرة حتمية تفاوض إيران في المحصلة مع الرئيس ترامب بدأت تترسخ في دوائر السلطة في طهران، التي يتم فيها ترديد "الموت لأمريكا" باستمرار، بحسب عدد من الأشخاص المطلعين على هذا التحول.

 

وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن هؤلاء الأشخاص، قولهم إن القيادة الإيرانية توصلت إلى أن هناك احتمالا بأن يعاد انتخاب ترامب، وأنه لا يمكن لإيران أن تتحمل العقوبات المرهقة لست سنوات أخرى. 

 

وتقول فصيحي إن هذا التحول في المؤسسة السياسية في طهران، التي استمدت شرعيتها على مدى الأربعين عاما الماضية من تحديها لأمريكا، وكانت معادية بالذات لترامب، يلفت الانتباه.

 

وتشير الصحيفة إلى أن الرئيس الإيراني حسن روحاني حاول أن يرى إن كان بالإمكان الاجتماع بترامب، واشار إلى أنه مستعد لمثل هذا الاجتماع إن ترتبت عليه فائدة للإيرانيين، لافتة إلى أن روحاني عاد عن موقفه خلال 24 ساعة، ما قد يشير إلى عدم موافقة الزعيم الروحي آية الله خامنئي.

 

ويستدرك التقرير بأن الأشخاص المطلعين على تفكير القيادة في إيران، يقولون إنه يجب النظر إلى تصرف روحاني على أنه جزء من استراتيجية جديدة بدأت تظهر في إيران، وقالوا إن الاستراتيجية تسير على مسارين متوازيين: عرض موقف أكثر تحديا في السياسة العسكرية والطاقة الذرية لإزعاج ترامب، وفي الوقت ذاته بعث إشارات بالاستعداد للحوار تحت ظروف محددة، مخاطبين بذلك حبه لعقد الصفقات.

 

وتورد الكاتبة نقلا عن عباس عبدي، الذي كان أحد قادة الطلاب الذين احتجزوا موظفي السفارة الأمريكية عام 1979، وأصبح الآن شخصية مهمة في الفصيل المعروف بالإصلاحيين والمنفتح على فكرة الحوار مع الأمريكيين، قوله إن "إيران تحولت تماما"، وأضاف عبدي أن المتشددين الذين يعارضون الحوار "استنتجوا بأن ما ينجح مع أمريكا الآن هو التشدد، لكن أيضا الانفتاح على الحوار إن قدم ترامب بعض الضمانات". 

 

وتقول الصحيفة إنه كما هو متوقع فإن القيادة الإيرانية غضبت العام الماضي عندما قام ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران، والموقعة في 2015 مع قوى العالم، وطالب باتفاقية أشد وفرض عقوبات قوية على إيران، وفي الوقت الذي أمل فيه البعض أن يكون ترامب رئيسا لفترة رئاسية واحدة، إلا أن هذا الرأي بدأ يتلاشى.

 

ويلفت التقرير إلى أن الاستراتيجية الجديدة، يقول من تحدث عنها، تقوم على التلويح بانتصار في السياسة الخارجية لترامب يمكنه استخدامه لدعم حظوظ إعادة انتخابه. 

 

وتفيد فصيحي بأن نائب الرئيس الأول إسحاق جاهنغيري اجتمع في أوائل آب/ أغسطس مع عدد من المستشارين والمنتسبين السياسيين لمناقشة مقاربة الحكومة في التعامل مع أمريكا، بحسب شخص حضر الاجتماع وآخر على علم به، مشيرة إلى أن المجتمعين قالوا إنه إذا أراد ترامب اتفاقا "أشمل" من الاتفاق الحالي، فإن إيران مستعدة أن تدرس طلبه -وحتى أن تناقش جوانب من برنامجها الصاروخي البالستي والدور الايراني في المنطقة- لكن في المقابل فإن إيران ستسعى للحصول على ضمانات أشمل من أمريكا، برفع العقوبات الاقتصادية على المدى الطويل. 

وتنقل الصحيفة عن صادق الحسيني، وهو من كبار مستشاري السياسة الخارجية والاقتصاد لجاهنغيري، قوله في تغريدة على "تويتر": "هذه فرصة ذهبية لا يتوقع أن تتكرر العقد القادم.. هذه بداية اللعبة لإيران، تمنح الانتخابات الأمريكية القادمة فرصة فريدة للعب مع ترامب".

 

وينوه التقرير إلى أن حملة "الضغط الأقصى" التي شنها ترامب لم تهدد بسقوط الحكومة الإيرانية، ولا أدت إلى انتفاضة جماهيرية، كما توقع بعض ناقدي الحكومة، مستدركا بأن التوتر المتصاعد مع أمريكا يحمل مخاطر صراع عسكري، الذي قال ترامب إنه يريد أن يتجنبه.

 

وتقول الكاتبة إن مؤشرات استراتيجية إيران في التعامل مع ترامب أصبحت أوضح في الأسابيع الأخيرة، وقامت إيران باسقاط طائرة أمريكية مسيرة، وقبضت على شاحنة نفط بريطانية، وكشفت عن منظومة دفاع صاروخية محسنة، وتجاوزت الكمية المسموح بها من اليورانيوم المخصب بحسب الاتفاقية النووية.

 

وتورد الصحيفة نقلا عن المطلعين، قولهم إنه كجزء من الاستراتيجية، فإن الإيرانيين يسعون للتصعيد أكثر في الأشهر القليلة القادمة لتقوية موقفهم في المفاوضات المحتملة، ويتوقع أن تعلن إيران عن المزيد من التخلي عن بنود الاتفاقية النووية مع بداية أيلول/ سبتمبر، بحسب ما قاله المسؤولون الإيرانيون، فقد يزيدون من تخصيب اليورانيوم إلى 20%، أكثر مما تحتاجه الاستخدامات المدنية. 

 

ويفيد التقرير بأنه في الوقت ذاته، فإن إيران قوت من دبلوماسيتها، فقام وزير الخارجية محمد جواد ظريف بجولة في أوروبا، وتوقف في قمة السبعة الكبار بدعوة مفاجئة من فرنسا، وسافر إلى الصين واليابان وماليزيا لمقابلة الرؤساء هناك، مشيرا إلى أن ترامب لم يقابل ظريف في قمة السبعة الكبار، ولم يتضح ماذا كان يريد وزير الخارجية الايراني الحصول عليه من أمريكا، لكن المحللين الإيرانيين يتوقعون أنه في الغالب طرح تخفيف العقوبات.

 

وتنقل فصيحي عن مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دينفر نادر هاشمي، قوله: "الإيرانيون في أزمة اقتصادية عميقة، وهناك مخرج واحد فقط.. فسيحاولون جعل الصفقة جذابة (لأمريكا) بأقصى قدر ممكن".

 

وتذكر الصحيفة أن ظهور ظريف في القمة زاد التكهنات بمفاوضات مباشرة بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على هامش القمة، أن ترامب وروحاني قد يجتمعان خلال أسابيع، مشيرة إلى أن ترامب لم يعط أي اشارة في القمة إلى أن رفع العقوبات أو تعليقها كان مطروحا، لكنه قال إن دولا اخرى يمكنها أن تمنح إيران قروضا مقابل نفطها لمساعدتها على "تجاوز مرحلة صعبة".

 

ويبين التقرير أنه بالنسبة لروحاني، فإنه مع أنه رفض لقاء قريبا بترامب، إلا أنه عرض انفراجا مشروطا، وقال روحاني يوم الثلاثاء: "لن نصل إلى تغير إيجابي مع أمريكا دون أن تنهي أمريكا العقوبات وتصحح أخطاءها"

 

وتجد الكاتبة أن أصوات معارضي مثل ذلك اللقاء في البلدين تبقى عالية لتعكس تاريخا من فقدان الثقة، ميز العلاقات بين البلدين منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979.

 

وتشير الصحيفة إلى أنه بعد أن طرح روحاني مجرد احتمال اللقاء بترامب تساءلت صحيفة "كيهان"، التي تمثل التيار المتشدد في إيران، قائلة: "هل أنت مجنون؟"، لافتة إلى أن مجموعة "متحدون ضد إيران نووية"، التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، وتدعم انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية، قالت: "إن الزخم الذي ولده الضغط الأقصى قد يتبخر بسرعة إن بدأت المفاوضات بين إيران وأمريكا قبل أن يحين الوقت".

 

وبحسب التقرير، فإن القرار الحقيقي حول إمكانية التفاوض مع ترامب هو في يد آية الله خامنئي، فيرى المحللون والسياسيون الإيرانيون أن ظريف ما كان ليرسل إلى قمة السبعة الكبار دون موافقة آية الله خامنئي، لافتا إلى أنه مع أن آية الله خامنئي كان دائما يقف ضد أمريكا، إلا أنه أظهر في الماضي مرونة عندما تنفد الخيارات، وإن كان يمكن تقديم تنازل دون خسارة ماء الوجه.

 

وتلفت فصيحي إلى أن المحللين والسياسيين الإيرانيين أشاروا إلى ثلاثة أمثلة عندما قامت الحكومة بالتراجع ورضخت للضغط الذي لا يمكن تحمله: إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين في 1981، والموافقة على قرار الأمم المتحدة لإنهاء الحرب التي استمرت ثماني سنوات مع العراق عام 1988، والاتفاقية النووية الإيرانية عام 2015.

 

وتنقل الصحيفة عن اية الله خميني، قوله إن القبول بوقف الحرب مع العراق كان "أشد من تجرع السم"، ومنذ ذلك الحين أصبح تعبير "كأس السم" في إيران مرادفا للاستسلام، فيما كان تعبير "إظهار مرونة بطولية" هو المفضل لدى آية الله خامنئي بعد الصفقة النووية.

 

وينوه التقرير إلى أن السياسيين والمحللين الإيرانيين يرون أنه يتم دراسة مفاوضات عام 1981 لإطلاق سراح الرهائن بصفتها سابقة محتملة للتفاوض مع ترامب، مشيرا إلى أنه في وقتها، حيث صادفت المفاوضات فترة الانتخابات الرئاسية، قامت إيران بالتفاوض مع إدارة كارتر، لكنها أخرت إطلاق سراحهم، فحرمته من إنجاز كان ربما قد يساعده على الفوز في الانتخابات الثانية.

وتذكر الكاتبة أنه تم إطلاق سراح الرهائن في الوقت الذي كان يقوم فيه الرئيس رونالد ريغان بإلقاء خطاب التنصيب.

 

وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول سعيد شريعتي، وهو زعيم حزب إيراني إصلاحي: "إن الكلام الخطابي الذي تسمعه ضد أمريكا هو جزء من التكتيك.. فإيران وأمريكا لن تحلا مشكلاتهما تماما.. لكنهما قدمتا تنازلات في الماضي، وعليهما فعل ذلك مرة أخرى".

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)