مقالات مختارة

الاستثمار الخاطئ في ترامب وإسرائيل

محمد أمين
1300x600
1300x600

تواصل بعض الأنظمة العربية استثمارها الخاطئ في إدارة ترامب، وفي سبيل إرضائه تصر على السير عكس التيار الشعبي العربي، في مسار التطبيع بخطوات متسارعة ومتهورة، لا يمكن تفسيرها إلا في سياق فهم الاعتقاد الذي بدأ يتشكل مؤخرا لدى تلك النظم، بأن استقرار عروشها رهين برضى إسرائيل، فانتقلت من إقامة علاقات سرية معها، إلى المجاهرة بتلك العلاقة، وتوظيف مقدراتها خدمة لمصالح إسرائيل الحيوية والاستراتيجية، إلى حد أصاب الإسرائيليين أنفسهم بالدهشة، جراء الخدمات المجانية التي تقدمها تلك العواصم الخليجية لها.


وفي سبيل التعبئة والتحشيد، ومحاولة تلك الدول العربية تسويق نهجها التطبيعي المستهجن شعبيا، بدأت تلك العواصم حملة إعلامية محلية ودولية لنفي الرواية الفلسطينية للصراع العربي الإسرائيلي من جهة، ومن جهة ثانية تضخيم الخطر الإيراني لتبرير علاقتها مع دولة الاحتلال، وفي سبيل ذلك جندت ذبابها الإلكتروني ومطبعيها لشتم الفلسطينيين وقضيتهم، وكيل المديح لإسرائيل، ولم يتوقف الأمر عند هذا المستوى، بل استدعي بعض المشايخ للبحث مجددا في أدلة شرعية تنزع الهالة الدينية عن المسجد الأقصى ورمزيته في الضمير الجمعي للمسلمين، وتزيل عنه أي قداسة وصولا لمحاولة نفي حقيقة أنه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.


وفي السياق التطبيعي ذاته المشار إليه، أرسلت السعودية شابا في عمر الزهور في مهمة تطبيعيه، بدلا من أن تعده لمواجهة المشروع الصهيوني الذي يستهدفها قبل أن يستهدف الفلسطينيين، إذ لا يمكن أن تقنع الرياض أحدا بأن ذلك المطبع الذي طرده أطفال القدس جاء بمبادرة فردية، لأنه باختصار شديد إذا لم تكن المملكة بقيادتها الجديدة راضية عن مبادرته، فلماذا لم تعتقله، وعوضا عن ذلك يواصل مشاركاته عبر السكايب من داخل السعودية مع القنوات الإسرائيلية.


أمريكيا، ورغم كل ما بذلته بعض دول الخليج في سبيل إرضاء أمريكا، تطبيعا مع إسرائيل وعقودا من السلاح المكدس وغير المستعمل، جاءت سلسلة مفاجآت ترامب غير السارة الواحدة تلو الأخرى، علها تؤكد لهم ما يبدو أنهم لا يريدون إدراكه: بأن أمريكا لن تقاتل عنكم، ولن تخوض حروبكم، كما أن تطبيعكم مع ربيبتها إسرائيل ليس بالضرورة بوليصة تأمين. فقراءة لتصريحات ترامب الأخيرة، بأن أمريكا لن تحمي دول الخليج الغنية، ولن توفر الأمن في مضيق هرمز، وتأكيده على أنه أفضل صديق لإسرائيل، تعبر بشكل أو بآخر عن الاستراتيجية الأمريكية الثابتة في هذه البقعة من العالم، التي نعيش فيها، إذ تقوم استراتيجية الولايات المتحدة على محددين لا ثالث لهما: «النفط وأمن إسرائيل»، حتى لو تغير قدر الاهتمام بالمحدد الأول، يبقى الثاني ثابتا لا يمكن تغييره. على العرب المتوهمين بالتطبيع أن يدركوا أن أمريكا لن تحمي غير إسرائيل، وأن كل ما قاموا به من أدوار تطبيعية، في مسعى للتقرب من تل أبيب، لن تغير من تلك المعادلة، إذ تعتبر أمريكا تلك الأدوار أدوارا وظيفية لا أكثر ولا أقل، تشكر حلفاءها عليها، ولا تقدم لهم أي ثمن مقابلها. وفي سياق التأكيد على الاستثمار العربي الخاطئ في ترامب وإدارته، يتضح ذلك من خلال قراءة مواقف الرئيس الأمريكي ترامب التي لم تختلف في المحصلة بتقديري عن مواقف سلفه، فإذ يقترب ترامب من إنهاء ولايته الأولى، تكشف قراءة فاحصة لقراراته، عن أنه لم يتبن نهجا مختلفا عن أوباما، صحيح أنه انسحب من الاتفاق النووي، لكنه لم يخض حربا ضد إيران، هو يريد فقط إعادة صياغة اتفاق أوباما، كما هدد ترامب كذلك نظام الأسد، ثم سلم سوريا لروسيا، وانسحب تماما كما كان يخطط أوباما.


المتغير الوحيد في مقاربة ترامب هو مجاهرته في دعم إسرائيل، وشتم حلفائه الخليجيين، واتخاذ خطوات غير مسبوقة في العلاقة مع تل أبيب، لم يجرؤ أي رئيس أمريكي على اتخاذها من قبل، كالاعتراف بالقدس، ومقاربته في صفقة القرن، ليتأكد المؤكد بأن الثابت الوحيد في العلاقة مع المنطقة، هو دعم إسرائيل وأمنها، وفي سبيل هذا لا تهتم أمريكا ولا تكترث بمصالح حلفائها، رغم كرمهم وسخاء العقود التي يوقعونها، وحالة العشق التي يبدونها لتل أبيب.


القادة العرب في مسعاهم للتبرير غير المنطقي لحالة التقارب مع إسرائيل، بالحديث عن الخطر الإيراني، يقامرون بعروشهم بدلا من المحافظة عليها، فالعربي لن يقتنع، حتى وهو تحت فوهة البندقية، ومطرقة الاستبداد بأن إخوانه الفلسطينيين، أشرار، وأن المحتلين أخيار، لن يقبل العرب كذلك وضميرهم الجمعي، بهرولة بعض نظمهم نحو إسرائيل، ومحاولة القفز على فلسطين وعدالة وأصالة قضيتها، باختصار شديد تلك النظم تقامر بعروشها بدلا من الحفاظ عليها، فترامب ونتنياهو ذاهبان، وتبقى فلسطين ومآذن مساجدها وأجراس كنائسها خالدة في الضمير الجمعي للأمة وشبابها.

 

عن صحيفة القدس العربي اللندنية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل