مقالات مختارة

شمشون الليبي!

أسامة عجاج
1300x600
1300x600

هو أقرب إلى زوجة لويس الخامس عشر بمقولتها الشهيرة «أنا ومن بعدي الطوفان»، من شمشون بصيحته الشهيرة «عليّ وعلى أعدائي».


أتحدث عن مواقف اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر؛ فظهوره على الساحة الليبية أزمة، واستمراره مأساة، وها هو مؤخراً يغامر ببلاده وبالمنطقة في حرب إقليمية أطرافها متعددة، ستجعل من ليبيا ساحة لتصفية حسابات؛ نتيجة خلافات قد تكون ليبيا -حكومة الوفاق الشرعية المعترف بها دولياً، ومعها الشعب الليبي في شرقه وغربه وجنوبه- هي من تدفع الثمن، رغم أنهم «لا ناقة لهم في ذلك ولا جمل».

عندما أطلق حفتر في مايو 2014 ما أسماها «عملية الكرامة» في بنغازي وفي الشرق، حاول استنساخ تجربة القذافي بعد التعديل، التي ثار عليه الليبيون بسببها، فظهر بعد سنوات من المنفى في أميركا ليسرق جهد الشباب الليبي الذي ثار على حكم القذافي، ونسي أنه حاصل على الجنسية الأميركية.


وقبل أن تستخدمه المخابرات الأميركية في محاولة زعزعة نظام القذافي، توهّم أنه قادر على ملء «فراغ ما بعد سقوطه»، رغم أن الليبيين لم ينسوا أنه جنرال مهزوم، عانى من الأسر في تشاد، وخرج بصفقة أميركية في إطار عداء واشنطن مع نظام القذافي، واستطاع أن يستثمر المناخ السائد في المنطقة، وقدّم نفسه على أنه يواجه الإرهاب، ويعمل ضد جماعات إسلامية مسلّحة من بينها جماعات مقرّبة من الإخوان المسلمين، ونجح في تقديم نفسه على الساحة الخارجية باعتباره خصم الإسلاميين في ليبيا.

ومرة أخرى، يربك حفتر المشهد السياسي الليبي، الذي كان على خطوات من عقد الملتقى الوطني الجامع، في أول وأهم حوار يتم على أرض ليبية ويحظى بدعم أممي ورضا من كل الأطراف السياسية، كان كفيلاً بإيجاد حل سياسي للمأزق الليبي المستمر منذ ثماني سنوات، عندما أجهض المحاولة بإعلانه في الرابع من أبريل الماضي حملة عسكرية تستهدف العاصمة طرابلس حيث حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً. 


يومها، روّج أن احتلال العاصمة لن يستغرق أكثر من 48 ساعة، حيث حظي بدعم إقليمي وعربي ودولي، باعتبار أن حفتر هو حامي مصالحهم في ليبيا. والمحصّلة النهائية «صفر كبير»، وانتكاسات عسكرية، ولم يتمكن حتى الآن من إحراز أي تقدّم يُذكر؛ بل أصبحت قواته تعاني من هزائم وتراجع، حيث تمكنت قوات تابعة لحكومة الوفاق من السيطرة الكاملة على مدينة غريان 100 كيلومتر جنوب طرابلس، ودخول مقر غرفة العمليات الرئيسية التي يُدار منها الهجوم على العاصمة طرابلس، بعد انتفاضة من داخل المدينة، ووصول دعم من خارجها من قوات حكومة الوفاق، في عملية خُطط لها بإحكام، ودعمتها القوات الجوية باحترافية كاملة، نجحت في إنجاز مهمتها في أقل من 24 ساعة.


أهمية إنجاز السيطرة على غريان، أنها أكبر مدينة في الجبل الغربي من حيث عدد السكان والمساحة، وكان حفتر يتخذ هذه المدينة القاعدة الأمامية الرئيسية لعمليته العسكرية ضد العاصمة، حيث تصل إليها القوات والأسلحة والذخيرة من الشرق؛ مما شكّل انتصاراً مهماً واستراتيجياً. 


وبهذا، خسر النقطة التي ترتكز إليها قواته في الشرق، بما سينعكس سلباً على ميليشياته المقاتلة على مشارف طرابلس.

 

وبدلاً من أن يعترف حفتر بهزيمته بعد تخلي حلفائه عنه -بعد تعويلهم على «حصان خسران» و «ورقة محروقة»- سعى إلى قفزة في المجهول، عندما اعتبر أن الأهداف التركية في ليبيا أهداف معادية، وأصدر أوامر باستهداف السفن التركية في المياه الإقليمية الليبية، وبحظر رحلات الطيران من أي مطار ليبي إلى تركيا، وبالقبض على كل الأتراك الموجودين في البلاد، وهو ما يمثّل إعلان حرب حقيقياً؛ بل تجاوز عندما قبض على عدد من العاملين هناك؛ مما صعّد من الأمور، واضطُر إلى الإفراج عنهم فوراً.

 

ويبقى السؤال: هل يستطيع حفتر تنفيذ تهديداته؛ بمعنى أن يحوّل الأمور إلى حرب إقليمية، رغم هزائمه العديدة، وعجزه عن تنفيذ حلمه وحلم آخرين في السيطرة على العاصمة طرابلس؟

 

عن جريدة العرب القطرية

 

0
التعليقات (0)