كتاب عربي 21

معتقلون أردنيون في سجون دولة "شقيقة"!

حلمي الأسمر
1300x600
1300x600

ثمة سؤال يلح عليّ منذ زمن طويل، يتعلق بحرص الدولة الأردنية على مشاعر الدول "الأجنبية" دون حساب لمشاعر الشعب الأردني، حتى أنها سنت تشريعا "ساخنا" يجرّم كل من يتحدث، ولو بنقد أو حتى برغبة بإبداء رأي، عن دولة أخرى حتى لو ارتكبت تلك الدولة فعلا، أو اتخذت قرارا منافيا لكل ما هو متعارف عليه من خلق أو دين!

ومن جميل ما قرأت في هذا المجال، مطالعة قانونية على جانب كبير من الأهمية لمدى دستورية المواد القانونية التي تجرم من يبدي رأيا بهذا الخصوص، نشرها الخبير القانوني اللامع الدكتور محمد الحموري في موقع عمون الأردني، بتاريخ 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وهي تظهر حال ذلك التشريع، وتموضعه في التشريعات الأردنية، ومدى انسجامه مع الدستور الأردني حيث يرى..

1) إن جريمة التعكير وتعريض مصالح الأردنيين للخطر المذكورة، أوردها قانون العقوبات الأردني في المادة (118/2) وجعل منها جناية، حيث نصت هذه المادة على ما يلي:

"يعاقب بالاعتقال المؤقت مدة لا تقل عن خمس سنوات: من أقدم على أعمال أو كتابات أو خطب لم تجزها الحكومة فعرّض المملكة لخطر أعمال عدائية، أو عكر صفو علاقاتها بدولة أجنبية، أو عرّض الأردنيين لأعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم".

ويلاحظ هنا أن النص يتحدث عن دولة أجنبية، وليس دولة صديقة أو شقيقة.

كما أن التعديل الذي جرى على قانون منع الإرهاب في 1 حزيران/ يونيو 2014، قد اعتبر في المادة (3/ن) عملاً إرهابياً عقوبته الأشغال الشاقة المؤقتة: "القيام بأعمال من شأنها أن تعرض المملكة لخطر أعمال عدائية أو تعكر صلاتها بدولة أجنبية، أو تعرض الأردنيين لخطر أعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم". ويلاحظ هنا أن الفعل المجرّم بهذا النص، هو ذات الفعل الوارد في المادة (118/2) من قانون العقوبات، لكن الاختصاص أصبح لمحكمة أمن الدولة.

2) إن التجريم في المادتين السابقتين، في مجال موضوعنا، له صلة وثيقة بحرية الرأي من حيث أساسها وجوهرها، وفقاً للمادة (15/1) من الدستور الأردني التي تنص على أنه:

"تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب عن حريته بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير، بشرط أن لا يتجاوز حده القانوني". ورغم أن المحاكم الأردنية قضت في وقائع مماثلة، بل متطابقة، بأن هذه الوقائع تدخل في باب حرية الرأي التي تكفلها المادة (15/1) من الدستور، ولا يجوز تطبيق المادة (118/2) من قانون العقوبات عليها، إلا أننا الآن لا نحتاج للإستناد إلى هذا الاجتهاد القضائي رغم سلامته، بعد أن حسمت المادة (128/1) من الدستور التي أضيفت عام 2011؛ أمر عدم دستورية مادة قانون العقوبات ومادة الإرهاب سابقتي الذكر في مجال موضوعنا.

3) ذلك أن المادة (128) من الدستور الأردني، تنص فقرتها الأولى على أنه:

"لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها". وأوجبت الفقرة الثانية من المادة (128) المذكورة إلغاء أو تعديل جميع النصوص التي تتعارض (في موضوعنا) مع حكم الفقرة الأولى سابقة الذكر، خلال مدة حدها الأقصى ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ سريان النص الدستوري، أي من تاريخ 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2011.

 

يستمر العمل بهذه التشريعات، ويودع المزيد من أصحاب الرأي السجون، بسبب هذا التجريم

4) وحيث أن المادة (118/2) من قانون العقوبات، والمادة (3/ب) من قانون منع الإرهاب، في ضوء ما سبق، تؤثر على جوهر حرية الرأي وتمس أساسياتها، فإن تطبيق هاتين المادتين اعتباراً من تاريخ انتهاء الثلاث سنوات، أي من تاريخ 30 أيلول/ سبتمبر 2014، على ما يصدره الأردني من رأي، يكون مخالفاً لنص الدستور حتماً.


هذا هو خلاصة الرأي القانوني المعتد به لواقع هذه المسألة، ورغم هذا، يستمر العمل بهذه التشريعات، ويودع المزيد من أصحاب الرأي السجون، بسبب هذا التجريم، بل يختم الدكتور الحموري موقفه العلمي المعتبر بقول يتعين على كل من يهمه الواقع التشريعي في الأردن أن يقرأه بتمعن، حين يرى أن ما كتبه كل صاحب رأي بهذا الخصوص، سوف يستتبع بالضرورة تجريم من ينتقد أمريكا أو بريطانيا أو دولة الاحتلال الصهيوني؛ لأن النصين يتحدثان عن دولة أجنبية، مما يعني أن يمتد التجريم إلى الغالبية العظمى من الكتاب والسياسيين في الأردن الذين يوجهون النقد القاسي لهذه الدول. ومن هنا جاءت أهمية المادة (128/1) من الدستور، التي تمنع التأثير على حرية الرأي من حيث جوهرها أو أساسها، عندما بدأ نصها بكلمة "لا يجوز" الآمرة!

لماذا نستدعي هنا كل هذه المطالعة القانونية المهمة؟

 

ثمة دول "شقيقة" جدا بدأت تدوس على مشاعر الأردنيين، والعرب والمسلمين، ويرتكب رعاياها أفعالا مخلة بالشرف والوطنية

باختصار شديد نقول إن ثمة دولا "شقيقة" جدا بدأت تدوس على مشاعر الأردنيين، والعرب والمسلمين، ويرتكب رعاياها أفعالا مخلة بالشرف والوطنية والقومية وأخوة الدين، ويفترض هنا على الأردني صاحب الرأي أن يعض على جرحه؛ فلا يقول حتى كلمة "أخْ" ولا يبدي رأيا كي لا يقع تحت طائلة الذهاب إلى المحكمة، والتجريم، وكل ما يمكن أن يفعله أنه يتوجع مما يفعله عربان النحس من هرولة لإرضاء العدو الصهيوني، وتوجيه أقذع وأفظع الأوصاف للشعوب العربية، وخاصة الشعب الفلسطيني، والتشكيك حتى بوجود فلسطين نفسها، بل هناك من الدول العربية من يعتقل أردنيين وفلسطينيين ومصريين (وغيرهم) بأوامر من سادة الاستبداد العرب والعدو الصهيوني، وتقف دولتنا الأردنية عاجزة عن فعل شيء، بل إن من "حقها"، وفق التشريعات أعلاه، أن تحاكم كل من يبدي رأيا بهذا الخصوص، وهي في هذا ترعى مشاعر الدول الأخرى من أن يمسها رأي كاتب أو مدون أردني، حتى ولو داست تلك الدول على كرامتنا وانتهكت حرية أبنائنا وسامتهم سوء العذاب!

لقد حان الوقت لتعديل تلك التشريعات، احتراما للدستور وللشعب الأردني، وحفاظا على كرامته من أن تتحول إلى مضغة في ألسنة الصغار من عربان النفاق والخيانة!

هناك في سجون دولة "شقيقة" جدا سجناء أردنيون معتقلون منذ أربعة أشهر أو يزيد دون تهم ولا محاكمة، وكل تهمتهم أنهم متعاطفون مع فلسطين ومقاومتها المشروعة للاحتلال، فماذا عنهم أيها الناس؟ وأين دولتهم عنهم؟ وهل يجوز الكتابة عنهم و"دب الصوت" أم أن هذا "يؤذي!" مشاعر "الأشقاء" الذين لا يهمهم أي مشاعر لا للدولة الأردنية ولا لشعبها؟

 

التعليقات (0)