قضايا وآراء

ما بعد فشل ورشة المنامة!

بلال خليل ياسين
1300x600
1300x600
بعيداً عن تفاصيل الثمن البخس الذي قدمه "كوشنر" لتصفية القضية الفلسطينية، ودون التطرق لمؤهلات "كوشنر" التي لا تتعدى كونه زوج ابنة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وبغض النظر عن الصورة الهزلية التي أظهرت صبياً يقف خطيباً في العرب والأوروبيين، من أجل أن يسرق جوهرة العرب والمسلمين "فلسطين" بأموال العرب، لقد أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أنَّ ورشة المنامة التي دعا إليها البيت الأبيض من أجل تحسين حياة الفلسطينيين، لم تُقدم الكثير من المغريات، خاصة وأنها اعتبرت الخطوة الأولى في خطة السلام الأمريكية التي تعهدت بها إدارة دونالد ترامب. ورأت الصحيفة، أنه إذا كان المؤتمر الذي استمر ليومين هو محاولة من إدارة ترامب من أجل حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن مخرجات هذا المؤتمر على إمكانية ذلك كانت قليلة، مشيرة إلى أنه يمكن اعتبار أن المؤتمر فشل.

وقد أصدرت الخارجية الروسية بياناً أوضحت فيه أنَّ الخطة المطروحة خلال ورشة المنامة غير بناءة، وأنَّها تجاهلت استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. وأكد البيان أنَّ أي مبادرة للسلام في منطقة الشرق الأوسط، عليها دعم مبدأ تسوية الخلافات على أساس حل الدولتين.

كما أكدت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية أنَّ ورشة المنامة تشبه مؤتمر دافوس أو أي مؤتمر آخر، وأشارت إلى أنَّ" ترامب" مطور عقاري ليس لديه خبرة في الدبلوماسية أو الشرق الأوسط، لذلك كانت النتيجة تقريباً كما هو متوقع: لا توجد حتى الآن خطة لحل النزاع الأساسي والقضايا الشائكة العديدة (الحدود، اللاجئون، وضع القدس، أو فكرة الدولة الفلسطينية ذاتها).

بالتأكيد لم يكن لدينا شك في فشل ورشة المنامة، وأنها ولدت دون أدنى مقومات الحياة، وأنَّ "كوشنر" وفريقه المكلف لحل الصراع الصهيوني الفلسطيني يجهل طبيعة الصراع وواقعه الحقيقي، وهذا ما عبر عنه الخبير الاقتصادي الإسرائيلي سيفر بلوتسكر عندما قال: الخطة الأمريكية الاقتصادية التي قدمت في قمة البحرين مخيبة للآمال، ومحرجة لمن قدمها؛ لأنها تكشف ذروة في عدم الجدية، وغياب المهنية، والانفصال عن الواقع.

بيد أننا أمام إجراءات عملية تسعى لاستئصال القضية الفلسطينية حتى لو كانت واهية في المعنى والمبني، وهذا يُوجب علينا قراءة المشهد جيداً، حتى يتسنى لنا مواجهة التهديدات الحالية، والمخططات المستقبلي. ومن أهم الصور التي أُلتقطت في مشهد المنامة، الثلاثة التالية:

أولاً: أنَّ إدارة ترمب تقفز عن الحقائق التاريخية، والطبيعة الواقعية لتركيبة المنطقة العربية، وتنحاز بشكل سافر للاحتلال الصهيوني وتمدده الاستعماري في الأراضي الفلسطينية، وتستخدم في سبيل ذلك المغريات الوهمية بعد الحصار الاقتصادي؛ لإيجاد واقع سياسي جديد، وهذا على عكس مواقف بعض الدول الأوروبية التي لم تحضر الورشة، أو أبدت تفاعلاً باهتاً للمعطيات الهشة التي قدمها الأمريكيون في ورشة المنامة.

ثانياً: أنَّ الوضع غير المستقر في المنطقة دفع بعض الدول العربية للترحيب بالاحتلال ورفع مستوى التطبيع معه، ظانين أنَّ التقرب من "إسرائيل"، مدللة الولايات المتحدة، سيُعزز من حظوتها عند "ترامب"، وسيثبت عروش أنظمتها الحاكمة في ظل التقلبات العاصفة في المنطقة العربية.

ثالثاً: حقيقة الموقف الفلسطيني وقوته في مواجهة الخطة الاقتصادية التصفوية، فقد أبدت مواقف الفصائل الفلسطينية الموحدة خلف رفض ورشة المنامة ومتعلقاتها؛ قوة كبيرة عبّر عنها الشارع الفلسطيني، من خلال الخطاب الإعلامي والمظاهرات الجماهيرية وجميع الفعاليات التي أوصلت بوضوح رسالة الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية.

وهنا يأتي السؤال المهم: ما هو المطلوب بعد ورشة المنامة وما تبلور عنها من صور مختلفة؟ أعتقد أنَّ موقف المجموع الفلسطيني ووحدته شكل عامل قوة في إفشال ورشة المنامة، وهذا ما يمكن البناء عليه في مواجهة ما هو قادم، خصوصاً أنَّ القضية الفلسطينية ما زالت حاضرة بأهميتها وتأثيرها في المنطقة العربية، رغم العديد من المحاولات التي تسعى لإخمادها، وتقديم إيران كتهديد جديد للمنطقة، وضم إسرائيل كحليف في مواجهة هذا التهديد. بالتأكيد هناك نقاط قوة يمكن المراهنة عليها، فالشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وبعض الدول العربية والأوروبية ما زالت تدافع عن الحق الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير، وهذه مساحات جيدة يمكن استثمارها والعمل على تعزيزها، لكن هذا يتوقف على وحدة القرار الفلسطيني وتماسكه.

وهنا لن أتطرق إلى قضية المصالحة الفلسطينية رغم أهميتها، ونُطالب جميع الأطراف المعنية بالعمل على تحقيقها على أساس الشراكة الوطنية، لكن تحديات الوقت أحياناً تفرض علينا تجاهل التفاصيل التي تُربك الصف وتُفككه، وتُشتت البوصلة وتحرفها. ولأنَّ حيثيات المصالحة كثيرة، ومساراتها متعددة، فإنني أقترح البناء على تجربة الموقف الواحد تجاه التحديات المختلفة، بحيث يتم التنسيق المباشر وغير المباشر في دعم القرارات الرسمية، وترجمتها عملياً في المجالات كافة، وهذا قد يقلص مساحات الاختلاف بين القوى الوطنية الفاعلة، ويعضد من الصوت الفلسطيني الموحد، ويبعث الأمل في المصالحة الحقيقية.

قد يكون ما أطرحه استراتيجية جديدة للتعاطي مع ملف المصالحة الفلسطينية الواجبة، إلا أنَّ تحديات اللحظة أوجب في السير في مسار بعيداً عن المناكفات الداخلية، والاتهامات البينية، خصوصاً أنَّ المرحلة مقبلة تشي بعقوبات مالية جديدة قد تطال السلطة الفلسطينية، وقطاع غزة، السبب الذي سيجعل المشهد الفلسطيني أكثر خطورة من أي وقت مضى.
التعليقات (0)