مقالات مختارة

الخرطوم.. الجوار يكافح عاصفة التغيير

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

حالة من الهلع والتوجس تنتاب الدول المجاورة للسودان، بسبب اتساع رقعة الأراضي السودانية وطول الحدود مع دول الجوار التي يغلب على طبيعتها سهول منبسطة لا تشوبها تضاريس حادة تعوق التواصل السكاني على جانبي الحدود مما خلق تداخلا قبليا شديد التعقيد. فالسودان الذي يمور داخله مورا شديدا برياح الثورة والتغيير، يخشى جواره أن تغدو هذه الرياح عواصف تجتاح الأنظمة الهشة فيه والتي تعاني ذات الأعراض المرضية التي أطاحت بالنظام السابق في الخرطوم.


وفيما تلوذ القاهرة بحذر شديد إزاء التطورات السياسية في جارتها الجنوبية وتتدثر ظاهريا بحالة من الصمت البهيم الذي يخفي قلقا تكاد الخرطوم تسمع صريره من على بعد آلاف الأميال، تتزاحم هناك في الخرطوم المبادرات والمساعي من أديس أبابا وأسمرا وجوبا وأنجمينا، في محاولات هدفها الأساسي صد عواصف التغيير السياسي في السودان أكثر من تحقيق الاستقرار هناك.


آخر لهاث دول الجوار احتضان تشاد أمس الأول الخميس مباحثات لنائب رئيس المجلس العسكري وقائد قوات الدعم السريع مع القيادة التشادية ورعايتها لقاءاته مع حركات دارفور المسلحة، حركة تحرير السودان برئاسة مني اركو مناوي وحركة العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، حيث تم الاتفاق على تجديد وقف العدائيات تمهيداً للدخول في العملية السلمية.


صحيفة لوموند الفرنسية قالت إن الرئيس التشادي إدريس ديبي يدرك أن الرياح التي تُحدث التغيير في بلده تهب في الغالب من الشرق، ولذا فإن هناك تعتيما تاما بالتلفزيون التشادي على أخبار السودان وما يشهده من حراك شعبي، وبحسب لوموند أن النظام التشادي يسعى لتفادي السيناريو الأسوأ المتمثل في امتداد احتجاجات السودان إلى تشاد، إذ من المحتمل أن يقلد الشباب نظراءهم السودانيين، ولعل ديبي سعيد أو أنه سعى بطريقة أو بأخرى لأن يكون قائد الدعم السريع بين ظهرانيه في أنجمينا حيث يخشى نظامه أن يؤتى من قبل هذه القوات التي تدري تماما شعاب وتضاريس دارفور المجاورة لتشاد من ناحية الشرق بل إن رئيس أركان ديبي نفسه بشارة عيسى جاد الله هو ابن عم قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المشهور بحميدتي.


منذ عام 2010 تم توقيع اتفاق أمني مشترك بوقف حالة الحرب بين السودان وتشاد، وظل صامدا على غير عادة الاتفاقات بين البلدين حتى سقوط نظام الرئيس عمر البشير، فتاريخ العلاقة بين الخرطوم وإنجمينا قبيل ذلك الاتفاق الأمني ظل مثقلا بالاضطراب والمواجهة واستخدام الحركات المسلحة المتمردة في كلا البلدين للنيل من بعضهما البعض، ومارس الطرفان سياسة عض الأصابع؛ فالسودان كانت قضية دارفور المجاور لتشاد والمتداخل تماما معها، نقطة ضعفه وأصابعه التي تعضها تشاد بقوة. بينما كان النظام في الخرطوم يعض أصابع إنجمينا عبر محاولات جادة لإسقاط نظام الرئيس إدريس ديبّي، حتى إنه في فبراير 2008م كانت العاصمة التشادية
قاب قوسين أو أدنى من السقوط في أيدي المتمردين المدعومين من الخرطوم، ووصل بهم الأمر أن هددوا باقتحام القصر الرئاسي الذي كان يتحصن فيه ديبّي، إلا أن قوة فرنسية تدخلت في اللحظات الأخيرة وأجلت المتمردين عن العاصمة واستجمع ديبّي أنفاسه ومن ثمّ دحروا تماما خلال أسابيع تالية.


اليوم يريد الرئيس ديبّي الذي ينتمي لقبيلة الزغاوة التي ينتشر أفرادها بين السودان وتشاد ومثلت في ذات الوقت الثقل الأساسي لحركات دارفور المتمردة، أن يؤمن نظامه الذي ظل يحكم تشاد لفترة مماثلة لفترة الرئيس عمر البشير (30 عاما) ويحافظ على الاتفاق الأمني الموقع مع السودان في 2010 مقابل منع حركات دارفور من ممارسة أي نشاط عسكري ينطلق من الأراضي التشادية.


إن الثورة السودانية اليوم محاصرة بمصالح أنظمة دول الجوار التي ليس من مصلحتها قيام ديمقراطية حقيقية في السودان، بل إن مصالح أنظمة دول الجوار مرتبطة في نهايتها بمصالح الكبار فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والتي ليس من أولياتها إقرار ديمقراطيات في هذه الدول الواقعة تحت سطوة أنظمة قمعية فاسدة.

 

عن صحيفة الشرق القطرية


0
التعليقات (0)