قضايا وآراء

صندوق معلومات الرئيس مرسي

هاني بشر
1300x600
1300x600

رئيس الدولة هو مخزن أسرار استراتيجية كثيرة تتعلق بملفات الأمن القومي وتقارير الاستخبارات ومعلومات حصرية. وأتصور أن الهدف الأبرز من عزل الرئيس الشهيد محمد مرسي عن أية زيارات، وحتى عن محاميه، ثم قتله البطيء بعد ذلك، يتعلق بهذا الأمر أكثر من غيره من الأسباب. فالرجل بقي عاما كاملا يتجول في دهاليز الدولة المصرية العتيقة، ويلتقي العدد من الرؤساء العرب والأجانب، ومنذ تم الانقلاب عليه في عام 2013، لم نسمع رأيه في كل ما جرى.

ولا أدري لماذا لم يحظَ خبر هام حول هذه الأسرار بالاهتمام الكافي. فقد نقلت وكالة الأسوشيتد برس عن مصدر قضائي، لم تسمه، أن الرئيس مرسي طلب الكلمة أثناء المحكمة، وقال إن لديه أسرارا هامة كثيرة تتعلق بالأمن القومي لا يريد الإفصاح عنها إلا في جلسة سرية وتتعلق ببراءته. وكان ذلك قبل دقائق من رفع الجلسة، ثم وفاته بعد ذلك.

وهذه ليست المرة الأولى التي يقول فيها هذا الأمر، فهناك تسريب بصوته قبل عدة سنوات يكرر فيه الأمر ذاته. هذا إن دل على شيء فهو يدل على أن مرسي قد ضحى بحياته وبراءته من أجل ألا يمس الأمن القومي المصري بسوء. ودليلنا على ذلك تسريب صوتي بصوته، ومصدر قضائي لوكالة أجنبية ذات مصداقية، الأمر الذي يعطي لاستشهاده بُعدا إضافيا، ويفتح بابا آخر حول التشكيك في أن وفاته تمت بطريقة طبيعية.

 

مرسي لم يكن يعمل وحده في القصر، فقد كان لديه مستشارون ومساعدون وسكرتارية من أعوانه

رحل الرئيس مرسي إلى جوار ربه حاملا معه أسرارا لا يعلم أحد مدى خطورتها ولا تفاصيلها وأي نوع من الخطر يمثله كشفها. لكن مرسي لم يكن يعمل وحده في القصر، فقد كان لديه مستشارون ومساعدون وسكرتارية من أعوانه. صحيح أن معظمهم مسجونونو ومعزولون عن العالم حاليا، لكن هناك من أقرب المقربين منه خارج مصر، وهناك أيضا وزراء ومسؤولون سابقون خارج مصر الآن. وأعتقد أن عديدا من هؤلاء يملك كثيرا من المعلومات حول ما جرى خلال هذا العام الساخن والنادر في حكم مصر.

لقد اتسمت السنوات الماضية باستقطاب شديد وشح في المعلومات حول هذه السنة ما بين انتقائية في تسريب المعلومات بين مؤيد مرسي ومعارضيه. الكل يعرض للرأي العام المعلومات التي تؤيد موقفه السياسي. ونحن هنا لا نتحدث عن أسرار للأمن القومي، بقدر ما هو عرض أمين لطبيعة العلاقة المتشابكة والمعقدة بين كل من الرئيس من جهة، وجماعة الإخوان وأجهزة الدولة والقوى السياسية والدول الأخرى، من جهة أخرى.

لقد كان تعريف الشرعية السياسية وعودة الرئيس مرسي للحكم محل خلاف سياسي وشعبي كبير قبل استشهاده، رحمه الله. والآن لم يعد لهذه المطالب، وبالتالي هذا الخلاف، محل من الإعراب. والآن، يحاول بعض الحقوقيين والسياسيين تحول دفة المطالب الجماعية حاليا للشق الجنائي في وفاة مرسي ولأوضاع المعتقلين الذين قضوا نحبهم في السجون بسبب الإهمال. وهو مطلب هام وضروري، لكنه لا يسد فراغ المطلب السياسي المتعلق بمنصب الرجل الذي شغله، وما حمله من أسرار دفع حياته ثمنا لعدم كشفها.

 

لقد كان تعريف الشرعية السياسية وعودة الرئيس مرسي للحكم محل خلاف سياسي وشعبي كبير قبل استشهاده، رحمه الله. والآن لم يعد لهذه المطالب، وبالتالي هذا الخلاف، محل من الإعراب

لقد أتيحت للرئيس المغدور محمد نجيب كتابة مذكراته، ولولاها ما كان لدينا وجهة نظر أخرى عن الأعوام الحاسمة في بداية ثورة يوليو 1952. صحيح أن كافة القوى السياسية تقريبا لم تستفد منها بالقدر الكافي، لكنها لم تفقد صلاحيتها في التأثير كمدونة للتاريخ من رئيس سابق، وكدرس قد تعيه جيدا الأجيال القادمة لتحسين حاضر ومستقبل هذا البلد، فضلا عن أهميتها لتوثيق الجنائي والقضائي. ولهذا، فإن الأمانة في كشف ما حدث بين الرئيس مرسي وبقية الجهات السابق ذكرها هو أمر هام وحيوي، وهي شهادة حق نحتاجها لنبصر مواضع أقدامنا سياسيا. "ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه".

التعليقات (0)