مقالات مختارة

الأزمة السودانية.. تدويل بامتياز

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

بالأمس تكالبت الأطراف الدولية على مائدة الأزمة السودانية وشهدت العاصمة الألمانية برلين تدويلا غير مسبوق للأزمة المتطاولة منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل الماضي. الحضور الدولي الكثيف ضم كلا من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة دول «إيقاد» ومجموعة دول الترويكا (الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة والنرويج)،

 

ليس هذا فحسب، بل حضور كل من مصر والإمارات والسعودية أيضا. الغرض المعلن للاجتماع هو بحث تخفيف التوتر بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير والتوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة انتقالية.

إن تدويل المسألة السودانية يعني ببساطة عجز الداخل السوداني عن تدبير أمره بما يحفظ ويعلي المصالح الوطنية، أما هذا التدويل يعني طغيان الأجندة الخارجية إقليميا ودوليا على الأجندة الوطنية وهذا قمة الفشل للنخبة السياسية السودانية.

 

ولا تبدو هناك أهمية لاجتماع الأمس إلا من خلال النظر إلى تصاعد التكالب الدولي على السودان، بيد أن ذلك يمثل بالنسبة للوضع الداخلي مزيدا من التعقيد للأزمة السودانية باعتبار أن هذه الأطراف الدولية لن تتفق على أجندة واحدة، لأن كل طرف من الأطراف له فهم وأجندة تختلف ربما كليا عن أجندة الطرف الآخر، ومن الصعب الجزم بإمكانية الوصول إلى تسوية أو حلول تدعم الاستقرار?.

عليه لن يحرك اجتماع برلين المياه الراكدة بين المجلس العسكري الانتقالي وإعلان قوى الحرية والتغيير، بل العكس صحيح إذ سيصب مزيدا من الزيت على نار أزمة البلاد، والناظر إلى تشكيل هذا الحشد الدولي يرى على سبيل المثال أن الاتحاد الأوروبي ينظر للسودان من باب مكافحة الهجرة إلى أوروبا والحد من عمليات اللجوء إلى دوله، والطرف الوحيد الذي يساعده على هذا المجلس العسكري خاصة ما يعرف بقوات الدعم السريع وقائدها الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس العسكري.

فهناك اتفاق سابق بين الاتحاد الأوروبي وقوات الدعم السريع تضمن بذلا ماليا سخيا لمنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، باعتبار أن السودان معبر مهم يأتي إليه المهاجرون من مختلف الدول الإفريقية ومنه عبر الصحراء إلى ليبيا ثم إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، فمن المؤكد أن الاتحاد الأوروبي يدخل الاجتماع وفي باله دعم المجلس العسكري، لأنه الجهة الوحيدة القادرة على وقف الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإتجار بالبشر وليس أي حكومة مدنية وفقا لرؤية إعلان الحرية والتغيير.


أما الولايات المتحدة الأمريكية التي سبق لها أن أرسلت مبعوثا إلى السودان التقى أطراف الأزمة، يهمها عدم انزلاق الوضع في السودان إلى فوضى قد تربك خططها المرسومة للمنطقة، مع الأخذ في الاعتبار الخلاف بين الجهات الأمنية والعسكرية الأمريكية متمثلة في البنتاجون ووكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية من جانب ووزارة الخارجية جانب آخر، فالأولى أن تدعم المجلس العسكري بينما تدعم الثانية قوى الحرية والتغيير والحكومة المدنية.

ويمكن النظر إلى دور الولايات المتحدة من خلال حلفائها الإقليميين (مصر والسعودية والإمارات)، والذين يدعمون المجلس العسكري، حيث يمكن للولايات المتحدة من خلال حلفائها محاربة ما تصفه بـ»الإسلام السياسي»، في حين أن السعودية والإمارات يهمهما بالإضافة إلى ذلك استمرار استنزاف القوات السودانية في حرب اليمن، وهو الأمر الذي تتعهد به قوات الدعم السريع بشكل أساسي.


أما كل من الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي الذي يلهث خلف الوساطة الإثيوبية فدورهما «ديكوريا» أكثر من كونه دورا فاعلا؛ فالوساطة الإثيوبية مهددة بالفشل الوشيك بعد تمسك قوى الحرية والتغيير بشروطها من أجل عودة المفاوضات ورفض المجلس العسكري تثبيت ما تم الاتفاق عليه فيما قبل فض الاعتصام بالقوة وبروز اتهامات للوسيط الإثيوبي بالانحياز لقوى المعارضة.

 

ومن الطريف ذلك التصريح الذي أدلى به الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، بعد يومين من زيارة أمينها العام أحمد أبو الغيط للخرطوم؛ بأن «الجامعة العربية لا تنافس الاتحاد الإفريقي في الأزمة السودانية».


المحزن أنه مع كل الجدل السياسي المحتدم داخليا وخارجيا، لا حديث حول المشكل الاقتصادي الذي كان سببا أصيلا في خروج جماهير الشعب السوداني ثائرة منذ ديسمبر من العام الماضي. فهل حقا أن هذا الحشد الدولي هدفه الأسمى استقرار السودان الاقتصادي والسياسي والانتقال الديمقراطي؟

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل