مقالات مختارة

الثورة ولعبة المصالح الإقليمية والدولية

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

حالة من الوجوم والإحباط غير مسبوقة تعتري الشارع السوداني؛ فقد تراجعت الأماني والطموحات التي ارتفعت إلى عنان السماء بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل الماضي، وبعد ما كان الشعب الذي فجر تلك الثورة قد خرج مطالباً بتحسين الأوضاع الاقتصادية ومحاربة الفساد أضحى يطالب بالحد الأدنى من الأمن والطمأنينة خاصة بعد الأحداث الدامية إثر فض الاعتصام في الثالث من يونيو الحالي.

اليوم الحديث يدور جهرا وبصوت عالٍ وسط عامة السودانيين وليس النخب فحسب، عن التدخلات الخارجية، خاصة الإقليمية التي أفسدت الثورة وذهبت ببريقها وألقها. وهناك ربط وثيق بين الزيارات التي قام بها رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان إلى كل من مصر والإمارات والسعودية وفض الاعتصام بالقوة المفرطة، فسالت دماء بريئة وتحولت الخرطوم إلى ثكنة عسكرية من فرط التواجد العسكري المسلح، خاصة من جانب قوات الدعم السريع في كل شوارعها وأزقتها مما رفع درجة التوتر لأقصى حد.

ولعل التدخل الثلاثي السعودي والمصري والإماراتي تتجمع فيه خيوط متعددة وربما متداخلة؛ فهذه الدول تجمعها معاداة الثورات الشعبية والأنظمة الديمقراطية كما تجمعهم "الإيرانوفوبيا" التي تغذيها فيهم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فلهذه الدول صراع شرس مع ثورات التحرر والانعتاق من الديكتاتوريات والثورة السودانية إحدى ثورات الربيع العربي، ولعل التدخل بدا سافرا وبدون مواربة للحد الذي أكد فيه مراسل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية انتشار مركبات عسكرية إماراتية تجول في شوارع الخرطوم. ويشير تقرير لمجلة فورين بوليسي إلى أن رئيس جهاز الأمن السابق صلاح قوش أكد أن مشاركة الإمارات قد تنامت بعد إقالة البشير.

من جهة أخرى تتورط السعودية والإمارات في حرب دامية مع إيران مسرحها اليمن وهما يستخدمان الجنود السودانيين في تلك المحرقة بتواطؤ من القادة السودانيين، وفيما يرفع ترامب من وتيرة التخويف من إيران يتشبث السعوديون والإماراتيون ببقاء الجنود السودانيين في اليمن ويخشيان من أي تغيير سياسي في السودان يترتب عليه تصحيح الخطأ الذي وقع فيه نظام البشير بإرسال الجنود السودانيين لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. ويبدو أن رياح المواقف الدولية تأتي بما تشتهي سفن المجلس العسكري الحاكم اليوم رغم الإدانات الخجولة والنفاقية التي تغازل جماعات الضغط والمنظمات الحقوقية بيد أنها لا تغير في حقيقة مواقف سياسية انتهازية ومصلحية ولا علاقة لها بالقيم الديمقراطية والحقوقية والإنسانية. بينما فشل مجلس الأمن الدولي في إصدار مجرد بيان بشأن ما حدث في السودان طالعتنا بعض الدول الأوروبية ببعض البيانات النفاقية التي لا تسندها خطوات عملية.

وإن لم يتمكن العالم المتحضر المزوّد بكل أسباب القوة المادية والعسكرية من فرض الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة على الأنظمة الديكتاتورية بسبب تضارب المصالح، فليكن ذلك بممارسة النفاق عبر حلول جزئية تذر الرماد على العيون ولا تقرب الحلول الجذرية والمستدامة التي ثمنها التضحية بالمصالح المرتبطة باستمرار الأنظمة الفاسدة الباطشة، ولم يعد المشكل كما كان في السابق مجرد ترف تنشغل به الحكومات والمنظمات الطوعية لإظهار "إنسانية" العالم المتحضر وللتعويض النفسي جراء الشعور بالتقصير تجاه عالم استعمروه سنين عجافا ويسمى ثالثاً ومنكوبا بالحروب والأزمات السياسية.

وحينما قفزت مشكلة اللجوء إلى قمة أجندة المشاكل الدولية المزمنة خلال السنوات الأخيرة، وضاقت أوروبا بها ذرعا وطفقت تلتمس الحلول بكل السبل الميكافيلية وفي أي مكان وبأي وسيلة وطريقة أعلنت الخرطوم في 2016 عن اتفاق الخرطوم مع الاتحاد الأوروبي على وقف تدفق اللاجئين من بؤر الصراع في أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، بل أكدت الخرطوم تلقي السودان مبلغ (110) ملايين يورو لضبط الحدود. وتصنف أوروبا السودان باعتباره من أكثر الدول الأفريقية التي تلعب دورا محوريا في تصدير اللاجئين من أفريقيا إلى أوروبا، وذلك بحكم موقعه الجغرافي وحدوده الممتدة المجاورة لست دول. وأعلنت قوات الدعم السريع المتهمة بالتورط في أحداث فض الاعتصام الدامية، حينها أنها هي المعنية بضبط الحدود ومنع تدفق اللاجئين.
عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)